كان نجمًا ساطعًا في سماء مجتمعه، إن سألت عنه تجده، إن لم يكن في هذا المحفل المعرفي، فهو هناك يحاضر أو يناظر زملاء المهنة في الجامعة، أو في أحد نوادي العلم والمعرفة، أو لعله في ليله الهادئ ممسكا بقلمه، يسكب على الورق أمامه ما يتفاعل في خاطره من هموم وأفكار، يقوم بين حين وآخر بنشرها في كتاب، لتصبح مشاعة بين أيدي تلامذته ومحبي فكره ومتابعي تطلعاته المستقبلية في مجاله العلمي المعرفي في الجامعة أو في خارجها، هكذا كان يمضي أيامه، في ساعة فراغ ثقيلة زادتها حرارة الصيف في بلده ثقلاً لذلك شد رحاله كعادته كل عام لمكان أمنه لنفسه خارجها، شقة متواضعة المساحة في أحد البلاد الأوروبية، تطل على أحد شوارعها الكبيرة التي تعج صباح مساء بحركة المارة بين مقبل ومدبر، وبمختلف وسائل النقل وتنوعها، التي لا يختلف توقيتها، لكنها رغم ما تحدثه من صخب وضجيج إلا أنه يجد في هذا المكان ما ينشده من هدوء وراحة بال، هو في أشد الحاجة إليهما. كان هذا دأبه وما تعود عليه، كل ما طال عليه مرور الزمان، أو ضاق به على اتساعه المكان في مدينته التي فيها أهله وخلانه هذا وبينما كان ذات مساء يقف في شرفة ذلك المكان البعيد يطل منها على ما يراه في الشارع من حركة وشدة زحام، إذ به فجأة يفقد توازنه فيسقط على ما تحته غائب الوعي مكسر العظام، فكان ما كان من محاولة إنقاذه، لكن ما قدر كان، فكان آخر عهده بهذا المكان. تُرى هل سأل نفسه وهو في طريقه إلى هناك أنه قد يحدث له ما حدث، وأنه سيترك هذا المكان ولن يعود إليه مرة أخرى؟ سؤال موجه لكل إنسان أمتأكد أنت من أنك متى خرجت من بيتك ستعود إليه مرة أخرى؟ سؤال قد يتبادر إلى ذهنك ويقتحم فكرك وأنت ممسك بمقود سيارتك أو حتى وأنت مسترخ في حديقة منزلك، وربما في أي مكان تكون، لعلك بهذا السؤال تراجع حساباتك وتعيد ترتيب أوراقك. إن فعلت هذا، فهو خير، وأحسنُ عملاً.