كان أسبوعاً حافلاً على المستوى السياسي؛ شهدنا فيه ثورة الجيش الليبي بقيادة حفتر على المليشيات المسلحة والإرهاب في ليبيا بعد أن باتت مطلباً لليبيين نتيجة معاناتهم من افتقاد الأمن؛ واستقالة بو تفليقة من رئاسة الجزائر بعد مظاهرات شعبية خرجت مطالبة بالتغيير نتيجة اعتزامه الترشح لولاية خامسة؛ في الوقت الذي خرج فيه الإعلام الإسرائيلي بخبر من عيار ثقيل معلناً اختيار الإسرائيليين عبر صناديق الاقتراع حزب «بنيامين نتنياهو» البالغ من العمر 70 عاماً وفوزه بولاية خامسة؛ ليكون أول إسرائيلي يحظى بمدة حكم طويلة؛ وما من شك أن الإعلان الأمريكي الأخير بجعل الجولان أرضاً لإسرائيل كان له دور في علو شعبية نتنياهو. لكن الحدث الأبرز كان يوم الخميس الماضي، بسقوط «البشير» وخلعه أمام سلمية السودانيين ومظاهراتهم التي بدأت منذ 19 ديسمبر 2018 وملأها الغناء وقصائد «الحبوبة الكنداكة» المقصود فيها ملكة السودان في التاريخ القديم؛ فيما «حبوبتي» تعني الجدة. لقد تم خلع «البشير» والتحفظ عليه كما أعلن الجيش بعد ثلاثين عاماً من حكم عسكري ملوث بالإخوان المسلمين والتحالفات المريبة والمتناقضة أغربها مع زعيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن الذي استضافه البشير في السودان واحتفل بوجوده؛ وليس هذا غريباً على البشير والذي زار كأول رئيس عربي بشار الأسد في سوريا قبل اندلاع المظاهرات ضد حكمه، إذ لا هم له سوى استمرار بقائه على «كرسي الرئاسة»، لهذا تدهورت بلاده نتيجة عنجهية الإخوان المسلمين في نظام البشير الحاكم، وأدخلوا السودان في حروب أهلية مع الجنوب أدت إلى تقسيم الأرض باستقلال إقليم «دارفور» بعد جرائم حرب أكلت الأخضر واليابس؛ إنها ثلاثون عاماً من حكم لم يتطور في السودان سوى الفقر رغم البترول المكتشف وجفاف الأرض التي يجري بها النيلان الأبيض والأزرق. لقد خُلع «البشير» لأنه لم يرَ سوى عصاته في خطابته وهو يلوح بها لشعبه، ولم يتعلم من تجارب بن علي في تونس والقذافي في ليبيا والأسد في سوريا ومرسي في مصر وعلي عبد الله صالح في اليمن، ووصلت عنجهيته أن يرتحل رحلته الأخيرة إلى الدوحة معتقداً أن قطر بما تمتلكه من دسائس وإعلام مرتزق ودعم للميليشيات الإرهابية ستكون قادرة على حلّ مشاكله مع المتظاهرين السودانيين. والسؤال الآن للسودانيين: ماذا بعد خلع «البشير»؟ إذ عليهم أن يستيقظوا من نشوة الزغاريد لخلع البشير، ويستفيدوا من تجاربهم الذاتية ودروس الانقلابات السياسية في السودان منذ الاستقلال؛ ويعملوا على تطهير الحكومة الجديدة من «الإخونجية» لأنهم وباء سرطاني سيعيدهم إلى حكم البشير؛ أما من يقول إن على السودانيين الاستفادة من دروس ثورات2011؛ فأعتقد أن كل دولة عربية كانت ضمن موجة ثورات 2011 كان لها ظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخاصة بها، مما يجعل عوامل استقرارها يختلف عن عوامل استقرار دولة أخرى، ولهذا على السودانيين التركيز في اختيار حكومة مدنية ونظيفة من «الإخوان «؛ وعلى الجيش احترام رغبة الشعب بتقليل المدة الانتقالية والتمهيد لتجربة انتخابية آمنة يختار فيها السودانيون رئيسهم الجديد.