في هذه المدينة التاريخية، تعود الذاكرة بنا إلى قوافل الحكايات والروايات التي نسجت تفاصيلها البعيدة لترسم لوحة فنية اجتماعية من المنظومة الحياتية.. جدة العتيقة وهواؤها المعجون بالتراث وأبناؤها الذين كانوا يلعبون بين أزقتها المتعرجة يكتبون فوق جدرانها عبارات تؤرخ ذكرياتهم الطفولية وكأنهم يخاطبون الحنين البعيد في صورة قصة حب للتاريخ الذي يتذكرونه الآن لمن عاشوا تلك الفترة الزمنية وذلك بعد عودتهم من رحلة لصيد السمك أو بعد انتهاء دوري لكرة القدم، وقد كانوا يصممون جدول مبارياتهم في ملاعب لم تكن مهيأة لحركاتهم الرياضية الرشيقة. هنا في هذه المدينة أثر وروح من حضر، هنا رأيت أدبيات ورمزيات أولئك الذين رحلوا وبعض مدونات ووقفات من رافقتهم، هنا محط القوافل، وهنا الشيء وكل شيء، هذه المدينة فيها الحكايات بين الأزقة والحارات، هنا حنان المكان ولطف الإنسان، فيها يطرق الفرح أبوابنا دون استئذان، حاملاً بين يديه مواعيد جديدة للفرح لا تحتمل التأجيل، ولا الغياب أبدًا، فرح غَزَلَ لنا أفراحه فوق خطوط الفجر التي تتسلل إلى منافذ بيوتنا كل صباح، ليضع مكعبات السكر في كوب القهوة الساخن، وفوق سطور نشرات الأخبار الصباحية، ويُغلِّف أمانينا في يومنا الجديد الذي نتمناه دائمًا أحلى من مكعب السكر، ارتسمت ملامحها بذلك الزمن الجميل، فهي تعيش حالة فريدة من الحب والهيام مع أماكنها وحاراتها ورواشينها ومع كل من مرَّ بها. رسالة: مبادرات «مسك» الخيرية في تاريخية جدة تستحق كل التقدير لإبراز أهمية المنطقة تاريخياً وثقافياً والمساهمة في المحافظة عليها، ونقل الصورة الأصيلة التي كان يعيشها الآباء والأجداد، والاهتمام بتعزيز الموروث الثقافي والتعريف بالقيمة التاريخية والتحفيز على الاهتمام بالمنطقة وإعادة إحيائها. أخيراً، هذا الدعم من سمو ولي العهد للحفاظ على مباني جدة التاريخية وتأهيلها ومنع انهيارها حسب متطلبات اليونسكو لتسجيل جدة في سجل التراث العالمي وضمن مشروع شامل لإنقاذ المواقع ذات القيمة الثقافية التاريخية من أي مهددات قد تؤدي إلى زوالها.