منذ عشرات السنين نحلم نحن المختصين في اللغة العربية وعلوم اللغة عموماً بإنشاء مَجْمع لغوي سعودي، لأن هذه البلاد المباركة هي مهبط الوحي ومهد العربية وموطن اللسان العربي المبين، كونها تحتل قلب الجزيرة العربية، ما جعلها الموطن الأول للعرب الأقحاح، والقبائل العربية التي احتج النحاة الأوائل بلغاتها جميعها كانت مواطنها ما يُطلق عليه اليوم: المملكة العربية السعودية. وقد سبقتنا دول عربية كثيرة في إنشاء المجامع اللغوية التي كان لها على مدى قرن من الزمان جهود لا تنكر في خدمة هذه اللغة الشريفة، وكان من المؤلم حقاً أن كثيراً من علمائنا وأدبائنا الرواد كانوا أعضاء في مجامع لغوية عربية عديدة استفادت منهم كثيراً لعشرات السنين، بدل أن تستفيد منهم بلادهم المملكة العربية السعودية، ومنهم العلَّامة حمد الجاسر والأديب الكبير عبد الله بن خميس، والمؤلف واللغوي والمعجمي العملاق أحمد عبد الغفور عطار رحمهم الله جميعاً، وسواهم كثير. ولو كان لدينا مَجْمع لغوي في عهد مبكر لتحققت لنا حصيلة كبرى من نتاجهم العلمي الثر وآرائهم الراسخة في قضايا لغوية مُلحَّة، سوى ما خلَّفوه من مؤلفات هي ملء السمع والبصر. وهذه المبادرة الكريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين ليست مستغربة، فقد كان يحفظه الله وما زال وسيبقى إن شاء الله حريصاً كلَّ الحرص على خدمة هذه اللغة الشريفة بكل السبل المتاحة داخلياً وخارجياً، وقد أكد في أكثر من محفل على أن المملكة العربية السعودية جعلت اللغة العربية أساساً لأنظمتها جميعاً، ومما قاله يحفظه الله في هذا الخصوص: «بلادنا المملكة العربية السعودية دولة عربية أصيلة، جعلت اللغة العربية أساساً لأنظمتها جميعاً، وهي تؤسس تعليمها على هذه اللغة الشريفة وتدعم حضورها في مختلف المجالات. إن لغتنا العربية لغة حضارة وثقافة وقبل ذلك لغة الدين القويم، ومن هنا فإنها لغة عالمية كبرى شملت المعتقدات والثقافات والحضارات ودخلت في مختلف المجتمعات العالمية، وهي مثال للغة الحية التي تؤثر وتتأثر بغيرها من اللغات. نصيحتي الخالصة لأبنائي الشباب وبناتي الشابات أن يُقبلوا على تعلُّم اللغة العربية ويتفننوا في استخدامها، فهي لغة دينهم ووطنهم وآبائهم وأجدادهم، وهذا لا يتعارض مع تعلم اللغات والعلوم الأخرى في مجالها الخاص». والذي نتطلع إليه من هذا المجمع كثير، ونترقب أن يفوق في إنجازاته إنجازات المجامع السابقة، مع الاحتفاظ لها بحق السبق والريادة. ومما يمكن أن يحققه مجمعنا العتيد: استحداث المفردات العلمية والتقانية، ذلك أن العلوم الإنسانية بكل تخصصاتها تأتي كل يوم بمصطلحات جديدة معظمها باللغة الإنجليزية ولا بد من تعريب أو ترجمة هذه المصطلحات لاستخدامها في البلاد الناطقة بالعربية. ومما قد يضطلع به المجمع العمل على تيسير قواعد اللغة العربية للدارسين، بحيث تدرَّس المهارات اللغوية جميعاً بطرائق حديثة ومتطورة أهمها تلك القائمة على التقانة الباهرة التي لم تكن متوفرة من قبل وهي التي أثبتت جدواها في تعليم لغات حية أخرى كالإنجليزية التي تُدرَّس اليوم بأوجه متباينة حسب طبيعة دارسيها، بين تدريسها لغة أولى أو أجنبية أو ثانية أو لأغراض محددة. ومن ذلك أيضاً التعديل في نظام المعجمات العربية وتجديد النظام المعجمي، بحيث تضاف الى المعجمات الحديثة المصطلحات المستجدة، كما يعدل نظام المداخل ليوائم مستلزمات استخدام المعجمات في وقتنا الحاضر. ونتطلع إلى إصدار معجم عربي جديد يحمل اسم «مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية» يمثل أداة طيَّعة للدارسين العرب وغير العرب. وسوى ذلك كله، سيمثل هذا المجمع المرجعية العربية الأولى في العالمين العربي والإسلامي بإذن الله كونه في المملكة العربية السعودية: مهبط الوحي، ومهد اللسان العربي المبين.