سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ديبلوماسية الخرطوم وطرابلس تتعثر.. والاتهامات تتصاعد الأمين: تدخل السودان في شؤون ليبيا الداخلية خطأ لا يغتفر محمود: حكومة البشير أضرت بالدولة وجعلتها محط الاتهامات
مرة أخرى تعود العلاقات السودانية الليبية إلى دائرة الاتهامات، حيث قال اللواء المتقاعد خليفة حفتر، قائد عملية الكرامة: إن دعم الخرطوم للمليشيات المتطرفة في بلاده "ثابت ولا يحتاج إلى دليل"، مشيراً إلى أن الخرطوم تمد مليشيات فجر ليبيا بالسلاح والضباط الذين يوجهون سير العمليات. وكانت الحكومة الليبية الموقتة اتهمت السودان، أواخر العام الماضي بدعم مليشيات إرهابية مناوئة للسلطات الليبية وتزويدها بالأسلحة، وطالبت بسحب الملحق العسكري السوداني من ليبيا باعتباره "شخصا غير مرغوب فيه". مشيرة إلى أن طائرة نقل عسكرية سودانية دخلت المجال الجوي الليبي من دون إذن أو طلب رسمي من مصلحة الطيران المدني الليبي، مما عدّته خرقا للسيادة الليبية وتدخلا في شؤونها. وعبرت الحكومة الليبية عن استنكارها ورفضها التام لهذا الإجراء، موضحة أن الطائرة "كانت محملة بشحنة من الذخائر لم تطلبها الدولة الليبية، ولم تكن على علم بها أو تنسيق فيها مع السلطات السودانية. وقطعت الحكومة الليبية بأن وجهة الطائرة كانت مطار "معيتيقة" في العاصمة الليبية طرابلس، الذي تسيطر عليه مليشيات مصراتة وجماعات مسلحة مؤيدة لها تقاتل الجيش الوطني الليبي. ولفتت الحكومة إلى أنها اكتشفت شحنة الأسلحة بعد توقف قائد الطائرة في مطار الكفرة الحدودي مع السودان للتزود بالوقود. اتهامات ليبية ومع أن الخرطوم نفت تقديم أي شكل من أشكال الدعم لأي طرف من الأطراف المسلحة في ليبيا، وقالت إن الطائرة التي حطت في ليبيا كانت تحمل معدات للقوات السودانية الليبية المشتركة. إلا أن السلطات الليبية بقيت على موقفها، حيث جدد رئيس هيئة أركان الجيش الاتهامات، مطالباً الخرطوم بالتوقف عن دعم المليشيات المتشددة. وقال المتحدث باسم الجيش السوداني العقيد الصوارمي خالد سعد: إن الطائرة التي وصلت مطار معيتيقة، كانت تحمل إمدادات إلى القوات السودانية - الليبية المشتركة التي تعمل على حراسة الحدود بين البلدين، لمنع التسلل ومكافحة التهريب وتسرّب الأسلحة. وجزم بأن الطائرة لم تكن تحمل أي مساعدات عسكرية لجماعات مسلحة في ليبيا، مشيراً إلى أن محادثات قائد الطائرة مع برج المراقبة في المطار، تؤكد الهدف الحقيقي لهبوطها في الكفرة. ولم تكتف الحكومة الليبية باتهام الحكومة السودانية بالتورط في دعم المليشيات المتقاتلة، بل أتبعت تلك التصريحات بإصدار قرار يقضي بطرد الملحق العسكري السوداني من طرابلس، بسبب التدخلات السافرة لنظام عمر البشير في شؤون ليبيا الداخلية. وقالت في بيان رسمي "هذا العمل من قِبل الدولة السودانية يتجاوز الدولة الليبية ويتدخل في شؤونها، ويُقحم السودان كطرف داعم بالأسلحة لجماعة إرهابية تعتدي على مقدرات الدولة، ويمثل مخالفة صريحة للقرارات الدولية، وآخرها قرار مجلس الأمن الدولي بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا". وطالبت الحكومة، مجلس الأمن الدولي "بمساعدة ليبيا في مراقبة أجوائها لمنع تكرار مثل هذه الاختراقات التي تعمل على تأجيج الصراع". نفي حكومي وكانت وسائل إعلام ليبية قد أشارت إلى أن المتشدد الليبي عبدالحكيم بلحاج، طلب من الخرطوم نقل أسلحة قادمة من دولة إقليمية إلى معيتيقة، كما بحث نقل عناصر متشددة للقتال بجوار "أنصار الشريعة" في بنغازي. وأضافت أن بلحاج دخل السودان عن طريق مدخل الكفرة، قاصدا لقاء كثير من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، مشيرة إلى أنه سبق لبلحاج أن مكث في السودان قرابة ثلاث سنوات في تسعينات القرن الماضي، عقب عودته من أفغانستان. وفي تصريحات تتناقض مع ما ذكره القادة العسكريون في ليبيا، نفى رئيس الوزراء الليبي عبدالله الثني أن تكون الخرطوم قد تورطت في دعم متمردي أنصار الشريعة، مشيراً إلى أن العلاقة بين البلدين جيدة، وأنه يقدر إسهامات السودان ضمن مجموعة دول الجوار الليبي لحل الأزمة في بلاده، وأعرب في تصريحات صحافية أثناء زيارته الخرطوم في أكتوبر من العام الماضي عن أمله بأن يؤدي السودان دوراً كبيراً في إعادة الأمن والاستقرار في بلاده، معرباً عن استعداد بلاده لمساعدة السودان اقتصادياً، خاصة في مجال النفط. وساطة سودانية كما أعلن الثني عن استعداد طرابلس للتفاوض مع المليشيات المسلحة، ضمن وساطة تقوم بها الحكومة السودانية بين الطرفين، شريطة أن تقبل تلك المليشيات بترك سلاحها والخروج من العاصمة والمدن الأخرى والاعتراف بمجلس النواب الشرعي والحكومة. وكانت الخرطوم قد أبدت استعدادها للقيام "بدور إيجابي" في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية المتنازعة، فيما أوفدت بريطانيا مبعوثا إلى مدينة طبرق شرق ليبيا تعبيرا عن مساندتها البرلمان المنتخب. ولدى لقائه مبعوث الجامعة العربية إلى ليبيا ناصر القدوة في سبتمبر الماضي، قال وزير الخارجية السوداني علي كرتي إن بلاده حريصة على بذل كل الجهود لإحلال السلام في ليبيا. وأكد كرتي ضرورة الشروع فورا في حوار بين الأطراف الليبية من أجل التوصل إلى حل للأزمة التي تمر بها البلاد الواقعة في الركن الشمالي الغربي من السودان. عدم التوازن واستبعد الخبير الاستراتيجي حسن مكي احتمال تورط السودان في دعم المليشيات الليبية، مشيراً إلى أن الخرطوم تعيش حالة من "عدم التوازن"، حسب وصفه، وليس من مصلحتها الدخول في صراعات جديدة تهدد علاقاتها بالدول المساندة لعودة الشرعية والديموقراطية إلى ليبيا، ويقول في تصريحات صحافية "ليس بوسع السودان الدخول في تحديات أو دعم أي جهة خارجية، كونه يعيش حالة من عدم التوازن الداخلي، وأولويات السودان الداخلية أكبر من عاطفته. وأضاف أنه من الثابت وغير القابل للشك أن الخرطوم، وإن كانت لها صلات بالمتشددين في ليبيا، فهي تبقى عاجزة عن دعمهم، لحاجتها هي نفسها إلى الدعم، وتابع "لدى الحكومة السودانية كثير من العواطف تجاه إسلاميي ليبيا الذين استضافتهم من قبل، لكنه غير قادر على دعمهم لحاجته هو إلى الدعم". ويمضي مكي قائلاً "تشابك العلاقات الدولية يفرض على الخرطوم أن تحتفظ بعلاقات حسنة مع دول الجوار، وألا تورط نفسها في صراعات خارجية ودولية قد لا تكون قادرة عليها. لذلك على الحكومة السودانية إدراك أن التوجه العالمي ضد الإرهاب أقوى من قدرتها على الوقوف في وجهه، وستجد نفسها في مهب الريح إذا حاولت ذلك، وستكون مواجهتها من دول المنطقة، قبل أن تتدخل الدول العالمية، ذلك أن انتشار السلاح في ليبيا وتهريبه إلى دول الجوار بات مشكلة كبرى تهدد تلك الدول بصورة جدية، حيث ازدهرت الحركات المتطرفة بسبب السلاح الجديد الذي حصلت عليه بعد تهريبه من ليبيا". خطأ استراتيجي أما الخبير الأمني، الفريق محمد بشير حسن فيعزو أسباب اتهامات حفتر للحكومة السودانية إلى ما أسماه ب"الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه السودان عند دعمه للثوار الليبيين بالأسلحة والتخطيط حتى أسقطوا معمر القذافي"، مشيرا إلى عدم كتمان الدعم من المسؤولين السودانيين، ما وضع أمن السودان أمام تهديد كبير. وأضاف "من الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها الحكومة السودانية على أعلى مستوياتها، وأعني الرئيس البشير هو إعلانها عن تقديم الدعم للثوار للإطاحة بالقذافي، وهو ما جعلها في متناول اتهامات الآخرين، ومع التسليم بأن القذافي كان يشكل خطراً مباشراً على السودان، من خلال دعمه العلني لحركات التمرد في دارفور، إلا أن الحكمة السياسية كانت تقتضي عدم الإفصاح عن ذلك الدعم، فمثل هذه الأشياء لا تصح إذاعته والتباهي به". ومضى بالقول "السودان سيظل متهماً في ظل الأوضاع الحالية، حتى ولو لم يكن متورطا، ووفقاً للعبة السياسية الدولية وموقف الجهات الإقليمية التي تحرك الأوضاع في ليبيا، فإنه لا بد من البحث عن متهم، حتى ولو كان غير مذنب. لكن مواقف الخرطوم المناهضة لتوجهات غالبية دول المنطقة تجعلها عرضة لتوجيه الاتهامات، وربما تكون بعض الدول قد وجدت ضالتها في الأزمة الليبية لتوجه سهام اتهاماتها إلى الخرطوم، ولو لأجل تصفية حسابات قديمة لا علاقة لها بالأزمة الليبية، وستتزايد محاولات توريط السودان والإساءة إليه، من أجل كسب دعم أطراف خارجية تشترك في الصراع الداخلي الليبي، وهذا أمر متوقع في ظل الموقف المعروف للبيئة الدولية من السودان. وكنت أتمنى على حكومة البشير أن تدرك، بعد هذه السنوات الطويلة التي قضتها على سدة الحكم، أن مفردات السياسة تقتضي الدخول في تكتلات لا تتناقض توجهاتها مع الرأي العالمي، لا أن تحاول السباحة عكس التيار، واتخاذ مواقف مخالفة". الارتباط بالإخوان بدوره، لا يستبعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزيرة السودانية، الدكتور محمد الحسن الأمين احتمال تورط الخرطوم في دعم مليشيات ليبية متمردة، مشيراً إلى أنها بدأت تتحول في الفترة الأخيرة إلى ذراع لبعض الدول الإقليمية التي تسعى إلى تنفيذ مخططاتها، حسب وصفه، وقال في تصريحات إلى "الوطن" "الاتهامات الليبية للخرطوم قد تكون صحيحة، إذا أخذنا في الحسبان أن الأخيرة وتحت الضائقة الاقتصادية التي تمر بها عقب انفصال الجنوب وفقدانها للبترول كمورد مهم، ربما تقبل القيام ببعض الأدوار التي تتعارض مع سياسات حسن الجوار، كما أن الحكومة السودانية شديدة الارتباط بتنظيم الإخوان المسلمين، والدول التي ترعى هذا التنظيم. لذلك ربما قامت الخرطوم بهذا الدور الذي لا أرى أنه مستبعد منها، قياساً على مواقف سابقة". ويمضي الأمين بالقول "تدخل السودان في الصراع الليبي، إذا ثبت ذلك، يمثل خطأ كبيرا وغير مقبول على الإطلاق، وإن ذلك يشكل خطرا حقيقيا على البلاد. لذلك فهي مطالبة اليوم قبل الغد، بالابتعاد عن أي خطوة تفسر لمصلحة من يتهمونها، وألا تتخذ الأمر على أنه وقوف مع الجماعات الإسلامية في ليبيا، بعدما ثبت تورط بعضها في مأساة الليبيين، وغير خاف على أي متابع أن هناك ممارسات غير إسلامية تتم باسم الإسلام". نفق مظلم وفي ذات السياق يشير القيادي في حزب الأمة المعارض، الزاكي حسن محمود إلى أن حكومة الرئيس عمر البشير أدخلت السودان في نفق مظلم، وجعلته محط الاتهامات الدولية على الدوام، مشيراً إلى أن الخرطوم التي عرفت على الدوام بالنأي عن التدخل في سياسات الدول الأخرى، واتباع سياسة حسن الجوار فقدت هذه الخاصية والسمعة الحسنة، عقب مجيء حكومة الإنقاذ الوطني، وقال في تصريحات إلى "الوطن" "من غير المستبعد على هذه الحكومة أن تتدخل بشكل سالب في شؤون ليبيا، فقد عودتنا على اتباع سياسات لم يعرفها السودان من قبل، فقد كنا قبلة للإخوة الأفارقة يحلون مشكلاتهم بواسطتنا، إلا أن حكومة البشير أتت وليس لها من هدف سوى إساءة علاقات السودان مع كل دول الجوار، فقد أدخلت البلاد في عداوات مع مصر وليبيا وتشاد وإثيوبيا وإريتريا. ولم تسلم أي من هذه الدول من أذى حكومة البشير". ومضى محمود بالقول "هل يعقل لحكومة تمتلك أي أفق سياسي أن تسيء علاقاتها مع كل دول الجوار، وتتسبب في تدهور كبير في علاقات البلاد مع عمقها العربي والخليجي، وكل ذلك في سبيل حفنة من الأسلحة تتلقاها من إيران؟ وليت المساعدات التي تتلقاها من إيران كانت تصب في خدمة مصالح البلاد أو تنمية مواردها، أو تطوير صناعاتها، بل كانت أدوات قتل ودمار توجهها نحو صدور مواطنيها". واختتم بالقول "إذا أرادت هذه الحكومة التي ترفضها غالبية الشعب السوداني الحفاظ على ما تبقى من السودان، فعليها أن تتوقف فوراً عن التدخل في شؤون الآخرين، وأن تكف يدها عن دعم الإرهابيين والمتشددين الذين يثيرون الفتن والمشكلات في بلادهم، وأن تتخذ موقفاً وسطياً يتوافق مع سياسات الدول العربية المتزنة، وأن تسعى جاهدة إلى إعادة تلك العلاقات الاستراتيجية، مع دول ظلت تقف مع بلادنا في كل أزماتها، وأن تحجم علاقاتها المشبوهة مع إيران، لأنها علاقات تتعارض مع توجه وعقيدة غالبية الشعب السوداني".