الأمر ليس جديدًا عالميًا.. المئات من الروايات العالمية حولت إلى مسرحيات واستقبلها الجمهور بحب كبير.. وكانت المسرحية إضافة نوعية كبيرة للرواية، بل أمدتها بجمهور جديد لم يكن من جمهورها الطبيعي.. أي أن المسرحية فتحت أمامها عالمًا كان مغلقًا في وجهها.. مثل السينما تمامًا التي كثيرًا ما سحبت النصوص الروائية نحو جمهور أوسع.. ينعكس ذلك عادة إيجابيًا على المقروئية إذ يذهب جمهور المسرح نحو الرواية التي هزته بعمق بحثًا عن الأسرار المتخفية في النص، لقراءتها.. هذا في حالة النجاح وإثارة فضول المشاهد المسرحي، لكن ماذا لو فشل النص المسرحي؟ هنا تبدأ قصة أخرى قد يلام فيها المقتبس والمخرج بالنسبة للذين قرأوا الرواية ولاحظوا الفشل الذريع الذي لحق بالمسرحية، لكن بالنسبة للجمهور المستهلك للمسرحية سيعكس موقفه السلبي أيضًا على الرواية.. ويبدأ بعدها وابل من الشتائم الإعلامية ينزل على المخرج عادة، أو حتى على المقتبس، كيف سمح لنفسه بالتغييرات التي أفسدت النص الروائي؟ ينسى الناقمون أن أي عمل مقتبس هو رهين المقتبِس وحقه الطبيعي. السؤال الصحيح ليس في الإخفاق ولكن في الخيارات الأساسية في النهاية؟ سيضطر المقتبس ثم المخرج، مسرحيًا، إلى تفكيك النص وخلق لحمة جديدة من خلال رؤية تبناها المقتبس ويشتغل عليها المخرج.. ما هي رؤيته الإخراجية؟ هل فهم جوهر العمل؟ ما هي المسالك التي اختارها ليكون مرتبطًا بالنص وفي الوقت نفسه مختلفًا عنه؟ كيف صنع جمالية جديدة تتقاطع مع النص وتختلف عنه؟ لهذا في أي عمل تحويلي هناك أفق انتظار يظل قائمًا إلى أن يتم إنتاج العمل وعرضه على خشبة المسرح.. إذن قبل الحكم على المقتبس والمخرج وحتى السينوغراف يجب التنبه لعامل الحرية والخيارات والمسالك التي انتهجها المقتبس والمخرج. عشت هذه التجربة عن قرب في العديد من رواياتي التي حُولت إلى مسرحيات، وكنت سعيدًا برؤية الشخصية الافتراضية تصبح كائنًا من لحم ودم: مسرحية وقع الأحذية الخشنة التي اقتبسها مسرح المختار الليبي، الذي تأسس في مدينة البيضاء، من رواية بنفس العنوان، أخرجها عبدالحفيظ الشريف (1999)، وشارك بها في المسرح التجريبي بالقاهرة. في مزغنة 95 (رواية حارسة الظلال) حيث اختار فيها المقتبس المسرحي القدير غوري، التركيز على فكرة التاريخ المصاحب للحرب الأهلية في الجزائر، وهو موضوع في صلب الرواية، مع أن الرواية ركزت على الذاكرة الشعبية أكثر في صراعها مع الحاضر. في مسرحية امرأة من ورق (رواية أنثى السراب) التي اقتبسها للمسرح الوطني بالعاصمة، ومسرح عنابة المسرحي مراد سنوسي.. ركز فيها على اللعبة الفنية والحب.. بينما أهمل كليًا مأساة الفتاة التي أصيبت بحالة انفصام في وضع زواجي معقد مثل مدام بوفاري.. وهب نحو مشكلات الراهن مثل الاغتيالات، الإرهاب، الغيرة. مسرحية الحرب الصامتة (رواية مملكة الفراشة) التي اقتبسها وأعدها للمسرح الأستاذ طالب الدوس، وأخرجها وأعد السينوغرافيا المخرج والفنان العربي الكبير، ناصر عبدالرضا.. اعتمد الاقتباس على جملة وردت في الرواية: الحرب الصامتة، التي ترسم الفترة التي أعقبت الحرب الأهلية، وهو ما جعل المسرحية تركز على جزئية خاصة بمربي الخيول ومنه تتفرع داخليًا حول مختلف الانفصامات التي أحدثها الفيسبوك، الأم، الابنة، الأخ، فاوست (فادي) الافتراضي.. نفس الأسئلة تطرح الآن في النصوص الروائية التي يتم اقتباسها للمسرح: منذ شهور، يقوم المخرج والأكاديمي اللبناني طلال درجاني، بالعمل على رواية مي - ليالي إيزيس كوبيا، اقتباسًا وإخراجًا.. كذلك رواية سيدة المقام التي اطلعت عليها وعرفت كم الجهد المبذول من طرف المخرج شوقي بوزيد، لتحويلها مسرحيًا.. نساء كازانوفا التي اقتبسها ويستعد لإخراجها المسرحي الموهوب مولاي ملياني محمد، الذي احترم مسار الرواية عمومًا مع تغييرات كثيرة في التحويل المسرحي.. الاقتباس والإخراج هما خياران لهما حرية التجلي مسرحيًا.. وتقاس القيمة الفنية، ليس بالمرجع الروائي، ولكن بنجاح العمل مسرحيًا.