رغم مرور الاقتصاد العالمي بظروف اقتصادية صعبة خاصة في أمريكا وأوروبا، امتدت إلى كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية وطالت موازناتها العامة مما أجبر الحكومات على اتخاذ سياسات مالية متحفظة نتج عنها ترشيد الإنفاق الحكومي، إلا أن المملكة نجحت في تخطي تداعيات هذه الأزمات واستوعبت الصدمات الخارجية ووضعت ميزانيات توسعية خيالية هي الأضخم. ولعل من أبرز ملامحها أنها ميزانية توسعية متفائلة رغم توقعات صندوق النقد الدولي بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي لعام 2019 واستمرار متوسط اسعار النفط عند مستوى 60 دولارا. و ستنعكس النفقات العامة للموازنة على شكل زيادة في جميع القطاعات الرئيسة دون استثناء، كما ستعطي الميزانية أهمية للخدمات التي تمس المواطن بشكل مباشر مثل التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والخدمات البلدية والمياه والصرف الصحي والطرق وبعض مشروعات البنية الأساسية في جميع المناطق مما سيساهم في زيادة النمو الاقتصادي. وتهدف سياسات التوسع في الإنفاق الحكومي إلى دفع الطلب الكلي وتوفير فرص وظيفية جديدة ومكافحة التضخم وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين وزيادة رفاهيتهم وتوفير الحياة الكريمة لهم. وقد قدر الإنفاق التقديري في ميزانية 2019 بنحو 1106 مليار ريال بزيادة 7% عن نفقات العام السابق في مسعى لتحفيز النمو الاقتصادي المتضرر بفعل انخفاض أسعار النفط، بينما قدرت الإيرادات ب 975 مليار ريال بوجود عجز يقدر ب 131 مليار ريال وبما يعادل 4,2 % من الناتج المحلي الإجمالي. معدل النمو الاقتصادي و ستظل المملكة واحدة من أفضل الدول أداء بين اقتصادات مجموعة ال 20 خلال السنوات المقبلة بفضل الإصلاحات الاقتصادية المهمة التي أدخلتها، وحركة النمو الاقتصادي وجهود الحكومة في تنويع مجالات العمل، وعدم الاعتماد على النفط فقط، والاقتصاد السعودي يتمتع بنظرة ايجابية، ومن المتوقع إن ينمو الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل بنسبة 2,6 % العام القادم. معالجة عجز الموازنة ولاشك أن العجز المقدر في موازنة هذا العام 2019 بسبب توقعات انخفاض أسعار النفط، سيكون نقطة تحول إيجابية بكل معاني الكلمة، فمن رحم الصعوبات تبزغ الحلول الذكية والأنظمة التشاركية بين جميع القطاعات، وتوالي الإصلاحات الإدارية والإجرائية التي تكسر روتين البيروقراطية وتساهم في تحسين الكفاءة الاقتصادية، وسوف يترتب على هذا العجز إعادة ترتيب الأوليات ورفع كفاءة الإنفاق وتعظيم الأداء بما يحقق أهداف خطة التنمية العاشرة ويزيد الرفاهية الاقتصادية للوطن ويحفز القطاع الخاص على المشاركة الفاعلة في إجمالي الناتج المحلي. ويرتبط العجز بشكل كبير بزيادة النفقات عن الإيرادات العامة الأمر الذي ينعكس على المتغيرات الاقتصادية الأخرى، وتعتمد موازنة الدولة بنسبة 80% على إيرادات النفط، وقد بنت وزارة المالية تقديراتها لسعر النفط بحدود 50 60 دولارًا للبرميل وحجم إنتاج يقدر ب 10, 3مليون برميل يومياً، إلا أن أسعار النفط من المتوقع أن ترتفع إلى أكثر من 50 دولاراً، وبالتالي يتوقع أن ينخفض العجز الفعلي للميزانية العجز التقديري للموازنة، لذا ستلجأ وزارة المالية للعديد من الخيارات أخرى لسد عجز الموازنة المتوقع منها. السحب من الاحتياطات النقدية الضخمة يتوقع أن يتم تغطية العجز من الاحتياطيات المالية الضخمة والتي كونتها الدولة من الفائض في الأعوام السابقة نتيجة لارتفاع أسعار النفط بالإضافة إلى زيادة معدلات الإنتاج، ولا شك أن توافر احتياطيات لدى المملكة بهذا الحجم يمكنها من تجاوز آثار انخفاض اسعار النفط والأزمات الاقتصادية العالمية خلال الفترة الحالية والمقبلة مما سيجعلها في وضع آمن ومستقر وقادرة على سد أي عجز متوقع خلال العام الحالي والأعوام الأربعة المقبلة، ولدى المملكة نوعان من الاحتياطات، الأول الأصول الاحتياطية التي تضم النقد والذهب وحقوق السحب الخاصة، والاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي والنقد الأجنبي والودائع في الخارج، إضافة إلى الاستثمارات في أوراق مالية في الخارج، أما النوع الثاني فهو الاحتياطي العام للدولة والذي يسمى ودائع واحتياطي الحكومة يشمل (الاحتياطي العام، وجاري الحكومة، ومخصصات المشاريع الملتزم بها). المملكة ستظل واحدة من أفضل الاقتصادات في العالم التوسع في الخصخصة يخفف الضغط على الميزانية ويدعم الخدمات المملكة تتجاوز الصدمات وتسد العجز بالسندات الإنفاق الحكومي لايزال المحرك الرئيس للاقتصاد ومواجهة البطالة لا يزال إنفاق القطاع العام الحكومي هو المكينة الأقوى والمضخة الأهم للأموال المحركة لاقتصادنا، سواء من خلال النفقات الحكومية التشغيلية كرواتب موظفي الحكومة ومستخدميها ونفقات الصيانة ونحوها من النفقات الجارية، أو من خلال النفقات الاستثمارية كمشاريع البنية التحتية أو المشاريع الإنتاجية كمصانع البتروكيماويات، ومن المؤمل أن يسهم ضخ هذه الأموال في مشاريع تنموية في توفير وظائف جديدة والحد من البطالة. وفضلا عن ذلك هناك برنامج إنفاق حكومي موجه يرتبط بالخطة الخمسية العاشرة، وتصاعده ناتج في الأساس من تصاعد الإنفاق الاستثماري لاستكمال وتحديث البنية التحتية والمدارس والمستشفيات والجامعات والسكة الحديدية والمطارات إلخ.. وهو موزع على مختلف المناطق لرفع مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وستساهم هذه النفقات الضخمة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية التنموية وتعزيز النمو والتحول بالمملكة نحو الاقتصاد المعرفي. ومن المتوقع أن تعزز هذه المخصصات مسيرة التنمية واستمرار جاذبية البيئة الاستثمارية بشكل عام وتعزيز المحفزات الاقتصادية التي من شأنها دفع عجلة النمو وزيادة الثقة بالاقتصاد الوطني، وستعزز هذه المخصصات الإنفاق على المشاريع التنموية التي تلبي احتياجات المواطنين ورفع معدلات النمو الاقتصادي لتوفير الوظائف وتقليص معدلات البطالة، كما سيساهم الإنفاق الحكومي والاستثماري في تنويع مصادر الدخل وفك اختناقات الاقتصاد في قطاعات عديدة كالإسكان والخدمات الأساسية وتحسين مستوى معيشة عامة الناس بتوفير ما يحتاجون إليه من خدمات، وتوليد مزيد من فرص العمل لاستيعاب العاطلين منهم. وكل ذلك سيعتمد على تبني سياسات مالية ونقدية حصيفة، وأساليب إدارية فعالة تبعد شبح تعطيل المشاريع وإعاقة برامج التنمية حذرا من ضياع الفرص. كما يتميز الإنفاق الحكومي بتنوعه الجغرافي وتركيزه على البناء مما يدعم معدلات النمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمار الخاص لبناء مصادر جديدة ودائمة للدخل القومي. الإنفاق الحكومي والتنمية الاقتصادية إصدار سندات حكومية لسداد العجز المتوقع ومن المتوقع أن تلجأ الدولة الى اصدار سندات لسداد العجز المتوقع في الميزانية، ويعد هذا الخيار هو الأنسب في المرحلة الراهنة في ضوء ارتفاع السيولة البنكية ووجود ودائع مالية تصل الى 1.5 ترليون ريال، 60% منها ودائع خاملة لا يتقاضى أصحابها عليها أي فوائد، وتوجيه هذه الاموال لإصدار سندات يدعم الاقتصاد والبنوك أيضا، كما ان السندات من جهة اخرى يعد العائد عليها منخفضا مقارنة بالقروض ذات المخاطر الأكبر. ترشيد النفقات بداية مواجهة العجز أن معالجة قضية العجز في الموازنة يمكن أن يتحقق من خلال ترشيد النفقات من مصادر متتنوعة منها على سبيل المثال تأجيل المشروعات المعتمدة التي ليس لها أولوية قصوى في الموازنة، بالإضافة إلى ترشيد نفقات معظم الوزارات في التدريب والسفريات وغيرها من البنود التي لا تؤثر على استمرارية عمل الوزارات، كما أن ترشيد الدعم الحكومي لبعض السلع والخدمات سيساهم بشكل فعال في تقليص حجم ونسبة العجز في الميزانية، ولاجدال على ان توجيه الدعم الحكومي للأفراد المحتاجين من المواطنين بشكل علمي دقيق يعد أفضل طريقة لترشيد النفقات. تنويع القاعدة الاقتصادية ويعتبر العمل جدياً لتنويع القاعدة الاقتصادية ورصد كل التحديات والمعوقات لمعالجتها ووضع السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى إعادة توجيه الاقتصاد وتحسين كفاءة وفعالية القطاعات المختلفة، والتوجه للاستثمار في الصناعات التحويلية قيمة مضافة للاقتصاد، كما يجب إعطاء فرص اقوى للقطاع الخاص بأن يلعب دوراً محورياً كمحرك للاقتصاد وذلك بتخصيص القطاعات الحكومية الاقتصادية التي ستساهم في تخفيف الضغط على الميزانية وتحسين أداء وجودة الخدمات، بالإضافة لتنمية وتطوير السياحة الداخلية والدينية والمناطق الحرة والصناعات والخدمات المصاحبة لها والتي تساهم جميعها في تنويع القاعدة الاقتصادية وزيادة الصادرات غير النفطية، كما أن جذب الاستثمارات الأجنبية سيساهم في تنمية وتوسعة القاعدة الاقتصادية. عضو جمعية الاقتصاد السعودية*