سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إلتقت عبدالناصر والسادات وحملها موشي دايان رسالة إلى عرفات . قصة حب متأخرة أوحت لها بديوانها الجديد "إنه اللحن الأخير" فدوى طوقان : أكره أم كلثوم وأغاني فيروز تحرّضني على الشعر!
كثيرون هم القرّاء العرب الذي يعرفون قصائد فدوى طوقان عن ظهر قلب، لكنّ قلّة من محبّي الشاعرة الفلسطينيّة يعرفون خفايا حياتها الخاصة والعامة. وقلّة من قرّائها يعرفون مثلاً أن موشي دايان حمّلها، في العام 1996، رسالة إلى ياسر عرفات، تتضمّن عرضاً بلقائه في أي مكان من العالم! وقد عادت صاحبة "اعطنا حباً" أخيراً إلى دائرة الضوء في مناسبة الفيلم الوثائقي الذي أنجزته الأديبة الفلسطينية ليانة بدر عن حياتها. كما خصّها مهرجان جرش الأردني الأخير بتظاهرة تكريم. وقد قصدتها "الوسط" في مناسبة صدور مجموعتها الشعريّة الجديدة: "إنه اللحن الاخير" التي ينبعث منها ما يشبه موسيقى الوداع، وتتأرجح قصائدها بين تأجج القلب العاشق ورثاء العمر الضائع... وهنا وقائع الحوار مع الشاعرة التي ولدت بين عالم يموت وآخر على أبواب الولادة، والتي تختصر سيرتها الذاتيّة صفحات أساسيّة من الذاكرة الفلسطينيّة المعاصرة. "خرجتُ من ظلمات المجهول الى عالم غير مستعد لتقبلي. أمي حاولت التخلص مني في الشهور الاولى من حملها بي. حاولت وكررت المحاولة، ولكنها فشلت". بهذه الكلمات تستهل فدوى طوقان سيرتها الذاتية "رحلة جبلية... رحلة صعبة"، ثم تضيف ببداهة الطفلة التي لم تستطع الفكاك منها: "تاريخ ميلادي ضاع في ضباب السنين، كما ضاع في ذاكرة والديّ. اسأل أمي: لكن يا أمي على الاقل في اي فصل؟ في اي عام؟ وتجيب ضاحكة: كنت يومها أطهي "عكّوب"، هذه شهادة ميلادك الوحيدة التي احملها"... وتشرع الطفلة في تقدير وقت ميلادها، فلا تستدل سوى على وقع طبول حرب كونية: "بين عالم يموت، وعالم على أبواب الولادة، خرجتُ الى هذه الدنيا: الامبراطورية العثمانية تلفظ آخر انفاسها، وجيوش الحلفاء تواصل فتح الطريق لاستعمار غربي جديد"... كان ذلك العام 1917. ولم تغب هذه العفويّة الفطرية عن فدوى طوقان طيلة سنوات عمرها، ولعل من شاهدها اخيرا في عمان على هامش الندوة النقدية التكريمية التي خصصت لها في اطار "مهرجان جرش" الأخير، لا بد سيعثر على الطفلة التي عاين بعض ملامحها بين سطور القصائد التي كتبتها منذ "وحدي مع الايام" 1952 حتى مجموعتها الصادرة حديثاً في عمان "إنه اللحن الاخير" 2000. "الوسط" التقت شاعرة فلسطين في العاصمة الأردنيّة، عشية تكريمها الذي وصفته بأنه "سارع في شفائها، وضخّ في عروقها دما جديدا"... فكان الحوار التالي: يصفك درويش بأنك احد اضلاع المثلث الشعري العربي إلى جانب نازك الملائكة وسلمى الخضراء الجيوسي. ما رأيك؟ - هذا تكريم لتجربتي من قبل شاعر استثنائي، وشهادة لا تقدّر بثمن. لكنّني غير قادرة على تصنيف موقعي من خريطة الشعر العربي، وغير مخوّلة بذلك... وضعك درويش مع الملائكة في المستوى نفسه، في حين انك تعترفين بأنها كانت معلمتك وموجهتك الى شعر التفعيلة؟ - لا ارى غضاضة في الامر، فقد كنت اكتب الشعر العمودي، ولما جاءت نازك الملائكة باقتراحها الجديد، اعجبت به، ووجدت انه يلائمني، فتركت كتابة الشعر العمودي، ولجأت الى الشكل الجديد. فقد كنت أتعب وأبذل جهدا في كتابة الشعر العمودي، والبحث عن القافية، وهو ما وجدت فكاكي من قيوده في قصيدة التفعيلة. لا أشعر بالغيرة ! ألا تشعرين بالغيرة لأنها سبقتك الى اكتشاف شكل جديد في الكتابة؟ ألم تدفعك كتابة الشعر العمودي المرهقة، الى التفكير بشكل جديد كما فعلت الملائكة؟ - لا أشعر بالغيرة أبداً! الملائكة سلكت هذه الدرب من خلال دراستها الاكاديمية وأبحاثها، اما انا فقد درست على نفسي، ولم افكر باقتراح شكل جديد لكتابة الشعر العربي... وبالتالي فالملائكة في هذا المضمار سبّاقة ورائدة. جرى تكريمك في مهرجان جرش الاخير في الاردن، حيث أقيمت ندوة نقدية تحت عنوان عريض هو: "فدوى طوقان بين قيد المرأة العربية، وفضاء النص". هل يعبر هذا المحور عن الواقع الذي عشته على المستويين الانساني والابداعي؟ - انه يعبر عن تجربتي على نحو جلي ودقيق: فقد عانيت في بداياتي على المستوى الاجتماعي كثيرا، ولكنني كنت على المستوى الابداعي اكتب بحرية وانطلاق. تجربتك في مجملها تجسيد لعذابات المرأة العربية، وتوقها لتحقيق ذاتها. فهل تعتقدين أن المرأة العربيّة تمكنت اليوم من أن تحتلّ المكانة التي تستحقّها، وأن تجاهر بوجودها وحساسيتها وأشواقها؟ - لا شك في ان المرأة العربية استطاعت ان تحقق ذاتها، فقد تعلمت تعليما عاليا، وسافرت، واثبتت وجودها في سائر المجالات. لقد كانت الثرثرة وظيفة المرأة الوحيدة في اوائل القرن الماضي، لأنها كانت وليدة مجتمع غير قارىء. تجربة حب "على كبر" في ديوانك الجديد "انه اللحن الاخير" نبرة وداع مجبولة برثاء ذاتي حار، هل كتبت قصائده تحت وطأة احساس ما بانقضاء العمر وضياع السنين؟ - نعم. في القصيدة التي يحمل الديوان اسمها، اعتذر عن الحب في مثل هذه السنين. في السابق، كان هذا الحب لي ملجأً، يدفىء أضلاعي واسكن فيه. وهل داهمك الحب حقا في هذه المرحلة؟ - نعم، واعتذرت عنه. لقد داهمتني تجربة حب "على كبر"، وانا خجلة من الافصاح عنها. ولماذا الخجل؟ - للخجل علاقة بطبيعة مجتمعنا. فالرجل مسموح له ان يحب، حتى لو كان عمره مئة عام، اما المرأة فلا! توماس هارفي أحب وهو كهل ولم يلمه احد، ولو فعلت امرأة ذلك، لما استقبلها المجتمع بارتياح. اذاً جرى اجهاض تلك التجربة تحت اعتبارات المجتمع وقيوده... - نعم. وكم استمرت تلك العلاقة؟ - زهاء سنة. وهل دفعتك لكتابة الشعر؟ - نعم، فالديوان الاخير مكتوب برمته تحت تأثيرها... وتحديدا قصيدة "انه اللحن الأخير" التي اقول فيها: "ما الذي يملك ان يفعله قلب/ يظل الشعر والحب قرينين من الجن/ لصيقين به لا يبرحانه/ ما الذي يملك ان يفعله قلب على/ طول المدى/ هو طفل الحب يمضي سادرا في غيّه/ لا ينثني عن عنفوانه". واقول في مقطع آخر من القصيدة: "يا حياء العمر، يا هذا الخجول/ ان هذا قدر العمر وهذا/ آخر الايقاع في اللحن الاخير/ إنه اللحن الاخير" وهل انت نادمة على انهاء تلك العلاقة؟ - لا، فقد اراحني هذا القرار كثيرا. ومم خشيت؟ - خشيت من حكم المجتمع، من ألسنة الناس التي لا ترحم، وتحديداً النساء. ولكنك دفعت ثمنا باهظا في حياتك للتحرّر من قيود المجتمع... - هذا صحيح في مجالات كثيرة. أما أن تعشق امرأة في مثل عمري، فهذا ما ليس من المكاسب حتّى الآن! فما زالت قيود المجتمع تحاصرنا، وتخنقنا. وماذا أحب فيك ذلك الرجل؟ - لا ادري. ألم يبلغك؟ - بشيء من الخفر بلى. لنقل إنّه كان يحب عيوني. وأنت ماذا أحببت فيه؟ - أحببت روحه. وهل بُحت بهذه العلاقة لأحد؟ - اطلاقاً... الا لقصائدي! طقوس الكتابة لننتقل الى طقوس الكتابة لديك، هل هناك مناخ معين تكتبين فيه، وهل تستخدمين اقلاماً معينة، او تختارين اوقاتاً مفضلة للكتابة؟ - اكتب في كل وقت، وبأي قلم، في الليل والنهار، في الصيف والشتاء. وهل تكتبين القصيدة دفعة واحدة، أم على دفعات؟ - هذا يعتمد على القصيدة، وعلى الحالة. في قصيدتي "حمزة"، مثلاً، تلبّسني هاجس الشعر، ولم استطع عنه فكاكاً. وكان حمزة قد هُدم بيته من قبل القوات الاسرائيلية، وقد شاهدته ذات يوم يسير في الشارع في مدينة نابلس في فلسطين. في تلك اللحظة اشتعلت القصيدة في رأسي، فتوجهت الى المنزل، وبدأت في كتابتها، حيث يقول مطلعها: "كان حمزة واحدا من بلدتي/ كالآخرين/ طيبا يأكل خبزه/ بيد الكدح/ كقومي البسطاء الطيبين/ قال لي حين التقينا ذات يوم/ وانا اخبط في تيه الهزيمة:/ اصمدي/ لا تضعفي يا ابنة عمي/ هذه الارض/ التي تحصدها نار الجريمة/ والتي تنكمش اليوم بحزن وسكوت/ هذه الارض/ سيبقى قلبها المغدور حيا/ لا يموت". ثم امضي في هذه القصيدة اصف كيف أمر الحاكم العسكري بهدم بيت "حمزة"، وسجن ولده، كما اصف كيف كان يقوم اهل البيت بنقل العفش الى الخارج قبل ان تحين ساعة الهدم، واصف العزم الذي لا يلين لأبناء شعبي، في حين كان المحتل الاسرائيلي يتغنى بالسلام... ثم توقفت لدي القصيدة، ولم استطع اتمامها. وفي اليوم التالي، رأيت "حمزة" في السوق، فهرعت مسرعة الى البيت، وشرعت أكتب: "أمس/ أبصرت ابن عمي في الطريق/ يدفع الخطو على الدرب/ بعزم ويقين/ لم يزل حمزة/ مرفوع الجبين". لقد بقيت مسكونة نحو ثلاثة ايام بهاجس هذه القصيدة، وكلما توقفت شعرت بالتوتر، الى ان انهيتها فاسترحت. وفي العادة اكتب القصيدة، واتركها حتى تتخذ لنفسها منظورا زمانيا. ثم اعود اليها بعد اسبوع، فأقوم بتحريرها وإدخال التعديلات عليها. فالابتعاد عن القصيدة لحظة الانتهاء منها يجعلني انفصل عنها، وحين أعود عليها لاحقاً، إنّما أفعل بروحية مختلفة. الشعر غريب جدا والظروف المحيطة به اشد غرابة، ففي مذبحة ايلول التي ذهب ضحيتها فدائيون فلسطينيون في الاردن العام 1970، كنت في حالة غضب وحزن، وكنت خائفة على شقيقتي وابنائها، ولم اتمكن من كتابة حرف. وذات يوم، بينما كنت اعد صحن "فتوش" في المطبخ، فتحت المذياع على اذاعة القاهرة وكانت تبث برنامجا يسمى "من مكتبة فلان"،، وكنت احب هذا البرنامج، وكان ضيف تلك الحلقة الشاعر صلاح عبدالصبور، وجرى الحديث عن مكتبته. وفي جانب المكتبة المخصصة للشعر، سأل المذيع عبدالصبور: هل تحتفظ في مكتبتك بكل الدواوين الشعرية التي تشتريها، فأجابه عبدالصبور: احتفظ فقط بالديوان الذي اجد له قيمة، ويستحق الاقتناء. وطلب المذيع من عبدالصبور ان يختار له ديوانا مفضلا لديه، فاختار ديواني "امام الباب المغلق"، ثم قرأ قصيدة منه. وكان ذلك بمثابة وضع اصبع على زر كهرباء اضاء داخلي على الفور، فذهبت الى اوراقي، وشرعت في كتابة قصيدة عن مذبحة ايلول هي "نبوءة العراف". وهل كانت تربطك علاقة بصلاح عبدالصبور؟ - كلا، لم أكن اعرفه، ولم التق به من قبل. بل التقيت به بعد تلك الواقعة. مَن مِن الادباء العرب تربطك به علاقة؟ - تربطني علاقة متينة ومميزة بمحمود درويش، وسميح القاسم. وكان بيني وبين نزار قباني رسائل كثيرة نشرتها مجلة "الكرمل" الفلسطينية قبل أشهر عدة. وماذا كان رأي نزار فيك وفي شعرك؟ - كان يقدّرني، ويحترم شعري، ويتضح ذلك في قصيدته التي كتبها بعد هزيمة حزيران 1967 ويقول فيها: "سلاما يا محمود درويش سلاما يا سميح القاسم سلاما يا فدوى طوقان". وما قصّة علاقتك بعلي محمود طه؟ - كان بيني وبين الشاعر علي محمود طه مراسلات، إذ اهداني ديوانه اثناء الحرب العالمية الثانية. وتزامن ذلك الوقت مع غرق سفينة للحلفاء تدعى "كريجس"، وقد ودعني قبطانها وهي تهوي في البحر وداعا دراميا. علي محمود طه التقط هذا المشهد وصاغ حوله قصيدة نشرها في صحيفة "الاهرام". ولما قرأت القصيدة احببتها كثيرا وحفظتها منذ القراءة الأولى. وتولدت لديّ الرغبة في ان اشكره على هذه القصيدة، فكتبت له رسالة اعربت فيها عن حبي للقصيدة وحفظي لها. ولم اخبر اخي ابراهيم بالرسالة خشية ألا يرد عليّ الشاعر، فأشعر حينها بالحرج تجاه ابراهيم. لكنّ الردّ جاءني من علي محمود طه بأسرع مما كنت أتوقّع، فأبلغت أخي ابراهيم به. وعندها قال لي: لماذا لم تريني رسالتك اليه، فأخبرته بالحقيقة. وكان طه ألحق رسالته بديوان جديد له هو "اغاني الملاّح التائه" ممهور باهداء جميل. قرأ أخي الديوان فأعجبه، وفرح به كثيراً. وكان أن كلفني باجراء مراجعة له، لتبث من اذاعة فلسطين التي كان يرأس القسم الادبي فيها. وفعلت ذلك بكل حماسة. كان أخي ابلغني بموعد اذاعة الحلقة، فأخبرت بذلك علي محمود طه الذي ردّ علي فيما بعد مبتهجاً. وقال لي: استمعت الى ما قلته عن الديوان بفرح، وكان برفقتي احمد حسن الزيات وعدد كبير من الادباء المصريين. انت تعزفين على العود، فماذا افادك ذلك، بماذا أمدت الموسيقى شعرك؟ - الموسيقى تمنحني الرغبة في قول القصيدة، واغاني فيروز تحرّض الشعر في عروقي بصوتها الملائكي. الموسيقى عموما تجري في دمي منذ الطفولة، فقد كنت وانا صغيرة احمل المخدة، واعزف عليها كما لو كانت عوداً. ولما اشتريت عوداً حقيقياً كنت اعزف واغني، وكان اخي ابراهيم يعطيني لقاء ذلك عشرة قروش. لمن كنت تغنين؟ - لعبدالوهاب، فهو سيد الغناء العربي. وأم كلثوم؟ - كنت أحب صوتها في شبابها، ولكن عندما كبرت شاخ صوتها. ومن ناحية عاطفية كانت أم كلثوم تكره الفلسطينيين. وهل صرحت علانية بهذه الكراهية؟ - لقد ابلغتني بذلك امرأة من عائلة نسيبة الفلسطينية الشهيرة، حيث كانت في زيارة للقاهرة ودعاها محمد حسنين هيكل هي وزوجها الى حفلة عشاء في بستان. وتصادف وجود أم كلثوم على الطاولة نفسها التي جلسا إليها. ولما جرى تعريف ام كلثوم عليهما باعتبارهما فلسطينيين، قالت: "أنا لا أحب الفلسطينيين، لأنهم باعوا بلادهم لليهود"! فردّت السيدة: "هذا كلام غير صحيح، فعدد الذين باعوا أرضهم لا يتعدى نسبة إثنين في المئة، اما من تركوا اوطانهم، ففعلوا ذلك هربا من الذبح والتقتيل والتشريد". عندئذ قالت ام كلثوم: "ازاي يحصل كدة، وانت لابسة فرو، وصدرك مليان باللولو"، فأجابتها السيدة الفلسطينية بالقول: "هذا الذي ارتديه جنيناه بعرقنا، فقد حرقتنا شمس الخليج، وقدمنا تضحيات كبيرة حتى حظينا على هذا الرخاء". ثم حينما شعرت هذه السيدة بأن أم كلثوم مصرة على موقفها قالت لها: "اذا كنت تكرهين الفلسطينيين، فلا تجلسي معهم على الطاولة نفسها!". ومنذ ذلك الحين وانا لا احب ام كلثوم، بل اكرهها. وقد ثبت كرهها لنا في اكثر من موقف: فقد علمت ان منظمة التحرير الفلسطينية عرضت عليها اكثر من مرة احياء حفلة يرصد ريعها للشعب الفلسطيني، فكانت ترفض، وذات مرة جاء الشهيد كمال ناصر، الى القاهرة من اجل ان تغني قصيدة له، فألغت المشروع مع ان الصحف في مصر وفلسطين كانت نشرت خبراً عن استعدادها لغناء قصيدة من شعره. لكنّني، كنت قبل ذلك احب ام كلثوم بشدة، واذكر كيف كنت اصحو يوم الجمعة منتعشة لأنني امضيت مساء الخميس في الاصغاء إلى صوتها. يجري وصفك في الاعلام ب "خنساء فلسطين" ما رأيك في هذا التوصيف، وبماذا تتقاطعين مع الشاعرة الخنساء؟ - هناك فرق كبير بيني وبين الخنساء، فهي بكت على أخيها، وتفجعت عليه، لكنها بالغت كثيرا في الامر. انا حزنت كثيرا على وفاة أخي ابراهيم، لكنني لم افعل مثل الخنساء، وبالتالي فان لا تشابه بيني وبينها، بل لا أعتقد أن هناك أي تقاطع أصلاً. يلاحظ قلة عدد النساء العربيات اللواتي يكتبن الشعر، في حين أن عدد الكاتبات اللواتي يكتبن النثر على أشكاله في تزايد مستمرّ. إلام تعزين هذه الظاهرة؟ - كنت أنشر في الماضي في مجلة "الرسالة" المصرية. وكان هناك كاتب يدعى عباس خضر على ما اعتقد، يكتب تعليقات على ما يُنشر في المجلة. وذات يوم تساءل في احد تعليقاته: هل لدينا شاعرات؟ وأجاب في مصر ليس هناك شاعرات، لأنها بلد مفتوح، والسيدات اللواتي يمكن ان يكتبن الشعر لاهيات عن ذلك بمتابعة شؤون الحياة الحديثة والعلاقات العامة، وليس لديهن الميل لأن يبدعن. وتابع الكاتب: في المقابل نجد شاعرات مثل نازك الملائكة وفدوى طوقان تكتبان شعرا حقيقيا لأن حياتهما تنطوي على المعاناة والحصار. لا أعرف إذا كان بوسعنا تبنّي مثل هذا التحليل في يومنا الحاضر... لكنّ الأكيد أن ايقاع الحياة، والانفتاح الذي شهدته مجتمعاتنا فتح المجال أمام المرأة للانتقال من البوح، وهو يجد في الشعر موطنه بامتياز، إلى رصد الواقع وتحليله، وهي من مشاغل الابداع النثري على اختلاف توجّهاته. عبدالناصر والسادات التقيت الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي قلت عنه في فيلم وثائقي عن حياتك، أخرجته ليانة بدر راجع البرواز الصفحة 54. متى تمّ ذلك اللقاء، وكيف؟ - كان زعيما عملاقا ملأ الدنيا. دخل عليّ بقامته الفارعة، ولاحظت تلك الكاريزما الكبيرة في شخصيته، وقد تبدى اعجابي به في رثائي له، فقد كان رحيله اشبه بكارثة. وهل كان يتابع شعرك؟ - لا، وهل كان لديه متسع ليقرأ الشعر؟ وماذا جرى في ذلك اللقاء؟ - تبادلنا عبارات التحية، وسألني عن حال الشعب الفلسطيني، واعرب لي عن تضامنه المطلق ومحبته الغامرة لشعبي. ثم ابلغني برغبة مدير المخابرات المصرية في لقائي، وطلب اليّ التنسيق من اجل ذلك مع المذيعة سامية صادق التي كانت تقدم برنامجا اذاعيا شهيرا هو "حول الاسرّة البيضاء". وكنت التقيت في بيروت، من قبل، زوج سامية صادق الذي ابلغني حب زوجته الكبير لشعري، واخبرني انها تقرأ باستمرار قصائدي في برنامجها المذكور. وعندما زرت مصر عزمت على الذهاب الى الاذاعة لأقابلها، ووجدت هناك صلاح عبدالصبور. والتقيت السادات أيضاً... - خلال الزيارة نفسها إلى سامية صادق في الاذاعة المصريّة، التقيت احمد بهاء الدين الذي دعاني الى العشاء. وبعدها بيوم جاءني هاتف من السيدة جيهان السادات قالت فيه: "لقد نورّت مصر". وابلغتني بأنها تحب شعري، وانها تقرأه على الجنود المصريين الجرحى من اجل الترفيه عنهم. ودعتني الى احتساء الشاي معها، ثم اردفت: ها هو انور يسمعني ويقول لي لا تكوني انانية، ودعينا نشرب الشاي سوياً مع السيدة فدوى. وابلغتني بأن زوجة احمد بهاء الدين ستأتي لأخذي بسيارتها الى منزل السادات. وهناك تحدثنا عن لقائي بوزير الدفاع الاسرائيلي موشي دايان الذي احدث ضجة واسعة آنذاك. وفي ذلك اللقاء عرضت عليّ سامية صادق مقابلة مدير المخابرات المصرية، فلم امانع. ففي سهرة العشاء عند بهاء الدين، كانت سامية صادق قد سألتني عن الزيارة وابلغتها بحيثياتها كافة. وقابلت مدير المخابرات الذي قال لي: منذ وضعت قدمك في مطار القاهرة جاءني خبر بذلك، لكنني لم احب البحث عنك. واضاف: احب ان تخبريني بكل ما جرى اثناء لقائك دايان، وكان بيده ورقة وقلم، ودوّن كل ما قلته. وما الذي جرى بينك وبين دايان؟ - هذا يحتاج الى حديث مطوّل. باختصار... - كنت احيي امسيات شعرية في فلسطين سراً، لأنها كانت تضم قصائد مقاومة وتندّد بالاحتلال الاسرائيلي، وتحرّض على محاربته. وذات يوم جاء دايان الى نابلس ممتعضا وغاضبا، لأن قوات الاحتلال اكتشفت منزلا هناك يحتوي على قنابل واسلحة. وخاطب المواطنين قائلا: "ما لكم يا اهل نابلس؟ وماذا تريدون؟، هل تنوون تحويل مدينتكم الى فيتنام؟". وهدد قائلاً: "افعلوا ذلك لو كنتم تستطيعون". ثم اضاف: "ان هذه الشاعرة التي تدعى فدوى طوقان، كل قصيدة تلقيها تخلق عشرة مقاومين". وشتم الاهالي، وابلغ رئيس البلدية رغبته في رؤيتي، فأبلغني هذا الأخير بذلك. سألته عن السبب، فقال: "يريد ان يتحدث معك عن الشعر". فوافقت. وجرى تعيين موعد للقاء. ثم سألته عن مكان اللقاء، فقال سيكون في إحدى الدوائر الرسمية. وجاء رئيس البلدية، وأخذني بسيارته التي اتجهت الى الغرب، بدلاً من التوجّه إلى القدس شرقاً. فسألت رئيس البلدية: "الى اين نحن ذاهبان؟". قال: "الى تل ابيب". وظننت انني ذاهبة الى مكان رسمي، وبعد قليل دخلت في منعطف، فقال رئيس البلدية لي: "ها هو دايان واقف في انتظارك أمام منزله". لم اكن على علم بأنني سأقابل دايان في منزله. استقبلني الرجل بيدين مفتوحتين. واضطربت مشاعري في تلك اللحظة: فكيف لي انا كشاعرة امثل المقاومة الفلسطينية، ان التقي وزير الحرب الاسرائيلي. وتساءلت بيني وبين نفسي: ما هذا التناقض. وبما انني لا احب المواقف الاستعراضية، آليت الا افتعل مشكلة، فدخلنا صالة الضيوف، وجلس بجانبي. ولكن قبل ذلك قال لي باللغة الانكليزية: "انت تكرهيننا"، فقلت: "أنا لا اكرهكم كيهود، وانما اكرهكم كمحتلين"، قلت له ايضا: "انتم بشر، ولكم الحق في ان تعيشوا حياة كريمة حرة، ولكن ليس على حساب الآخرين. لقد أُهنتم كيهود كثيرا في اوروبا، لكنكم في البلاد العربية قوبلتم باحترام". يومها قال لي دايان: "الأمن هو الابن الروحي لبن غوريون، وانا اتبنى افكاره. قبل اسبوعين قال بن غوريون في الكنيست: "أنا لا تعنيني ان تكون اسرائيل دولة كبيرة، وانما تعنيني الحدود الآمنة، والاعتراف"".. فسألته: "وماذا عن المشردين الذين طردوا من اراضيهم؟". فرد بشدة: "لن نسمح لهم بالعودة، لقد انتهى امر هؤلاء". فقلت على الفور: "هؤلاء طردوا من ديارهم عنوة وتحت تهديد السلاح والقتل، ومن حقهم ان يعودوا"، المهم انتهت تلك الجلسة، ولم نتوصل إلى أي قناعة مشتركة حول اي شيء. ألم يبلغك اي رسالة لأحد؟ لياسر عرفات مثلاً... - بلى . ولكن ذلك تم في اللقاء الثاني. وهل تم بينكما لقاء ثان؟ - اجل. فبعد اللقاء الاول ذهبت الى مصر، كما اسلفت من قبل، وقابلت عبدالناصر. وأراد دايان ان يعلم بوقائع ما جرى بيني وبين الزعيم المصري، فاتصل بي من خلال مستشاره شيتو الذي قال لي: "الجنرال يريد مقابلتك". وسألته هذه المرّة بحذر: "أين يريد لقائي؟"، لأنني خشيت ان يكون ذلك في منزله مجدداً. فقال: "يريد مقابلتك في فندق الملك داود". وأبلغني دايان في هذا اللقاء بأنه يعلم بلقائي عبدالناصر، وطلب اليّ ان اخبره بما جرى قائلاً: يمكنك ان تقولي ما تريدين، في محاولة خبيثة لاستمالتي. قلت له: جلستي مع عبدالناصر لم تزد على عشرين دقيقة. وهل هذا صحيح؟ - كلا، فلقائي بعبدالناصر زاد على الساعتين، واخبرني فيه عن خططه، ومتى سوف يضرب اسرائيل. وهل ابلغت دايان بذلك؟ - كلا، بل قلت له ان اللقاء كان عابراً، سألني فيه عن الضفة، وقال لي: "قلبي معكم"، وابلغني بعرض وزير الخارجية الامريكي اعادة سيناء مقابل التخلي عن قضية فلسطين. ونقلت له ردّ عبدالناصر: "هذا غير ممكن، فسيناء بكل ثرواتها لا اقايضها بفلسطين ابدا". حينها قال دايان: "ان عبدالناصر لا يمكنه ان يجلس معنا ويتفاوض، فهو لا يثق بأحد، ولا يسمع كلام احد الا الفلسطينيين. ثم اردف دايان مخاطبا اياي ورئيس البلدية: انتم من يستطيع ان يفعل ذلك. فأجبناه: وماذا بوسعنا ان نفعل في هذا الموضوع؟ وهل اقتنع دايان بكلامك؟ - نعم، وقد كتب في تقريره ان عبدالناصر قابل فدوى طوقان، ووبخها، لأنه اعتقد ان الرئيس المصري حين يقابل شخصا لمدة عشرين دقيقة، فمعنى ذلك انه لا يحترمه، بل يشعر ازاءه باهمال وازدراء. وقد دوّن ذلك فيما بعد، في سيرته الذاتية: "حياتي". في ذلك اللقاء ابلغني دايان بأسر مجموعة فدائيين بعد اشتباكهم مع قوات الاحتلال الاسرائيلي، وقال: قابلت احد هؤلاء الفدائيين وكان ذكيا جدا، وعرضت عليه ان اطلق سراحه مقابل ايصال رسالة لأبي عمار، فرفض الفدائي ذلك بشدة. حينها قال لي دايان: هل تستطيعين رؤية ابي عمار وابلاغه هذه الرسالة. فأجبته: نعم، ثم قال: ابلغيه بأنني على استعداد للقائه في اي مكان من العالم. وبعدها جئت الى عمان، واخذني هاني الحسن الى أحراش جرش شمال عمان وكان ذلك العام 1969 تقريباً. كنتِ قابلت ابا عمار قبل ذلك؟ - كلا. وماذا جرى في اللقاء؟ - ابلغته برسالة دايان، وبما جرى بيني وبين عبدالناصر. وما كان رده؟ - رفض عرض دايان بشكل قاطع! وهل ابلغك رسالة لدايان؟ - فقط ابلغني الرفض قصيدة غير منشورة لفدوى طوقان هذا الكوكب الارضي لو بيدي لو اني اقدر ان اقلبه هذا الكوكب وان افرغه من كل شرور الأرض ان اقتلع جذور البغض لو اني اقدر، لو بيدي ان اقصي قابيل الثعلب اقصيه الى أبعد كوكب ان اغسل بالماء الصافي اخوة يوسف وأطهّر اعماق الاخوة من دنس الشر لو بيدي ان امسح عن هذا الكوكب بصمات الفقر لو اني اقدر لو بيدي ان اجتث شرور الظلم واجفف من هذا الكوكب انهار الدم لو اني املك لو بيدي ان ارفع للانسان المتعب في درب الحيرة والاحزان نبراس رجاء واطمئنان ان امنحه العيش الآمن لو اني اقدر لو بيدي لكني ما بيدي شيء الا لكن لو اني املك ان املأه هذا الكوكب ببذور الحب فتعرش في كل الدنيا اشجار الحب ويصير الحب هو الدنيا ويصير الحب هو الرؤيا ويصير الحب هو الدرب لو بيدي ان احميه هذا الكوكب من شر خيار صعب لو بيدي ان ارفع عن هذا الكوكب كابوس الحرب