بعد شهر من الاحتجاجات استفاق الجزائريون للمرة الأولى منذ 20 عاما من دون أن يكون عبد العزيز بوتفليقة على رأس السلطة، لكنهم رغم فرحتهم لا ينوون وقف حراكهم حتى رحيل "النظام" بكامله. وحاول الرئيس الجزائري (82 عاما) الذي اختفى تقريبا عن الإعلام منذ عام 2013 إثر إصابته بجلطة دماغية، الاستمرار في السلطة، مقدّماً الاقتراح تلو الاقتراح لتهدئة الشارع، من دون جدوى. قدّم الثلاثاء رسالة استقالته إلى المجلس الدستوري، بحسب مشاهد بثها التلفزيون الوطني. وبدا فيه بوتفليقة بحسب المشاهد متعبا، وقد ارتدى عباءة وجلس على كرسي متحرك. وقدّم رسالة استقالته إلى رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز. وجاء في نص الرسالة التي نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية "إنّ قصدي من اتّخاذي هذا القرار إيمانًا واحتسابًا، هو الإسهام في تهدئة نفوس مواطنيّ وعقولهم لكي يتأتّى لهم الانتقال جماعيًا بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموحًا مشروعًا". وكان موجودا في القاعة نفسها إلى جانب الرئيس الجزائري، عبد القادر بن صالح (77 عاما)، رئيس مجلس الأمة الجزائري. وبموجب الدستور، يتولى بن صالح رئاسة البلاد بالوكالة لمدة أقصاها 90 يوما تجري خلالها انتخابات رئاسية. وسُمعت على الفور أصوات أبواق السيارات في شوارع العاصمة ترحيبا باستقالة بوتفليقة، وسُجل ظهور بعض التجمعات خصوصا في ساحة البريد في العاصمة التي تتركز فيها التظاهرات الاحتجاجية منذ 22 شباط/فبراير. وأطلِقت الأسهم النارية، بينما حمل المتظاهرون أعلام الجزائر. ويطالب المتظاهرون الذين يسيرون في شوارع العاصمة ومختلف المدن الجزائرية منذ أكثر من شهر بمئات الآلاف أسبوعيا، برحيل النظام بكامله. فكرّر عدد من المتظاهرين ليل الثلاثاء تصميمهم على المضيّ في التظاهر رغم الاستقالة التي تترك في رأيهم القرار في أيدي أطراف النظام إياه. وعلى غرار كثيرين غيره، قال ياسين صيداني وهو مهندس يبلغ من العمر 40 عاما "نحن سعداء لكننا لسنا سذّج"، مضيفا "سنواصل التظاهر حتى رحيل النظام". في المقابل، أعطى آخرون بوتفليقة حقّه، معبّرين عن أسفهم لتشبّثه بالحكم. وقال بيلان ابراهيم (40 عاما) "بوتفليقة اشتغل. لقد صوتتُ له في البداية، لكنه لم يعرف كيف يخرج مرفوع الرأس". وقالت فاطمة زهرة (65 عاما)، وهي ممرضة متقاعدة "سأتظاهر حتى رحيل كل المجموعة"، معتبرةً أنّ بوتفليقة كان في إمكانه "الخروج مع كلّ التشريفات، لكنّ أخاه جعله يخرج من الباب الضيق للتاريخ". وقبل ساعات قليلة من إعلان الاستقالة، دعا رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح في بيان الى "التطبيق الفوري للحل الدستوري" الذي يتيح عزل بوتفليقة. وكان يشير الى المخرج الدستوري الذي اقترحه الأسبوع الماضي ويتمثل في تطبيق المادة 102 من الدستور التي تؤدي الى إعلان عجز رئيس الجمهورية عن ممارسة مهامه بسبب المرض. وتابع البيان "نؤكد أن أي قرار يتخذ خارج الإطار الدستوري مرفوض جملة وتفصيلا"، في تلميح الى أن الجيش قد يتوقف عن التقيد بقرارات صادرة عن الرئاسة. وبعد أن عدّد صالح المساعي التي بذلها الجيش للخروج من الأزمة الحالية، أضاف "مع الأسف الشديد قوبل هذا المسعى بالمماطلة والتعنّت وحتّى بالتحايل من قبل أشخاص يعملون على إطالة عمر الأزمة وتعقيدها ولا يهمّهم سوى الحفاظ على مصالحهم الشخصية الضيقة غير مكترثين بمصالح الشعب وبمصير البلاد". في ردود الفعل الخارجيّة، اعتبرت الولاياتالمتحدة أن مستقبل الجزائر يقرّره شعبها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت بالادينو إن "الشعب الجزائري هو من يقرر كيفية إدارة هذه الفترة الانتقالية". من جهته أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان أنّ فرنسا واثقة من أنّ الجزائريين سيُواصلون السعي إلى "انتقال ديموقراطي". وقال في بيان "نحن واثقون من قدرة الجزائريين على مواصلة هذا التحوّل الديموقراطي بنفس روح الهدوء والمسؤولية" التي سادت خلال الأسابيع الفائتة. واعتبر لودريان أنّ "صفحة مهمّة من تاريخ الجزائر تُطوى" مع استقالة بوتفليقة. في ما يلي المحطات الرئيسية خلال فترة رئاسة عبد العزيز بوتفليقة (82 عاما) الذي قدم استقالته الثلاثاء بعد أكثر من شهر على حركة شعبية غير مسبوقة في الجزائر منذ انتخابه للمرة الاولى في 1999. "المصالحة" في 15 نيسان/أبريل 1999، انتخب عبد العزيز بوتفليقة المدعوم من الجيش ووزير الخارجية السابق وفي أوج الحرب الأهلية، رئيسا للجمهورية ب 73,79 في المئة من أصوات الناخبين. واحتج منافسوه الستة على الاقتراع، بعدما انسحبوا عشية الانتخابات من المنافسة معتبرين أن "النتيجة محسومة سلفا". وفي 16 أيلول/سبتمبر 1999، نال بوتفليقة تأييدا ساحقا في استفتاء حول العفو عن المتشددين الذين لم يرتكبوا جرائم قتل أو اغتصاب، ويخضعون لسلطة الدولة. وبعد إعادة انتخابه في العام 2004، أتاح استفتاء جديد نظم في أيلول/سبتمبر 2005 تبني "ميثاق السلم والمصالحة" الذي يوفر "العفو" للمتشددين الذين ما زالوا في الجبال في مقابل استسلامهم. وكانت الحرب الأهلية بدأت في العام 1992 بعد قرار السلطات إلغاء الانتخابات التشريعية، إبان انتهاء جولتها الأولى نهاية العام 1991، بفوز كبير لحزب الجبهة الإسلامية للانقاذ الذي تم حله لاحقا. وخلفت الحرب الأهلية مئتي ألف قتيل (حصيلة رسمية). وسلم نحو 15 ألف مسلح أسلحتهم منذ العام 1999. هجمات القاعدة في 11 نيسان/أبريل 2007، تبنى تنظيم القاعدة اعتداءين شبه متزامنين في العاصمة الجزائرية، استهدف أحدهما القصر الحكومي. وفي السادس من أيلول/سبتمبر من العام نفسه، استهدف موكب بوتفليقة هجوم انتحاري، وفي 11 كانون الأول/ديسمبر استهدف اعتداءان مقر المجلس الدستوري ومقار للأمم المتحدة، وتبنى تنظيم القاعدة الاعتداءين أيضا. وفي كانون الثاني/يناير العام 2013 احتجز مسلحون متشددون رهائن في موقع إن أميناس الغازي (1300 كلم جنوب شرق العاصمة الجزائرية). وأنهت القوات الخاصة الجزائرية الاعتداء الذي أدى الى مقتل 29 مسلحا و40 موظفا في الموقع. ولايات غير محدودة في التاسع من نيسان/أبريل 2009، انتخب بوتفليقة لولاية ثالثة بنسبة 90,24 في المئة من الأصوات، بعدما تبنى البرلمان في العام 2008 تعديلا دستوريا يلغي تحديد الولايات الرئاسية باثنتين. وفي كانون الثاني/يناير 2011، خلفت احتجاجات ضد غلاء المعيشة خمسة قتلى وأكثر من 800 جريح في سياق الثورة الشعبية في تونس المجاورة. ولاحتواء تلك الاحتجاجات، أعلن بوتفليقة عن إصلاحات، غير أن المعارضة اعتبرتها غير كافية. وفي عامي 2012 و2017، احتفظ الائتلاف الداعم لبوتفليقة، والمكون من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع من أجل الديموقراطية، بالغالبية المطلقة في البرلمان. مشاكل صحية وولاية رابعة بين شهري نيسان/أبريل وتموز/يوليو 2013، وبعد تعرضه لجلطة دماغية، دخل بوتفليقة مستشفى في باريس لمدة 80 يوما. وخلفت الجلطة آثار ضعف كبيرة عليه. لكنه أكد في أيلول/سبتمبر سيطرته على الحكم من خلال تعديل وزاري كبير، وتقليص نفوذ الأجهزة السرية. وفي 17 نيسان/أبريل 2014، أعيد انتخابه بنسبة 81,49 في المئة من الأصوات، لولاية رابعة. وأدى اليمين على كرسي متحرك، ثم عولج مرارا في أوروبا. إقالات في 30 كانون الثاني/يناير 2016 أكدت الرئاسة دورها كمركز للحكم مع حل إدارة الاستعلامات والأمن التي كانت تعتبر "دولة داخل الدولة"، وذلك بعد إقالة رئيسها الجنرال النافذ محمد مدين المكنى "توفيق" في أيلول/سبتمبر 2015. وفي 15 آب/أغسطس 2017، أقيل رئيس الوزراء عبد المجيد تبون بعد ثلاثة أشهر من تعيينه، على خلفية صراعات صامتة بين أطراف في السلطة. وخلفه أحمد أويحيى الذي كان يتولى رئاسة ديوان الرئيس. وكان تولى رئاسة الوزراء ثلاث مرات سابقا. وفي بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2018، أشارت صحف عدة إلى الإفراج عن خمسة جنرالات كانوا معتقلين منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر، في إطار قضية اختلاسات مفترضة. وأحيل هؤلاء على التقاعد صيف 2018 في إطار حملة إقالات في أعلى القيادة العسكرية. احتجاجات في العاشر من شباط/فبراير 2019، أعلن عبد العزيز بوتفليقة انه سيترشح لولاية رئاسية خامسة، خلال الانتخابات التي كانت مرتقبة في 18 نيسان/أبريل. لكن في 22 من الشهر نفسه، خرج عشرات آلاف المحتجين إلى الشوارع في تظاهرات واسعة وحاشدة غير مسبوقة في كل أنحاء البلاد، استجابة لدعوات ناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رفضا لولاية خامسة لبوتفليقة، وخصوصا في العاصمة حيث التظاهرات محظورة بشكل صارم. في 11 آذار/مارس، أعلن الرئيس الجزائري عدوله عن الترشح لولاية خامسة، وإرجاء الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى. وتم استبدال رئيس الوزراء احمد اويحيى بوزير الداخلية نور الدين بدوي. في 26 من الشهر نفسه اقترح رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق قايد صالح مخرجا دستوريا للأزمة يتمثل في تطبيق المادة 102 من الدستور التي تحدد إجراءات إعلان "ثبوت المانع" لرئيس الجمهورية واستحالة ممارسة مهامه. وفي 29 آذار/مارس نزل الجزائريون مجددا الى الشارع للجمعة السادسة على التوالي مطالبين برحيل النظام. والى جانب هذه التجمعات، نظمت تظاهرات عدة لاطباء وطلاب وصحافيين ومحاميين ومهندسين وباحثين ساهمت في ابقاء الضغط في سبيل تحقيق التغييرات. استقالة في الأول من نيسان/أبريل، أعلنت الرئاسة الجزائرية أن بوتفليقة سيستقيل قبل انتهاء ولايته الرابعة في 28 نيسان/أبريل. في الثاني من نيسان/أبريل، دعا قايد صلاح الى "التطبيق الفوري للحل الدستوري" الذي يتيح عزل الرئيس. وبحسب الجيش فان البيان الذي صدر الاثنين عن الرئاسة معلنا استقالة الرئيس الجزائري قبل انتهاء ولايته في 28 نيسان/ابريل "صدر عن جهات غير دستورية وغير مخولة" وليس عن رئيس البلاد. بعيد ذلك، نقلت وسائل الإعلام الجزائرية أن بوتفليقة أبلغ المجلس الدستوري باستقالته "ابتداء من تاريخ اليوم".