أجمع اقتصاديون ومختصون، أن أرقام الميزانية العامة تؤكد عزم الدولة على الاستمرار في سياسة الإنفاق على المشروعات التنموية تحقيقا لرفاهية المواطن، رغم العجز البالغ 326 مليار ريال، معولين خلال ندوة «عكاظ» على دور المجلس الاقتصادي الأعلى وبرامجه الإصلاحية، التي من شأنها تحفيز القطاع الخاص وتنمية الصادرات السعودية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وإعادة الاستثمارات السعودية التي لجأت للخارج، موضحين أن العجز لايمثل هاجسا اقتصاديا، نتيجة لحجم الاحتياطات المالية الكبيرة للدولة بما يمكنها من تجاوز أي آثار لانخفاض أسعار النفط أو للأزمات الاقتصادية العالمية، منوهين بالمشروعات التي تبناها المجلس الاقتصادي الأعلى للتحول من الاعتماد على النفط إلى إيجادة عدة بدائل اقتصادية متنوعة، ورصد أداء جميع الإدارات المشاركة في عملية التنمية الاقتصادية. وأكد عضو جمعية الاقتصاد السعودية عصام خليفة، أن الميزانية جاءت في ظل تحديات محلية ودولية لازالت قائمة، أهمها تداعيات أسعار النفط في الأسواق العالمية، وحالة التوتر الأمني التي تشهدها عدد من دول الإقليم وخاصة اليمن، أما على المستوى المحلي فإن ارتفاع البطالة وتكاليف المعيشة بالنسبة للمواطن، واعتماد الدولة في إيراداتها على النفط ومشتقاته يعدان أبرز التحديات. وقال: «نحن في الطريق للتوصل إلى إيجاد حلول جذرية لمشكلة البطالة، على الرغم من وجود أكثر من تسعة ملايين عامل وافد في السوق السعودي. وأضاف: «برغم كل هذه التحديات فإن الميزانية العامة اشتملت على أرقام كبيرة للإنفاق على مشروعات التنمية، وهو أمر اعتاد عليه جميع المراقبين للميزانية السعودية، التي عادة ما تتضمن مخصصات كبيرة للتنمية حتى وإن صاحبها عجز مالي، وما يدفعني للتفاؤل أكثر أن معدل الدين يظل منخفضا، في مقابل الاستفادة من الاحتياطي المالي للدولة، ومراقبة الإصلاحات التي تبناها المجلس الاقتصادي الأعلى ضمن نطاق زمني محدد، وهو عام 2020. رؤية جديدة للاقتصاد السعودي أكد الدكتور حبيب الله تركستاني، أنه توجد رؤية جديدة للاقتصاد السعودي والقائمة على تخفيف المركزية في إدارة الاقتصاد، وتهيئة المجتمع ليكون مجتمعا منتجا إلى جانب تكريس سياسة التنويع الاقتصادي، وتشجيع الصادرات السعودية غير النفطية. وتابع بقوله: «لقد مررنا بسنوات عدة كانت فيها الميزانية العامة للدولة تعاني من العجز، إلا أن ذلك لم يكن عائقا أمام سياسة الإنفاق الحكومي على المشروعات التنموية الجبارة، بل كان دافعا لدراسة خيارات عدة لتنويع الدخل، فالرؤية الاقتصادية ليست أرقاما وإنما هي معرفة كيفية الاستفادة من الموارد الاقتصادية وتحويلها إلى منتجات، فالتعويل ليس على «الأرقام»، وإنما في معرفة إلى أين يتجه الاقتصاد، وهو ما تكشف عنه سياسية المجلس الاقتصادي الأعلى القائمة على إيجاد تنوع في الدخل الوطني، والاستفادة من كافة الموارد البشرية والطبيعية، وإيجاد إطار زمني لخطة التنمية المقبلة». وزاد بقوله: «التحول في الرؤية الاقتصادية يوفر للدولة الكثير من المخصصات المالية لمختلف القطاعات، التي كان مردودها الاقتصادي والتنموي ضئيلا. كفاءة التعامل مع العجز بعد ترقب وانتظار لميزانية الدولة 2016، المتضمنة عجزا ماليا مقداره 326 مليار ريال، نرى أن هذا العجز ليس بغريب عن الميزانيات السعودية، حيث إن المملكة وخلال حقبة الثمانينات الميلادية التي شهدت خلالها تدن في أسعار النفط؛ ما انعكس بشكل كبير على ميزانيات الدولة في تلك السنوات استطاعت تجاوز تلك الحقبة العصيبة باتباع سياسات مالية لتعويض العجوزات من خلال إصدار أدوات الدين العام وفي مقدمتها سندات الخزينة، إذ كان السبب الرئيس لإصدارها الاستمرار في تمويل التنمية، وقد نجحت المملكة في ذلك؛ لذا فمن المتوقع أن تتمكن السعودية خلال الميزانية المقبلة ولربما في السنوات التالية لها، من التعامل بسلاسة مع انخفاض الدخل من البترول من خلال اتباع سياسات ترشيد وتنويع مصادر الدخل، ودعم ذلك بتسريع الإصلاحات التي تسهم في تسهيل الاستثمارات المحلية والخارجية، كما أن خيار الرفع التدريجي للدعم عن أسعار السلع والخدمات الأساسية يظل إحدى الأدوات الفاعلة لمواجهة الظروف المالية غير المواتية خلال الفترة الحالية والسنوات المقبلة. ... تقليص البطالة قال عصام خليفة: «الإصلاح الاقتصادي سيعمل على تقليص معدلات البطالة، وتخفيض أعداد الأيدي العاملة، التي تقدر بالملايين في السوق السعودي، بموازنة مخرجات التعليم بما يتطلبه سوق العمل؛ ما يعني رفع معدلات التنمية القائمة، ومستوى الرفاهية الذي يعيشها المواطن؛ لذا نعول على دور المجلس الاقتصادي الأعلى وبرامجه الإصلاحية، التي من شأنها محاربة الفساد تحفيز القطاع الخاص وتنمية الصادرات السعودية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وإعادة الاستثمارات السعودية التي لجأت للخارج، فالسوق السعودي لديه الكثير من الفرص الواعدة للاستثمار، وليس أدل على ذلك من الاستثمار في قطاع الحج والعمرة، فهناك دراسة تشير إلى أنه من المتوقع أن يزيد عدد المعتمرين إلى قرابة العشرين مليونا، والحجاج إلى أكثر من خمسة ملايين حاج خلال الفترة المقبلة». وزاد: «لا شك أن توفر الاحتياطات المالية للمملكة يمكنها من تجاوز أي آثار لانخفاض أسعار النفط أو للأزمات الاقتصادية العالمية، فالمملكة لديها نوعان من الاحتياطات، الأول: يشمل النقد والذهب والاحتياطي لدى صندوف النقد الدولي والنقد الأجنبي والودائع والاستثمارات في الخارج. أما النوع الثاني فهو الاحتياطي العام للدولة ويشمل الاحتياطي العام ومخصصات المشاريع الملتزم بها. وتابع قائلا: يقدر حجم الاحتياطي النقدي السعودي ب 2.5 تريليون ريال، لذا فإن العجز لايمثل قلقا اقتصاديا على الإطلاق، نتيجة لحجم الاحتياطات المالية الكبيرة للدولة، كما أن ترشيد الإنفاق من أولى الحلول لمواجهة أي عجز لأي موازنه حكومية، وبالإمكان ترشيد بنود موازنات بعض الوزارات التي لاتؤثر على سير عملها. ... مقاييس أداء دقيقة للأجهزة الحكومية أشار الخبير الاقتصادي عبدالإله مؤمنة، إلى وجود توجه جديد قوي وفاعل للسياسة الاقتصادية للدولة، يتبناه المجلس الاقتصادي الأعلى؛ لزيادة معدلات التنمية وفق مقاييس أداء للأجهزة الحكومية. وأضاف: «استمرار الإنفاق الحكومي في ظل العجز، الذي تضمنته الموازنة سيحفز باقي القطاعات الاقتصادية في السوق السعودي ولاسيما سوق الأسهم، وسيستقطب مزيدا من الاستثمارات للسوق المحلي، كما أن خادم الحرمين الشريفين، نوه في كلمته بمجلس الشورى أخيرا إلى أهمية التكامل بين القطاعين الحكومي والخاص في عملية التنمية، بالإضافة إلى أن دور المجلس الاقتصادي الأعلى في هذا الجانب سيكون محوريا، لاسيما فيما يتعلق بتوفير المعلومة والتقييم، الذي كانت تفتقده معظم القطاعات الاقتصادية والحكومية أيضا، وليس أدل على ذلك من تفاعل سوق الأسهم مع أي مستجدات في الأسواق العالمية مقارنة بالسوق المحلي؛ نتيجة لتوفر المعلومات الواضحة والمعلنة في الأسواق العالمية». وتابع مؤمنة: «اتفق مع ما ذهب إليه الإخوة وكما قلت في السابق إن هناك استراتيجية اقتصادية جديدة تتبناها الدولة، وصولا إلى قاعدة اقتصادية متنوعة، تقوم على قياس أداء مختلف وزاراتها، وتعمل على تغيير النمط الاجتماعي، وما يثير التفاؤل أن الدولة مستمرة في إنفاقها المستمر، وتبنيها لرؤية جديدة، من شأنها حماية الاقتصاد الوطني من أي تقلبات». ... مواجهة العجز أكد أستاذ المحاسبة بجامعة الطائف د. سالم باعجاجة، أن انخفاض الإيرادات عائد إلى تراجع أسعار النفط لنصف ما كان سائدا من أسعار العام الماضي، حين كانت تتراوح بين 60 - 70 دولارا للبرميل، ومع ذلك فإن العجز المالي لن يكون له تأثيره الكبير في ظل محدوديته وإمكانية ترحيل جزء منه إلى العام المقبل، كما يمكن مواجهة العجز بشكل كامل من خلال طرح السندات وتغطيتها من خلال البنوك المحلية أو السحب من الاحتياطي المالي. وأضاف: «الموازنة العامة للدولة تهدف في المقام الأول إلى رفاهية المواطن، واستمرار عملية التنمية في الوطن، وميزانية هذا العام وإن كان بها العجز إلا أنه ليس كبيرا مقارنة بميزانية العام الماضي، حيث استمر الإنفاق بأكثر من 700 مليار ريال، وأقول ليس كثيرا باعتبار أن أسعار النفط وصلت إلى أرقام قياسية منخفضة، إذ بلغت نصف أسعار العام الماضي، كما أن مكافحة الإرهاب على حدودنا الجنوبية له تكلفته، ومع ذلك لم تشهد ميزانية العام الحالي تغيرا كبيرا عن العام الماضي من حيث حجم العجز، بل شهدت ارتفاعا كبيرا في مصروفات التنمية».