عندما زرت الفلبين دخلت عنوة ودون تهيئة نفسية إلى شارع العرب الشهير في مدينة مكاتي وسط العاصمة مانيلا ويطلق عليه العرب «شارع برقص» فكان لدي إصرار في تصوير بيئة شارع العرب الذي طالما سمعت عنه كثيراً ورسمت له في مخيلتي لوحات من البيئة العربية الأصيلة، وتوقعت أني إن لم أجد الأصالة فسأجد المتعة والترفيه والفكاهة التي يتمتع بها كل العرب، لأول وهلة وبمجرد أن وطأت قدماي هذا الشارع وكأني دخلت إلى تابوت الشهوات وعالم الجنس والشذوذ إنه الشارع المحظور وربما كثير من الفلبينيين يخشون المغامرة والمرور من هذا الشارع الذي يمتلئ ببنات الليل والشواذ وتباع به المخدرات والخمور ويمنع به العيب أو الانتقاد فكل شيء مسموح بالانسلاخ عن التقاليد، كعربي في شارع «برقص» عليك أن تتنصل عن طبيعتك فيجب أن تخرج عن المألوف وتكون شخصاً آخر فأنت ليس أنت والخطايا هي المعقول والمقبول. خفت أن أدان ويقال أنت هنا إذن أنت من محبي هنه الأماكن، خلعت عباءتي وبدلت عقالي بالبزة اللعينة وكنت بين مد وجزر بالاستمرار والسير لنهاية الشارع أو العودة أدراجي صراعاً مع النفس الأمارة بالسوء ولكني قررت الاستمرار لأني شعرت بأن العودة تعني الهزيمة على مشاهدة كل شيء فأنا لست مهووساً بكل ما شاهدت ولن انفلت من عقالي فأنا أثق في سلوكي وأفكاري حتى وإن كنت في وحل الآثام فتوكلت على الله وأكملت انطلاقتي بخطوات مسرعة وعيناي تلتقط الصور المظلمة وما آلت إليه أمور العرب فأنا في شارع «برقص» حيث تنقطع كل القيود الاجتماعية وتنصهر الأخلاق البشرية فكل ممنوع يخرج عن صمته هنا، إنه شيوع الفحش، عرب بلا هوية يشترون الهوى، يعقدون صفقات الجنس علانية، ولسان حال أهل البلد يقول ما هذه الشعوب هل هو الحرمان أم هو الهروب من وإلى الألم؟. في الحقيقة إن كل عربي يملك روحاً أصيلة ولكن يهرب بها بعيداً عندما يكون في «شارع برقص» يخفيها ويخرج روحاً أخرى ملوثة، يستخدمها ليحقق غايات محرمة ديناً وعرفاً، (إنها الروح الشريرة) التي أمرنا الله أن نجاهدها ما حيينا من أجل أن نسلم في الدنيا والآخرة، فكثير منا يعيش حياته في صراع بين التقى والورع والصلاح والشقاء والفساد والمجون وهناك من يمسك العصا من الوسط. وأنت تسير في «شارع برقص» تشعر وكأنك في حلم بل فيلم إغراء توقع كل شيء وأي شيء ستقدم لك كل العروض وبكل أدب واحترام واحترافية «مساج سير» كلمة شائعة لا تتعجب عندما تسمعها على قارعة الطريق براكين الخطايا حمم تفوح منها روائح نتنة وكأن العرب هناك خرجوا من سجن كل يلهث بحثاً عن ملذاته وشهواته في هذا الشارع البائس فمهما وضعوا من أنوار ساطعة وحتى عندما تشرق الشمس يبقى هذا الشارع مظلماً وصورة العرب مشوهة.. انتهى الطريق وخضت تجربة هي الأولى والأخيرة خرجت من الصخب بحثت بالجانب الآخر من مانيلا فوجدت المطر يغسل جسدي ثم انتظرت حتى خروج الشمس فغسلت بصري الذي تدنس بالخطايا وانتظرت يوماً جديداً لأجد فلبين أخرى حيث المتاحف ودور الثقافة والحدائق والطبيعة الخلابة البكر والتسوق فعادت إليَّ الابتسامة والتفاؤل فإذا كان هناك شارع واحد مظلم فإن النور بكل مكان. عندما سألني صديقي ماذا شاهدت في الفلبين قلت له برقص الخير يخص والشر يعم.