احتل التعليم في المملكة في آخر تقرير للبنك الدولي عن التعليم في العالم العربي المرتبة السابعة عشرة من بين اثنتين وعشرين دولة عربية. التصنيف شكك في معاييره مسؤولون في وزارة التربية والتعليم،لكنه في الواقع لا ينفي أن هناك قصورا في مخرجات التعليم والتي جعلتنا في ذيل القائمة العربية،وهذا القصور سببه مشترك بين عدة جهات،أما علاجه فيحتاج إلى تضافر الجهود لنصل إلى ما يتوافق والدعم الذي تلقاه وزارة التربية والتعليم من حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله -. فرجة مسؤولي التربية والتعليم على هذا الوضع لن تحل عقدة من عقد هذه المشكلة التي ظهرت بوادرها في ضعف مخرجات مدارس التعليم العام في مراحله الثلاث، والأعذار التي يصرح بها مسؤول هنا،ومسؤول هناك ستزيد القضية تعقيدًا والمخرجات ترديا،وليست هي بوابة الحلول الناجعة،بل إن الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى في الطريق الصحيح،ومن ثم إقرار دراسات ميدانية ونظرية جادة،هدفها تقصي الحقائق مهما كانت قاسية،ومعرفة نقاط الضعف ومواطن القصور في الميدان التعليمي،وبعد ذلك تتم المعالجة بناء على أسس سليمة ومدروسة،لنضمن بُعدها عن الارتجالية،وكونها عملا مؤسسيا يستعصي على الفردية. "الرياض"حاورت عددا من المهتمين والمتخصصين بالجانب التربوي والتعليمي لكشف بعض خفايا تراجع ترتيب تعليمنا العام إلى ذيل قائمة التصنيف،وهل مرجع ذلك إلى شخصية الطالب؟ أم صياغة المناهج؟ أم القائمين على التعليم؟ عجز بيئة التعليم في البدء تحدث الأستاذ عبد الله المطيري (كاتب وإعلامي وباحث في المجال التربوي )وأرجع عدم اهتمام الطلاب بالعلمية الجادة إلى نقص الوعي لديهم، وقال:هذه سمة تنتشر في المجتمعات غير المخطط لها،والتي تسير الأمور فيها بشكل عشوائي،الطالب يصل لهذه النتيجة؛أي عدم الاهتمام بمستقبله التعليمي حين يرى أن النجاحات من حوله لا تنتج عن الإنجاز العلمي بقدر ما تنتج عن علاقات اجتماعية وواسطات ...إلخ،كل هذا يؤدي إلى إحباط كبير يظهر في عدم الاكتراث بالمستقبل التعليمي. وعن تهميش مديري المدارس للجانب التعليمي لطلابهم واهتمامهم بالجانب النظامي الروتيني يقول:المجتمعات غير العلمية لا يستطيع فيها أغلب الأفراد إلا الاهتمام بممارسة السلطة،والحرص على المظهر العسكري للمدرسة أكثر من الإبداع العلمي، وقاعدة "فاقد الشيء لا يعطيه" تنطبق هنا بشكل جيد. وفيما يخص دور المعلمين في تطوير مهارات طلابهم وتقريبهم تجاه دروسهم،يقول المطيري: المعلمون لا يختلفون كثيرا عن طلابهم في امتلاك المهارات الاحترافية، وتأهيل المعلمين رديء جدا،ولا يمكِّن المعلم إذا لم يساعد نفسه في الإبداع في التعليم،فكرة الدورات على رأس العمل مهمة جدا،ولكن البيئة داخل المدرسة والفكر الإداري والاجتماعي فيها لا تساعد المعلم على تطبيق ما تعلمه في الدورة لكن الاستمرار في هذا التوجه مهم وضروري. ويتحدث المطيري عن المناهج الدراسية فيرى أنها تحتاج إلى تغيير لا تطوير فحسب، باعتبار أنها تنتمي لفكر ورؤية تتعارض تماما مع التعليم الحديث،فهي -على حد قوله-مناهج تلغي فردية الطالب وقدرته على التفكير وتعيّشه وسط قضايا لا علاقة له فيها،هي مكثفة بشكل غير معقول لكنها ليست نتيجة تخطيط محكم، ويؤكد على أن المناهج الحالية أكبر عقبة في وجه الإصلاح التعليمي. ولا يؤيد المطيري الطريقة المعمول بها في بعض الدول العربية،بحيث تكون أسئلة شهادة الكفاءة عن طريق الوزارة ،ومن ثم يحدد الطالب على ضوئها-بعد تجاوزه للمرحلة الأولى الثانوي- القسم الذي يواصل فيه دراسته:طبيعيا أو شرعيا،أو معهدا مهنيا وصناعيا وتجاريا،حسب معدله،بل يرى المطيري أن ذلك ليس حلا جيدا للمشكلة بل حل هذه المشكلة-كما يقول-:يكمن في توفير تربية تساعد الطالب في تكوين شخصية قادرة على الاختيار وتحديد التوجه،ودون هذا الأمر ستبقى كل الأنظمة تدور في حلقة مفرغة. ويرى أن التسرب-وهو جزء من المشكلة- شكل من أشكال عجز بيئة التعليم عن احتواء كل الطلاب،وعلامة على ضعف قيمة الفرد في المجتمع،ويضيف:من المفترض توفير عدد مختلف من أشكال التعليم تستوعب تنوع الأفراد وظروفهم الخاصة وهذا غير متوافر حتى الآن،فنظرتنا الحادة والمثالية هي التي تؤدي بنا إلى نفي بعض الأفراد من بيئة التعليم دون أن يكون هناك بديل سوى الشارع،وأول خطوة نحو عالم البطالة أو الجريمة. وعن النتائج العالية في الثانوية،هذا العام،وكونها لا تعكس المستوى الحقيقي للطلاب، يؤكد المطيري:أن هناك تضامنا بين المعلمين والطلاب نتيجة وعيهم بفوضوية الوضع،ولذا تجد المعلم يريد أن يعطي الطالب فرصةً أفضلَ للحصول على عمل في مواجهة شبح البطالة المخيِّم، ومادام سوق العمل الحكومي والخاص لا يفرز الطالب بحسب قدراته ومهاراته فإن العملية ستستمر،والآن الشهادة الثانوية قلَّت مصداقيتها كثيرا وهذه أزمة حقيقية يجب على الوزارة التفكير في إيجاد حل لها. قصور التعليم ويقول عيد بن محمد العويش -مدير مدرسة ابتدائية- إن المتتبع لمسيرة التعليم في المملكة ليحار ويزداد دهشة،فالحكومة لم تبخل بأي جهد أو مال إلا أن هناك فجوة ما بين الإنفاق الحكومي على التعليم وبين المخرجات التي تزداد سوءا يوما بعد يوم،فنحن بالميدان و نرى الحقائق عن كثب. وأضاف:أبناؤنا الطلاب يعيشون واقعا تعليميا سيئا في ظل انعزال وزارة التربية والتعليم عنهم،مع العلم أن الجهود التي تبذلها المدارس مع طلابها لا تستطيع أن تحقق الأهداف المأمولة في ظل سياسة تعليمية غير واضحة ومتغيرة،فتعليمنا الحالي لا يواكب رؤية التطوير التعليمي و التقني الذي يشهده العالم اليوم برغم كل الجهود المخلصة من الدولة ورغم مشاريع التطوير التي كان آخرها مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم. مخرجات التعليم وإذا كان المطيري والعويش وغيرهما كثير قد اعترفوا بوجود قصور في نظام التعليم العام؛فإن آراءهم،وآراء بعض المهتمين في هذا الجانب،أو بعض العاملين في ذات الحقل ليست هي وحدها من تكشف جوانب هذا الخلل بل أثبتت الدراسات -أيضا- أن نتائج مخرجات هذا التعليم تضع استفهامات كثيرة،إذ إن عددا كبيرا ممن رصدت لهم درجات عالية في الشهادة الثانوية،وفي هذا العام تحديدا،لا تعكس درجاتهم مستواهم العلمي الفعلي،بل إن بينهما تباينا كبيرا. وأجرت كلية التقنية بمدينة عرعر دراسة على الطلاب المستجدين فيها في بعض أساسيات مادة الرياضيات واللغة الانجليزية والإملاء لمقرر الصف الأول متوسط وما دون،وجاءت الدراسة لمعرفة سبب انتشار ظاهرة تسرب الطلاب من إكمال الدراسة الجامعية،وخلصت الدراسة إلى أن السبب الرئيسي لا يعود إلى صعوبة المقرر الجامعي وإنما ضعف مستوى الطلاب العلمي،فمنهج المقررات الجامعية وضعت بما يناسب مستوى خريج الثانوية المأمول لا الواقع،وأن هناك فجوة بين المعدلات العالية التي يكتسبها الطلاب وبين مستواهم الحقيقي. وجاءت نتائج اختباراتهم التجريبية مخيبة للآمال في المواد الثلاث كلها،ففي مادة الإملاء أجرى مئتان وثلاثة وأربعون طالبا من خريجي القسم الأدبي اختبارا كان عبارة عن قطعة إملائية يستلزم عليهم تصحيحها،فجاء متوسط درجاتهم بما نسبته:(21.14%) وهي درجة متدنية جدا إذا ما قورنت بمستواهم الدراسي الذي نسب متوسط درجاتهم فيه عالية،فقد كانت نسبة معدلاتهم في حدود(83.9%). أما مادة اللغة الانجليزية فقد أُجري الاختبار على مئتين وستة وأربعين طالبا من خريجي الثانوية بقسميه العلمي والأدبي ممن حصلوا على تقدير جيد جدا في شهادتهم الثانوية،وجاءت النتيجة متدنية بنسبة تصل إلى:(18.19%). وفي مادة الرياضيات قُدم للطلاب ستة أسئلة؛ثلاثة منها من منهج الصف السادس الابتدائي،والباقي من منهج الصف الأول متوسط،وجاءت النتيجة مفاجأة،فنسبة متوسط درجاتهم كانت في حدود:(36.76%)،مع أنهم من خريجي القسم العلمي بتقدير جيد جدا. مركز القياس يكشف الواقع "الرياض" التقت بالدكتور عبد السلام الشقير رئيس وحدة العمليات بالمركز الوطني للقياس والتقويم وقال إن هناك فرقا بين اختبارات الثانوية واختبارات المركز في الهدف من الاختبارات،وطبيعة الأسئلة،والوزن النوعي لدرجة الاختبار،فمثلاً،الطالب الذي يحصل على درجة(70)في القياس أفضل من الذي يحصل على(85) في الثانوية العامة،والسبب أن درجة القياس تحدد موقع الطالب بين زملائه الذين دخلوا الاختبار،ولا يعني أن نسبة الإجابات الصحيحة 70%،بينما درجة الثانوية تحدد نسبة الإجابات الصحيحة التي أجابها في الاختبارات،لذا نجد الطلاب الذين حصلوا على درجة( 81فأكثر)في القياس يمثلون حوالي 5%فقط من الطلاب،بينما الطلاب الذين حصلوا على نسبة ( 81فأكثر) في الثانوية يمثلون أكثر من 60%من الطلاب، والمهم في القبول بالجامعات هو أين موقع الطالب بين زملائه؟بالإضافة إلى الحصول على حد أدنى من الدرجات في بعض التخصصات،لذا وجدت الجامعات في اختبارات القياس معيارا مناسبا جدا،وذلك لسهولة التمييز بين الطلاب،لأن عددا كبيرا من الطلاب نسبهم في الثانوية عالية وقريبة جداً من بعض،فمثلاً، يصعب أن تقبل 200طالب في تخصص معين نسبتهم 90%فأكثر وترفض 100طالب نسبتهم بين 89.7% و90%، بينما في اختبار القياس لن تجد مثل هذا التقارب بالإضافة إلى صدق تمثيل الدرجة لمستوى التحصيل العلمي و الاستعداد الدراسي للطالب. وأضاف: أن سبب تضخم نتائج الثانوية -كما هو معروف- هو إلغاء الاختبار الوزاري وعدم جدية بعض المدارس في التقييم الدقيق لمستوى التحصيل العلمي للطالب،وهذا ما دفع عددا من الدول المجاورة مثل قطر والسودان و مصر لاشتراط نتائج اختبارات القياس التي يقدمها المركز على جميع خريجي المدارس السعودية الذين يرغبون الالتحاق في جامعات تلك الدول ،مؤكدا على أن أسئلة اختبارات القياس ليست صعبة و لكن ليست كما تعوّد الطلاب عليه في معظم الاختبارات المدرسية التي تعتمد بدرجة كبيرة على حفظ الملخصات و دون فهم،وقد وصل التهاون إلى عمل ملخص الملخص وحفظه وهو لا يتجاوز ثلاث صفحات لمقرر دراسي كامل،فماذا تتوقع من هذا الطالب عندما يختبر في أسئلة تعتمد على الفهم والتطبيق والاستدلال كما هو الحال في اختبار القدرات العامة أو أسئلة الاختبار التحصيلي التي تقيس مستوى التحصيل المعرفي للمقررات الدراسية الأساسية التي درسها الطالب،وليست الملخصات التي حفظها دون فهم. وأشار الى أن قضية تدني بعض درجات القياس لا تعود إلى صعوبتها،ولا إلى جهل الطالب بطريقتها لأن المركز أعطى هذا الجانب الاهتمام الأكبر من خلال النشرات والمطويات التي يتم إرسالها إلى المدارس لتوزيعها على جميع الطلاب و أولياء أمورهم ومراكز الاختبارات في كافة أنحاء المملكة ومن خلال المؤسسات الإعلامية المختلفة موضحا فيها جميع المعلومات التي تهم الطالب وولي أمره والعاملين في لجان الاختبارات المختلفة،كما يسعى المركز إلى إقامة دورات تدريبية وورش عمل من أجل توعية وتثقيف المستهدفين من وراء عقد هذه الاختبارات مؤكداً على أن الخلل هو في ضعف مخرجات التعليم التي تنكشف أمام اختبارات القياس.