* في محاضَرَاتِي الجامعية أحاولُ جاهداً أن أكسَبَ تركيز طلابي أو أصدقائي الأعزاء، بالعَرض التفاعلي الذي يَقوم على الحوار والنقاش معهم، والسعي لربط مفردات المادة بالحياة اليومية، وتطعيم المحاضرة ببعض الفوائد الجانبية؛ ورغم تلك المحاولات، هناك قلةٌ أجدهم أحياناً يختلسون النظر لهواتفهم المحمولة؛ وعندما أمازحهم هل أنتم رجال أعمال تتابعون مستجدات سُوق الأسهم والبورصة العالمية؟ أم أنكم تفعلون ذلك انتظاراً لأمور هامة من شأنها أن تُغير حالكم ومستقبلكم؟، تأتي الإجابة التي ترافقها بعض ابتساماتهم اللطيفة (لا شَيء)! * وهنا أولئك الطلاب ما هم إلا جزء من مجتمع تُؤكد الإحصائيات -كما ذكرتُ ذات مقال- بأنه تقَنِيُ بامتياز؛ فعدد مستخدمي الإنترنت في السعودية تجاوز (30,25 مليون شخص)، وزادت فيها نسبة حاملي الهواتف الذكية على (96%)، وحسابات التواصل الاجتماعي النشطة في المملكة وصل إلى (25 مليون حساب)، فالسعوديون شَغوفون جداً بها؛ فلهم الصدارة العالمية في نِسَبِ متابعةِ معظمها ك(تويتر، واليوتيوب، وسناب شات)، ولذا لا غَرَابة أن يبلغ الوقت الذي يقضونَه في تصفح الإنترنت وبرامجها (6:45 ساعة يومياً). * تلك الأرقام تؤكد على هَدر كبير وخطير للأوقات؛ وهذا له تأثيراته السلبية ليس على الأفراد وأُسَرِهِم، بل على المجتمع وتنمية الوطن بعامة؛ وبالتالي فنحن أمام ظاهرة وأزمَة حقيقية تتطلب دراسات تُفَتِّشُ عن الأسباب، ومن ثَمَّ تَضعُ برامج تطبيقية وفاعلة للمعالجة. * ولعل من ذلك غَرس ثقافة استثمار الأوقات في شرايين المجتمع بكل أطيافه وفئاته، من خلال مختلف المنابر والمنصات؛ ومن النظريات أو الكتب المهمة في مجال ترتيب وإدارة الأولويات ما طرحه العَالِم (ستيفن كوفي، Stephen Covey)، حيث قسم الأعمال من خلال مؤشِّرَي «الأهمية والاستعجال في التنفيذ» إلى أربعة مُربعَات؛ فهناك مربع (غير المهم، وغير المستعجل) الذي فيه أعمال هامشية لا جدوى من القيام بها في أيِّ وقت؛ وهو «مربع الضياع» الذي به تُقتَل الساعات والأيام والشهور والسنوات، أما مربع (المستعجل وغير المهم)؛ الذي فيه بعض الأعمال التي عوائدها على الإنسان أو المؤسسة معدومة أو محدودة، كالاجتماعات الروتينية، ويُسمى ب»مربع الخِدَاع»! أما المربع الثالث، فهو (المهم والمستعجل)، وفيه أعمال لابد من إنجازها حاضراً كإطفاء حريق أو إنقاذ غريق، ويسمى «مربع الإنجاز»، نصل للرابع (المهم وغير المستعجل) وهذا «مربع المستقبل»؛ ففيه التَّخطيط المتقن مع الوعد بالتنفيذ في الوقت المحدد. * أخيراً عزيزي القارئ فَتّش في نفسك وصارحها في أيِّ مُربعٍ أنت؟ وتذكّر بأن وَقتُك هو عمرك؛ فأرجوك لا تنقضِ دقائقه وثوانيه إلا فيما يعود عليك بالنفع في دُنْيَاك أو آخِرتك، وصدقَ شَوْقِي وهو يُرَدِّد: دَقَّاتُ قَلْبِ المَرءِ قَائِلةٌ لَهُ: إِنَّ الحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِي!