ناقش وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ على مدى اليومين الماضيين في جدة، مع قيادات الجامعات والتعليم الفني من الجنسين، أبرز المعوقات التي تواجه التعليم العالي والفني والتطلعات المستقبلية لتطوير الأداء وتحسين المخرجات وبحث المبادرات وحوكمة الجامعات في ظل تهيئتها للاستقلالية المنشودة في نظام الجامعات الجديد الذي ينتظر اعتماده قريبا. وعندما التقى وزير التعليم الجديد مسؤولي التعليم العام بالرياض الأسبوع قبل الماضي، في بداية عمله، كاشفهم بالمعوقات الصعبة التي تواجه الوزارة، مؤكدًا عدم الخجل من الواقع، كان يختط نموذجًا جديدًا للتعاطي مع التحديات القائمة التي تكيف معها الغالبية -للأسف الشديد- لسنوات طويلة، وكأنه لا حل لها، والمؤمل أن تتواصل قاطرة الأمل مع العمل لمواكبة التحديات وألا ينطفئ الحماس سريعًا فيما يعرف ب»حمى البدايات الساخنة». ويمكن القول: إن الوزير أحسن بالفعل بالتحرك الشمولي ليتضمن الأسبوع الماضي المرحلة الأساسية، والحالي التعليم الجامعي من خلال لقائه مع مديري الجامعات، والمؤمل أن يتواصل هذا الزخم مع التعليم الفني أيضا. التشخيص بداية التصحيح وإذا كان الوزير وضع يده على مشكلات المعلمين والمدارس بدقة الخبير نتيجة لسوء التوزيع والفجوة بين الميدان التربوي وقيادات الوزارة وضعف المخرجات التعليمية، فإن التاريخ يشير للإنصاف إلى أن محاولات الإصلاح مستمرة منذ سنوات، ولكن كانت تعاني دومًا من ضعف الزخم وآليات التفعيل ومعوقات الإدارة والتمويل وغيرها. محاولات التطوير عمرها 13 عاما في عام 2006 ركز الحوار الوطني على كيفية النهوض بالتعليم من خلال تطوير المناهج وأداء المعلمين ونقل التعليم من مضمار الحفظ والتلقين إلى التعليم المهاري القائم على التفكير الناقد، وفي عام 2013 - 2014، جرى تخصيص 80 مليار ريال لتطوير التعليم، من خلال تمكين المدارس وإدارات التعليم من إدارة عمليات التطوير والحد من المركزية، مع الاهتمام باللغة الإنجليزية كركيزة ومتطلب رئيس في سوق العمل. دعوة الوزير لاختبار طلاب «الابتدائية» بنفسه في الإملاء والنحو والحقيقة أن الوزير آل الشيخ كان مصيبًا وهو يدفع بالكرة إلى ملعب إدارات التعليم والمدارس، عندما توقف عند الكثير من المعوقات ومنها كثرة المبادرات وتضاربها وغياب القيادات عن الميدان التربوي والاكتفاء بالتقارير المكتبية، كما كان دقيقًا وهو يشير إلى شكاوى التعليم الأزلية ومنها سوء توزيع المعلمين والمدارس وضعف مخرجات التعليم في المرحلة الابتدائية نتيجة عدم إتقان غالبية الطلاب لمهارات الكتابة والقراءة. والأمل يظل معقودًا عليه في الارتقاء بخريجي المرحلة الابتدائية واقعًا على الأرض وليس شكليًا، ولتكن البداية من اختباره هو شخصيًا لعينات من طلاب المدارس في الإملاء والنحو ومهارات الكتابة ليقف بنفسه على الواقع، وربما كان ذلك بداية التصحيح والوقوف على مكامن الخلل والهدر المالي لاسيما وأنه الداعي إلى عدم الخجل من الواقع وأن البداية الصحيحة تكون بالوقوف على المسببات، والحقيقة أن هذا الملف لو نجح فيه الوزير بمفرده لكفاه، ولسجل اسمه في قائمة شرف المبدعين والطموحين. التحديات والواقع بين المدرسة والمعلمين وإذا كان آل الشيخ قد أقر بسوء توزيع المعلمين وضعف تأهيلهم، فإن من الضروري إعادة النظر فعليًا في النصاب المحدد للبعض ب24 حصة أسبوعيًا، وغيرهم الذين لا يتم تكليفهم بنصفه، مع تفريغ البعض للعمل الإداري والانتدابات وغيرها، مما يصيب الآخرين بالإحباط لعدم الشعور بالعدالة. أما الأمر الثاني، فهو شكاواهم المتكررة من عدم حصولهم على حقوقهم ودرجاتهم الوظيفية المستحقة بالكامل، وهو ما يسبب صداعًا لا ينتهي لأي وزير، ويؤثر على الواقع التربوي بالتأكيد، ولا تنفك مشكلات المعلمين سوى بحسم أزمات النقل الخارجي والداخلي، ولعل من الحلول المطروحة في هذا الشأن: 1- كسر المركزية وربط مستقبل المعلم بإدارته التعليمية في منطقته في ظل زيادة الخريجين من كل المناطق. 2- لا يجادل أحد في أن مستوى المخرجات التعليمية لا يواكب الطموح في ظل اتساع الفجوة بين نتائج اختبارات الثانوية العامة ونتائج الاختبار التحصيلي والقدرات بنسبة 18% في العلمي و15% في الأدبي. 3 - يحتاج تطوير التعليم إلى إعادة النظر في البيئة المدرسية والتقويم المستمر الذي أثر بالسلب على مستوى الطلاب، ولعل في دعوة الوزير للاهتمام بالاختبارات الدولية وبدء تطبيقها خلال العام الحالي دلالة على ذلك. 4- يجب ربط المدرسة عمليًا بسوق العمل وجعل التعليم في خدمة البيئة مع عدم إهمال التخصصات الأدبية في ذات الوقت لدورها في تعزيز القيم المجتمعية والذائقة الجمالية لدى الطلاب. التعليم الجامعي والفني.. خلل في التخصصات والتسرب وسوق العمل وبغض النظر عن فتح لقاء الوزير مع الجامعيين للإعلام من عدمه، فإن التحديات التي تواجه القطاع عميقة وربما مزمنة، ويتصدرها بكل تأكيد ضعف المخرجات التعليمية لمواكبة تحديات العصر، على الرغم من ارتفاع الإنفاق إلى أكثر من 190 مليار ريال سنويا. أما الأمر الثاني فيتعلق بمطالبة الجامعات بالاستقلال المالي والإداري إلى حد ما، حتى تكون لديها القدرة على الاستعانة بالخبرات المؤهلة. ويبقى السؤال قائما بشأن الخلل الكبير في إعداد الخريجين لصالح الأقسام النظرية بنسبة تزيد على 60% على الرغم من التوسع الكبير في الكليات الطبية والعلمية والصحية والهندسية مؤخرا. أما بالنسبة للتعليم الفني، فالأزمة تبدو أشد وضوحا إذ أنه على الرغم من التوسع في الأقسام المهنية في الكليات والمعاهد وسط إنفاق كبير، إلا أن نسبة كبيرة من الخريجين الذين تصل أعدادهم إلى أكثر من 50 ألف خريج سنويا تعمد إلى البحث عن وظائف مكتبية بعيدا عن المجال الذي تخرجت منه بدعوى العيب. ولا زالت قطاعات الإنشاءات والمقاولات بعيدة تماما عن استقطاب السعوديين رغم ما تضخه المعاهد والكليات من فنيين لدعم هذا القطاع سنويا. الآمال والتطلعات وحدها لا تكفى يا معالي الوزير وإذا كان حديث الوزير الإصلاحي الواقعي قد أثار موجة من الارتياح وحالة من الاستبشار في الميدان التعليمي، فإن هذا لا يمنع مطلقًا أن نذكره بأن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي، وأن البعض قد يبدو مشجعًا للتطوير وتسريع الخطى، لكن في قرارة نفسه لا يشعر بارتياح، لأن ذلك يقلل مكاسبه، أو على الأقل ينغص عليه برنامجه اليومي الذي اعتمد على الركون للمكتب دون النزول للميدان التربوي، لذلك ينبغي أن يأخذ كل ذلك بعين الاعتبار وأن يكون حريصًا على اختيار معاونيه من ذوي الهمم العالية في مختلف إدارات التعليم والمدارس حتى لو اضطره ذلك إلى إعادة هيكلة كاملة للوزارة، فالطموح الكبير لا يصل له إلا الكبار.