يتميز السوق الشعبي في مهرجان الجنادرية كل عام بكثرة مرتاديه، وتنوع الحرف المشاركة فيه، لاسيما أن أغلب الحرفيين المشاركين يمثلون حقبة زمنية قديمة، وحرفا أوشك محترفوها على الاختفاء. ومن بين هؤلاء الحرفيين القلائل، التقينا العم مسلم العرماني أبو حاضر، وهو من أهالي منطقة الجوف، وهو يمارس حرفة تحفها المخاطر والجهد، حيث تعتمد على طرق الحديد على النار لتطويعه. يقول العرماني أن حرفة الحدادة من المهن القديمة حتى وأن أدخلت عليها التقنية الحديثة والآلات الصناعية، ولكن سابقًا في بادية بلاد الشام والجوف والوطن العربي لم يكن هنالك مصانع، لذا كانت مهنة الحدادة تقتصر على حرفيين يهتمون بها، وهي مصدر دخلهم. ويضيف: بالرغم من دخول الصناعة الحديثة في الحدادة إلا أننا نشهد إقبالاً كثيفا وطلبا على صنع السيوف أو السكاكين والدروع والسلاسل الحديدة والكراسي وغيرها، لذا هناك الكثير من الحرف اليدوية ومنها الحدادة يرثها المرء أبا عن جد في سبيل تأمين لقمة العيش بعد اكتساب الخبرة فيها، لذا انا وعائلتي نشتهر بتلك المهنة رغم صعوبتها وقسوتها. وأشار العرماني إلى أنه بلغ من العمر أكثر من ستين عامًا ومنذ الصغر وهو يمتهن هذه الحرفة ويمارسها حتى تحت أشعة الشمس، خاصة وقد اعتدنا على الجلوس أمام النار والتحمل والقوة والصبر، فمثل هذه الحرف تحتاج لإرادة قوية ومثابرة. قائلا أنه خلال تلك السنوات الطويلة يتعرض بعض الأوقات للإغماء بسبب استنشاقه الأدخنة المتصاعدة سواء من النار أو من المواد المضافة على الحديد، بالإضافة لتعرض اليدين والوجه لبعض الحروق والتسلخات الجلدية أثناء ممارسة تلك الحرفة الخطيرة. وتابع العرماني: أن حرفة الحدادة بالنسبة له منذ القدم كانت مصدر دخل له، يغطي من خلالها مصاريف حياته اليومية، حتى بعد دخول الصناعات الخارجية مثل السكاكين والسيوف واستيرادها من الخارج مازالت منطقة الجوف نوعا ما تحافظ على مثل هذه المورثات عند بعض الحرفيين، وذلك بإشراكهم في المحافل داخل المنطقة وخارجها. وأكد العم مسلّم أن ممارسة مثل هذه المهن ليست عيبا يخجل منه، ولكن العيب على من لا مهنة له ويرجو عائدًا ماليًا وهو في ريعان شبابه دون أن يقدم أو يعمل شيئا، لذا يجب على الشباب الاعتماد على أنفسهم وتعلم مثل هذه المهن حتى يستطيعون الانخراط في الأسواق لتصبح المملكة ذات أيدي عاملة محلية لا تحتاج لعمالة خارجية. واختتم العرماني حديثه بأنه في كل محفل يسعى لنشر ثقافة الحدادة كذلك يعلم بعض الصغار والكبار ولا يتردد في الاجابة على أي سؤال يوجه له من الزوار حول تلك الحرفة وطريقتها، مبديًا استعداده للوقوف مع أي شخص من الصفر حتى الاحتراف إذا رأى لديه العزم والإرادة للتعلم واحتمال تلك المهنة الصعبة.