لا خلاف على أن أكثر القطاعات تضرراً من جائحة كورونا هما قطاعا الاقتصاد والتعليم، فالفاقد التعليمي خلال الجائحة لا يقل ضرراً على المجتمع من الفاقد الاقتصادي؛ بل ربما أكثر!. صحيح أن الأثر كان أكثر وضوحاً وسرعة على الاقتصاد لكنه بالتأكيد كان أكثر عمقاً في التعليم؛ حتى وإن بدا للبعض غير ذلك. فابتعاد الطلاب عن الأجواء المدرسية خصوصاً في مراحل التعليم العام وافتقادهم للانضباطية التعليمية ساهم في زيادة الفاقد التعليمي خلال الفصل الثاني من العام الدراسي المنصرم الى حد كبير، وهذا متوقع لجملة أسباب منها المباغتة التي أحدثتها الجائحة وعدم استعداد الوزارات المسئولة والمدارس والجامعات بل حتى الأسر لهذا النوع من التعليم الذي فرضته بروتوكولات السلامة والتباعد الاجتماعي. . هذا العام وبالرغم من أن الجهات المسئولة قد حسمت شكل ونوع التعليم خلال الفصل الدراسي الأول، إلا أن الجدل لايزال قائماً حول شكل ونوع التعليم المفترض، فالكثير من الآباء يفضلون التعليم التقليدي المباشر رغم معرفتهم بأخطار الذهاب للمدرسة في هذه المرحلة، ولهم أسبابهم، فالتعليم عن بُعد يحمّلهم كثيراً من أعباء العملية التعليمية، وهو ما يعتبره بعضهم عبئاً إضافياً يتجاوز مراقبة التحصيل العلمي لأبنائهم، نحو التحول إلى معلمين مباشرين لهم. ويشاركهم هذه النظرة خبراء تربويون كبار سواء هنا أو في الخارج مثل (كريس ويتي) كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا الذي قال قبل أيام: «إن الغياب عن المدرسة أشد خطراً على الأطفال من خطر كوفيد 19» وأيَّده في هذا خبراء آخرون ومنظمات كبرى مثل (كير ستارمر) الذي وجه حديثه لبوريس جونسون قائلاً: «عودة المدارس ترفع مخاطر انتشار العدوى، لكن فقدان الدروس أسوأ بالنسبة للأطفال». وتسير «اليونيسف» في نفس الاتجاه بقولها: إن الأطفال يخسرون أكثر من التعليم عندما تكون المدارس مغلقة، وأن التأثير طويل المدى لهذا الاضطراب في التعليم يمكن أن يخلق جيلاً ضائعاً. .لا شك أن الجهات المسئولة لدينا قد مالت نحو الخيار الأكثر أمناً وسلامة وحفاظاً على صحة المجتمع بأكمله، وأتفق معهم في ذلك فهو الخيار الأمثل في الفترة الحالية، لكن هذا الخيار يضعنا جميعاً أمام مسؤولية عظيمة وتحدٍ صعب للعمل على تقليص الفجوة التعليمية المحتملة، وتحقيق التوازن في معادلة أطرافها سلامة أبنائنا من جهة، وحصولهم على تعليم جيد من جهة أخرى، لهذا فالآباء مطالبون بخلق جو تعليمي منضبط داخل المنازل يضمن رقابة ورعاية تحقق شروط الفاعلية والاستفادة القصوى من أدوات التعليم عن بعد، والمؤسسات التعليمية مطالبة هي الأخرى بتحسين تجربتها السابقة، والتفكير في إيجاد المزيد من الآليات والأنماط التعليمية والأنشطة التي تعمل على تقليل أثر رتابة الدراسة المنزلية، وتعويض الطلبة عن غيابهم الطويل عن التمدرس والفضاءات التعليمية. . المهمة ليست سهلة بالتأكيد، والمرحلة الحالية استثنائية وعصيبة وستترك آثاراً كبيرة على التعليم لن تزول بسهولة.. إنها تتطلب منا جميعاً خصوصاً الآباء (الذين يتحملون عبء المرحلة) تقديم الكثير من الجهود والتضحيات؛ من أجل تحقيق سلامة أبنائهم، وضمان تعليم يتقلص فيه الفاقد التعليمي إلى حدوده الدنيا.. فهل نستطيع؟!.