أكتب إليكم وعنكم للمرة الأولى -غفر الله لك-، لكنني سأبوح لك بأنك كتبتني بقلبي قبل قلمي. أكتب لكم من باب الإنصاف.. وقول الحقيقة.. وتدوين الإنجاز.. كبير بكبر وطنك.. صاحب ذمة لهذه الأمة.. فهنيئاً للتاريخ أن يسجل اسمكم بحروف من ذهب (سعود الفيصل.. الرمز) ويستحضرني في هذا المقام: قول المتنبي: عفيفٌ تروق الشمس صورةُ وجهه ولو نزلتْ شوقاً لحادَ إلى الظلِّ شجاعٌ كأنَّ الحربَ عاشقةٌ له إذا زارها فدَّتهُ بالخيل والرجلِ الأمير سعود الفيصل (غفر الله لك) جميل أنت.. (يرحمك الله وغفر لك).. حين أخطو في حياءٍ أذكر التاريخ عزاً.. أشم ريح الدبلوماسية السعودية.. مجد صنعته عبقريتك الفذة.. ومصدرك الإلهامي الفريد.. أمشي في ركب والدك القائد الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -غفر الله له ولك- أجول معه بتأمل مبادرته الرائدة ومشروعه الكبير (التضامن الإسلامي) ضمن جهوده وإسهاماته التي أتت امتداداً للدور الذي قام به والد الجميع الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وأبناؤه في خدمة هذا المطلب وتفعيله وجعله حقيقة واقعة، وصولاً إلى عهد عاهل هذا الوطن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- الذي أكاد متفائلٌ جداً أن يعيد روح التضامن الإسلامي من جديد بحول الله، وآمالنا كبيرة جداً فيه. أدخل مع والدك -غفر الله له ولك- معانقاً مواقفه المشرفة التي سجلها في خدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية قبل 50 عاماً وبالتحديد من عام 1385ه 1964م إلى عام 1396ه 1975م حيث أسهم في لم شمل العرب بعد هزيمة 1967م، أجول في موقفه الحازم الذي يأسرني تاريخه النابض فيما يتعلق بحرق المسجد الأقصى، وأمشي مخففاً الوطء في استخدامه سلاح النفط في وجه المعادين للحق العربي والإسلامي في فلسطين وغيرها الذي به قد هابه الغرب ونفذ كثيرا من مطالبه العادلة. أرى كل شجرة من شجرات الأمة الإسلامية عتيقة باسقة تهز أوراقها مرحبة محيية معلنة نشوتها بعروس منابع الإسلام الصافية على جياد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والى ما تدعو إليه هذه المنابع من التزام بالإسلام وتضامن بين المسلمين وتعاون على البر والتقوى لما فيه خير الإسلام والأمة الإسلامية. أجول في الكتب (كتب العلم وشهادات التاريخ).. فألاقي صلاح الدين المنجد في كتابه أحاديث عن فيصل والتضامن الإسلامي يقول: «لقد كان فيصل بطل الدعوة إلى التضامن الإسلامي، ولقد لقي في دعوته هذه مصاعب لا تحد، ومتاعب لا توصف، لكنه كان مؤمناً حقاً فيما يدعو إليه. ما كان يبغي زعامة ولا شهرة، ولا سلطاناً ولا ثروة، فتابع سيره في دعوته بذكاء وحذر، وجرأة وعناد، وحكمة ومرونة، حسب الظروف، واستطاع أن يبلغ هدفه وأن ينتصر». الأمير سعود الفيصل (غفر الله لك) أغادر.. وأمضي من سيرة والدك -عليه شآبيب المغفرة والرحمة- وآتيك.. آتيك -غفر الله لك-، فأجد سيرتك متشحة الفخر والإباء وحينها لا أحتاج هذه المرة إلى سؤالك؟!.. أرى لافتات إعجاب وإكبار وتقدير فوق رأسك العظيم متباهية بماضيك وحاضرك.. ولم لا؟! فأنت النبراس الخليجي بل العربي بل ولن أكتفي.. وسأقولها بأعلى صوت: أنت -يرحمك الله- النبراس العالمي الذي سيظل اسمه وأثره محفورين في كل زاوية من زوايا ودهاليز الدبلوماسية الدولية، وعلماً يدرس للأجيال القادمة. لازلت أذكر التاريخ الحيّ الذي يروي نفسه إلى الجيل الجديد.. جيلاً بعد جيل، أمضي إلى صدام حسين الرئيس العراقي الراحل حينما سُئل: من الرجل الذي تخشاه؟.. ابتسم. فقال: «سعود الفيصل أدهى مَن قابلت في حياتي فحينما كنت في حرب إيران جعل العالم معي وبعد أن دخلت الكويت قلب العالم ضدّي، وكل ذلك يكون في مؤتمر صحفي واحد!». ولميخائيل غورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السوفياتي بوح ومجد وفخر لك يا سعود. أتدري ماذا قال عنك؟! قال: «لو كان لديّ رجل كسعود الفيصل! ما تفكك الاتحاد السوفياتي وانتهى». وها هو ديفيد ميليبند وزير الخارجية البريطاني السابق يحمل نفس روح الإعجاب حيث قال: «سعود الفيصل يستطيع أن يحصل على ما يريد ومنح السعودية قوة خارجية لا يستهان بها». وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: «إن الفيصل من أكثر وزراء الخارجية حكمة على مستوى العالم». ويقول عنك «كوشنير» وزير خارجية فرنسا: «الأمير سعود أكبر الساسة في العالم حنكة وحكمة». وأخيراً يأخذني قول أحد مستشاري الرئيس الروسي الأسبق بوتين: «إن سعود الفيصل يتحدث بوضوح تام يجعل محادثيه في حيرة من أمرهم، كيف يكون وزير خارجية بهذا الصدق!» إلى موقف مغاير.. مغاير..؟ نعم.. لكنه يحمل نفس روح المجد والألق والإبداع. الأمير سعود الفيصل (غفر الله لك) العبقرية والعظمة سر من أسرار البشرية برأي علماء الاجتماع..! أما نحن فلنا رأي آخر.. نحن الذين عشنا مسيرة إنسانيتك الفذة -غفر الله لك- ووزارتك المحنكة.. إذْ جمعت في شخصك العبقرية والعظمة.. حتى نكاد نجزم القول أننا لامسنا (السر) والكينونة كذلك..! سر عبقريتك وإنسانيتك واستزوارك.. وسر عظمتك، كلاهما انعكاس للآخر ووجهه المتحد في الهوية والانتماء.. وهذا التوحد والتداخل ربما جعل من شخصيتك -يرحمك الله- بمثابة تاريخ قائم بذاته، بمراحل ومحطات، هي حلقات متصلة ومتواصلة لخارجية مشرقة ثرية، لها امتداداتها في مسار حياة وطن وبدينامكية تجددها الدائم وعطاءاتها الدافقة بلا حدود..! قادتك -غفر الله لك- فلسفتك السياسية، وساقتك عظمتك الإنسانية.. وربما من امتزاج خصالك الإنسانية، ومواهبك السياسية، استمددت زادك وزنادك في نشاطك من بيئتك السياسية حيث والدك الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود -عليه وعليك شآبيب الرحمة والمغفرة-. أتعرف يا سعود -غفر الله لك- أن نظراتك في لقاءاتك ومؤتمراتك الإعلامية كانت سهاماً تخيف الكثير؟!، أتعرف يا سعود -غفر الله لك- أن عباراتك في لقاءاتك ومؤتمراتك الإعلامية كانت رصاصات لا يمكن أن تعترضها دروع السياسيين حتى التزموا الصمت أمامك. الأمير سعود الفيصل (غفر الله لك) لقد اخترت موقعك، ملبياً نداء التاريخ.. حتى حظي وطننا بكثير من التقدير والاحترام في العالم، وبمكانة مرموقة في الساحة الدولية، بفضل سياستها الخارجية الرصينة والمتوازنة، التي اختطت منذ 1395ه 1957م وحتى اليوم تمشياً وفق نظرة لا تربط فقط ماضيها بحاضرها ومستقبلها، بل تقوم على التوازن بين الداخل والخارج وعلى الوضوح. هذه النظرة أساسها فلسفة حكم متطورة جئت بها -غفر الله لك-، لتشهد الدبلوماسية السعودية حيوية سياسية مؤثرة وفاعلة في المنحى الإيجابي والمثمر، فكان من أبرز نتائجه نجاح وطننا الكبير في تحقيق جملة من المكاسب الداخلية انعكست بدورها على الجبهة الخارجية، وجلبت كل هذا الرصيد من التقدير والمحبة والثقة وحرص الأشقاء والأصدقاء على أن يكون الوطن حاضراً فاعلاً في جميع المحافل الإقليمية والقارية والدولية. وإذا كانت ديناميكية السياسة الخارجية السعودية، قد حققت نجاحات متقدمة في سياق تعزيز وترسيخ أواصر علاقات التعاون مع الأشقاء والأصدقاء، ترجمة لمفاهيم التواصل المشتركة، فإن ذلك يعتبر في نهاية المطاف تكريساً لخيارات متفتحة ولسياسة خارجية أهم ما يميزها تعلقها الدائم بالدفاع عن القضايا العادلة، التمسك بمبدأ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. الأمير سعود الفيصل (غفر الله لك) مجيد شخصك دائماً.. مجيد في كل شيء.. مجيد ماضيك.. على الأخص جسدك الذي رميت به في شوارع الانتماء الفسيحة الرحبة لهذا الوطن منذ أن حملت حقيبتها الخارجية في همك وقلبك منذ 40 عاماً حتى صدور قرار إعفائك. (جسد أنهكه المرض وعزيمة ناطحت الجبل) ها أنت يا سعود -غفر الله لك-.. أيها الرجل الحديدي.. يا عميد الدبلوماسيين.. يا رجل الجامعة السياسية.. إذْ ودعناك كوزير للخارجية.. وودعناك فقيداً على هذا الوطن بأكمله بل العرب بل العالم.. فإنما نودع معلماً وأستاذاً أول للدبلوماسية السعودية وقامة من قامات الساحة الدولية، خبر وفاتك لهُ وقعه. لقد جلجل خبر وفاتك.. الأنفس والقلوب والعقول، وأزيد عليها حتى الإمبراطورية (الشبكة العنكبوتية) سكبت عبر وسائلها شلالات من الألق.. وسكبت دموعاً على ورق.. وجابت الليل ملاحاً بأشرعة من الأرق ؛ مدحوّة في حبك.. مقتفية فراشات أعمالك.. مولعة بالغناء فيك.. تشذّب أحرفها إليك أنت.. ومن أنت؟! أنت في نظرها -غفر الله لك- رمز السياسة وسفير الوطن لمدة 40 عاماً.. أنت رجل المهمات الصعبة، أنت تعرف التوقيت المناسب للتسامح مثلما هو الوقت الأفضل للحزم، أنت كما ردَّدتْ لا نتدخل فيِ شؤون الآخرين، ولا تقبل التدخل في شؤوننا، بل وتغنت بقولك الشامخ: «أي إصبع يمتد في وجه المملكة سنقطعه». قالت: بعد 40 عاماً من الإخلاص والتفاني في خدمة دينه ومليكه ووطنه؛ شكراً لصاحب المهام والمواقف الصعبة. وأكدت على: بأنك لم تكن وزيراً بل عشت بين الدول ملكاً. قائد محنك أرهبت المؤتمرات بحدة عينيك ونبرات صوتك وبشجاعتك ؛ تمنتك جميع الدول. وصفتك ب»عرّاب الخارجية السعودية»، حيث حضورك الذي يُؤرخ كثير من الأحداث، وبغيابك تؤرشف أحداث أخرى، عاصرت السياسة بكل متغيراتها ومستجداتها، لتصبح الأول حضوراً وتأثيراً وزمناً. وصفتك -يرحمك الله- بأنك أقدم وزير في السعودية، وعميد وزراء خارجية العالم، ونقطة الفصل في نقاشات مجلس الوزراء، والمستشار فوق العادة للحكومة داخلياً بما يتناسب مع وجهها الخارجي. الأكثر فخراً والأكثر تغييرا في معادلات ألعاب وحسابات السياسة. الأمير سعود الفيصل (غفر الله لك) تتركنا -غفر الله لك- والعالم العربي يربض على براكين متفجرة.. فتن وضغائن عمياء.. صراعات حامية الوطيس بين العصبيات والتيارات المتنازعة.. اضطرابات وقلاقل وأزمات وهزات عنيفة ومشاهد مخيفة يغذيها وباء الدسائس الداخلية وسموم الرياح الخارجية، المسرح السياسي خارج وطننا يرتج رجاً، بل وفي بعضها أحدث فراغاً سياسياً وأمنياً وضع بعض البلدان على حافة الهاوية..! ولعل وجود حرب أهلية في سوريا والعراق، وفوضى في اليمن وليبيا تكفي لتجلي ملامح المشهد كاملة..! وأي مشهد؟! نعرف -يا سعود- أنك بعد وفاته -غفر الله لك-، قد كوّنت أسساً تبقى المصدر الإلهامي لمن يأتي بعدك لاستمرار زخم الدبلوماسية السعودية على المستويين الإقليمي والدولي، ومستقبل ترسخ فيه مناخات الطمأنينة والاستقرار، وتمتّن فيه ممسكات الوحدة الوطنية، وترسم فيه ملامح مسيرته الظافرة، ونحن في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود جنوداً مجندين لخدمة ديننا ومليكنا ووطنا. وأخيراً دعائي بأن يجزيك الله خير الجزاء، على ما قدمت وعلّمت، وآتاك كتابك بيمينك، وثبتك على الصراط، وجعلك من أهل الجنة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير. إنا لله وإنا إليه راجعون. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. - مدير العلاقات العامة والإعلام بإدارة التعليم بمحافظة وادي الدواسر