انتقد الإعلامي الرائد وكبير المذيعين بالمملكة غالب كامل القنوات الفضائية واصفًًا إياها ب"البقالات" نظرًا كثرتها وجنوح أصحابها للكسب والربح المادي على حساب المعرفة والثقافة، مستثنيًا منها قلة تقدم إعلامًا متزنًا يتوافق وقواعد الإعلام السليم، كما أنحى "غالب" باللائمة أيضًا على مذيعي اليوم، مشيرًا إلى أنهم يستعجلون الشهرة دون امتلاك مقوماتها الأساسية، لافتًا إلى أن الترخص والتهاون في شروط القبول جعل كل من هب ودب يعتلي منصة الشاشة الرقيقة.. مبديًا أسفه لعدم استجابة إدارة الإذاعة والتلفزيون بجدة لمبادرته بالتعاون والاستفادة من خبرته.. "غالب" استعرض في حواره مع "الأربعاء" مسيرته الفنية، كاشفًا عن أبرز محطاتها، ومميطًا اللثام عن كثير من أسرارها.. فإلى مضابط الحوار.. رهان * مسيرتك الإعلامية مرت بمحطات عديدة.. فما أبرزها؟ المرحلة الأولى هي الأصعب؛ إذ وجدت نفسي بين مجموعة من عمالقة الإعلاميين من داخل المملكة ومن الأشقاء العرب، وكان ذلك في جدة قبل أن يتم افتتاح الإذاعة في الرياض، في غرة رمضان 1384ه، فإما أن تصقل مواهبك وإمكاناتك، أو تتلاشى قدراتك أمام هؤﻻء الرواد، وعليه فقد أيقنت أنه ﻻ بد أن أعزز في داخلي دوافع الطموح، لكي أكون كواحد من هؤﻻء الرواد، وﻻ يتأتى ذلك إﻻ بالحرص على اﻻستزادة من بحور الثقافة والمعرفة، والسهر الدائم لمراجعة ما تعلمته من فنون الإعلام. سهام * مما قدمت.. أي البرامج كان أحب إليك إذاعيًا وتلفزيونيًا؟ برامج كثيرة تلك التي أعددتها وقدمتها على مدى مسيرتي المتواضعة، برنامج "سلامات" في الإذاعة، لأنه تضمن لمسات إنسانية لفئة من أبناء المجتمع أجبرتهم ظروف المرض أن يلزموا الأسرّة البيضاء، فكان لمشاركة البرنامج إياهم ما يروح عن أنفسهم، وقد واصلت تقديمه لمدة (14) عامًا، أما في التلفزيون فكان لي برنامج اسمه "لمن الكأس"، عبارة عن لقاءات تمثل مباريات علمية بين طلبة المرحلة الثانوية في مختلف مناطق المملكة، وهي أهم المراحل الدراسية، ليتم تسليم الكأس في نهاية المطاف لكابتن فريق المدرسة الفائز بيد وزير المعارف، استمر البرنامج (4) سنوات، وللأسف قبل تحقيق الهدف النهائي، ولم يكن تبقى أمامنا إﻻ منطقة الجنوب التعليمية لتبدأ المرحلة النهائية للتصفيات، وحين كنت في مهمة خارج الوطن وخلال اجتماع للزملاء مع المسؤول الأول في التلفزيون الذي تم تعيينه في تلك الفترة، فأصابت سهام البعض البرنامج فتوقف عن اﻻستمرار. صفات * ما هي صفات المذيع الناجح ؟ نقاوة الصوت وسلامة اللغة وحسن الإلقاء؛ وهذا يتأتى مع الممارسة والتدريب. * وماذا عن حسن المظهر والثقافة واللباقة؟ نعم بالنسبة للتلفزيون ﻻبد أن يكون المذيع ذا مظهر مقبول، أما الثقافة واللباقة وسرعة البديهة فهي من أبرز دﻻﻻت المذيع الناجح. بقالات * هناك من يرى أن الإعلام أصبح صنعة من ﻻ صنعة له.. فما قولك؟ نعم أوافقهم بعد أن أصبحت القنوات الفضائية كالبقالات من حيث كثرتها، وقلة نفعها، وضحالة إنتاجها، ومستويات العاملين فيها، ولأن أهداف أصحابها، وهم في أغلبهم ﻻ يمتون للإعلام بصلة، هي أهداف للربح المادي، دون الإكتراث بمنفعة ثقافية أو معرفية فلا يتقدم للعمل فيها إﻻ من ﻻ عمل له، وفي المقابل هناك إعلام متزن يشرف المختصون على تسيير دفته بما يتوافق وقواعد الإعلام السليم، بما يحمله من أمانة ومسؤولية في مسار الكلمة النزيهة.. إعلامنا الرسمي منذ الأساس يتوافق مع ميثاق الشرف الإعلامي ويتمسك دائمًا بثوابت سياستنا الإعلامية الرائدة. دراجة * أصعب موقف مر عليك أثناء ظهورك المباشر؟ صعوبة الموقف تتمثل في وقت حدوثه، والمواقف الصعبة كثيرة؛ لعلي أتذكر بعضها والتي تتسم بالطرافة أيضًا، ومنها؛ كانت الإذاعة تتوقف عن الإرسال عند الثانية ليلاً، ليبدأ عند السادسة من صباح اليوم التالي، في أحد الأيام وعلى جدول المذيعين في جدة كنت مكلفًا بتنفيذ الفترة الصباحية، وينبغي الحضور قبل ذلك بوقت كافٍ ﻻ يقل عن نصف ساعة، انتظرت باص الإذاعة الذي يوصلني، ومضى أكثر من ربع ساعة على انتظاري ولم يصل، فكان عليَّ أن أستقل أي وسيلة، وكان أحد الإخوة الباكستانيين يوقف دراجته الهوائية أمام البناية التي أسكن فيها، فكرت في اﻻستعانة به؛ لكن ﻻ أعلم أين ذهب، والوقت يجري، فامتطيت الدراجة وانطلقت بها في نفس اللحظة التي ﻻحظ صاحبها ذلك من النافذة، فنزل مسرعًا يهرول وينادي، يا حرامي. وصلت مبنى الإذاعة، وانطلقت إلى الدور الرابع حيث استوديو البث على الهواء، ولم يكن يوجد مصعد في المبنى.. توقفت قليلاً أمام اﻻستوديو ﻻلتقاط الأنفاس، والساعة بيدي تشير إلى السادسة إﻻ ست دقائق، وإثر دخولي اﻻستوديو فوجئت بالزميل بدر كريم -رحمه الله-، وكان هو مدير التنفيذ؛ أي كبير المذيعين، حاولت تعليل ما حصل فقال ﻻ لزوم لذلك، لأني علمت أن السائق اتصل وأفاد بأن السيارة تعطلت، وقد ﻻ يتمكن من إحضارك، وعليه حضرت للقيام بمهمة اﻻفتتاح فهو في غاية الأهمية، تذكرت صاحب الدراجة فتبين أن الجندي في الحراسة أوقفه مع دراجته، وتم توضيح الأمر له، وانتهى كل شيء بسلام. استعجال * أي فرق تلحظه بين المذيع الحالي ونظيره في السابق؟ المذيع الحالي يهدف إلى الشهرة، ويستعجل الوصول إليها، دونما وضع لبنات قوية على أرضية الإعلام الصلبة، إﻻ بعض الذين اقتبسوا من الإعلاميين السابقين شيئًا من النهج الذي ساروا عليه، فقد كان عشق العمل والجدية والجهد المتواصل هي مقومات مذيع الفترة السابقة، ولم تكن المادة أو الشهرة هدفًا رئيسًا في تطلعاته لأنه يدرك أن تحقيقها يعتمد على حسن أدائه، وجودة عطائه، إﻻ إنني أرى في عدد من الزملاء الحاليين، بما يملكون من مزايا الصوت واللغة والإلقاء ما سيسفر عن بروزهم على الساحة الإعلامية إن شاء الله. ظلال * من ألقى بظلال التأثير عليك في مسيرتك الإعلامية؟ رئيس المجلس الأعلى للإعلام آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله-، الذي دفع في نفسي الطموح لأسير بخطى واثقة تمكنني من خدمة الوطن عبر معطيات ناجحة في الإعلام.. ومعالي وزير الإعلام حينذاك الأستاذ جميل الحجيلان، الذي كان يتابع نشاطنا وجهودنا ويدعمنا ويشجعنا لإنتاج برامج هادفة، وسعادة مدير عام الإذاعة والتلفزيون في ذلك الوقت الأستاذ عباس غزاوي بحسن تعامله واﻻستفادة من خبراته وتجاربه، إضافة إلى العمل بجانب قامات إعلامية سامقة من داخل المملكة وخارجها مما أكسبني زيادة في المعرفة في التعامل مع الشاشة والمايكرفون. تهاون * ماذا يزعجك في الساحة الإعلامية؟ التهاون بشروط القبول لمن يريد اﻻلتحاق بهذا العمل الحساس والمهم، فإنك ترى في بعض القنوات الفضائية؛ بل في معظمها كل من هب ودب يعتلي منصة الشاشة الرقيقة التي ﻻ تتحمل وﻻ تقبل إﻻ من يستطيع الصمود أمام بريقها ليفوز بقبول قرار الحكم العادل، أﻻ وهو الجمهور الكريم. مميزون * عاصرت عددًا من وزراء الإعلام.. فمن منهم كان الأقرب إلى نفسك؟ معالي الأستاذ جميل الحجيلان هو مهندس الإعلام السعودي الحقيقي، أعطاه من جهده ووقته وعشقه ما مكنه من طبع هذه الصفات على نفوس العاملين، فامتزجت رؤيته بطموحهم وحقق الجميع قفزات رائعة في العمل والإنتاج، ثم معالي الدكتور محمد عبده يماني، الذي كان امتدادًا للتطور الذي شهده التوسع في البث وإنجاز البناء الرائع لمبنى الإذاعة والتلفزيون، وتعامله مع الموظفين كأبناء وإخوة، ودعمه لهم أوجد بينهم اﻻرتياح والأمان للعمل بكل ثقة وإخلاص. غوص * كيف ترى المحصلة التي أضافها لك الإعلام؟ الإعلام دفعني للغوص في أعماق بحور العلوم والمعرفة، وأحلق في أجوائه وآفاقه، مع صداقة الحرف وصدقه وبراءته، واحتفظت وحافظت على مكونات شخصيتي الثابتة في مجال الإعلام مغلفة بإطار من التواضع والمحبة في الله للجميع. اختفاء * لأي سبب ترد اختفاء عدد من الإعلاميين الرواد عن الساحة؟ الإعلاميون الرواد يعملون وفق نظم أساسية تحقق نظرتهم إلى معطيات العمل الإعلامي الناجح، ولكل واحد منهم ظروفه الخاصة، وإذا افتقدوا لدعم الإدارة أو لاكتراث بمرئياتهم إضافة إلى ضعف مردودهم المادي قياسًا مع مستوى دخل إعلاميي القنوات الأخرى تراهم يكتفون أو يختفون. * من هم أبرز أصدقائك في المجال الإعلامي؟ أحبهم جميعًا وهم كذلك، وهذا فضل من الله. تجاهل * ما سبب اختفائك وعدم ظهورك بعد ترك الإعلام؟ ذكرت في إجابة سابقة أن لكل إنسان ظروفه الخاصة، في المرحلة الأولى بعد التقاعد وضعت نفسي تحت تصرف الإدارة في التلفزيون والإذاعة، في أي عمل أكلف به خدمة للوطن العزيز لم يقابل ذلك باللإيجاب، فتوقفت إﻻ من بعض اللقاءات المسجلة معي من قنوات فضائية أو إذاعية أو صحافية، وسأظل رهن إشارة الوطن دائمًا. اختطاف * هل السوشيال ميديا قللت من أهمية التلفاز؟ نعم وبشكل ملفت للنظر، يبدو أنها هي الوسيلة الإعلامية القادرة على اختطاف الأضواء والتربع على الساحة الإعلامية. وجهًا لوجه * ما هو البرنامج الذي ﻻ يغيب عن خاطرك؟ اكتنزت تلك الفترة بكثير من البرامج القوية التي حققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا من برامج التلفزيون، برنامج "وجهًا لوجه" لقاءات جادة مع كبار المسؤولين من وزراء ووكلاء، نناقش فيه أمورًا هامة، ونركز على تبيان الأخطاء، ﻻ مجاملة إطلاقًا في البرنامج، وقد حقق التفاتة القيادة الواعية لبعض الحلقات، وتم التوجيه بالمواصلة على نفس النهج، كذلك حظيت بإعداده وتقديمه في دولة البحرين الشقيقة، تلبية لرغبة معالي وزير الإعلام هناك، أما في الإذاعة؛ فعلى الرغم من تقديم عشرات البرامج يظل برنامج "سلامات" مع المرضى ذو الصبغة الإنسانية اللطيفة الأقرب إلى النفس، وبعد (14) عامًا من إعداده وتقديمه ولكثرة التزاماتي في التلفزيون وسفرياتي المتعددة فقد تسلمه زملاء آخرون، واصلوا على نفس نهجي، وفقهم الله. أسس * كيف ترى مستوى المادة الإعلامية المقدمة اﻵن.. وبم تنصح مذيعي اليوم؟ الأكثر منها سطحي وتجاري وﻻ قيمة له، وأنا أحتاج من ينصحني فكيف أنصح غيري؟! لكني أستسمح الجميع أن أذكّر زملائي الأعزاء أن مجالكم هام، فالإعلام الآن سلاح قوي، له تأثير كبير إذا أُحسن استعماله، ﻻبد أن نركز خطواتنا على مسيرة إعلامية هادفة من خلال، الاضطلاع المستمر لمجريات الأحداث، التزود بالعلم والثقافة بشكل متواصل، التروي وعدم التسرع، وبناء الشخصية المستقلة، هذه أهم الأسس التي ينبغي على المذيع أن يتمسك بها ليؤكد قدرته على العطاء المفيد. وفاء * كثير من المذيعين تتلمذوا على يدك.. فهل هناك تواصل معهم؟ الوفاء صفة متأصلة في أبناء الوطن الغالي، وهناك تواصل دائم من الزملاء الكرام الذين تخرجوا من كلية إعلام إذاعة الرياض، وتجدني سعيدًا حين أقطف ثمار الغرس الثمين، وأقول لهم: استمروا أيها الأحبة وضاعفوا الجهد في الحصول على العلم والمعرفة لتكونوا أقوياء في العطاء، وإن كنت بعيدًا عنكم؛ إﻻ إنني أصافحكم دائمًا بذهني وأفكاري، وأراقب نجاح خطوكم. الوظيفة الأهم * من بين المهام الإدارية والإعلامية الكثيرة التي أُسندت إليك.. أيها كان الأقرب لقلبك؟ المناصب الإدارية تعيق الفنان عن الإبداع، والمذيع المتمكن فنان بحد ذاته. مارست التجربة حين كلفت مرات عديدة القيام بمهام مدير عام التلفزيون، ولك أن تتصور كمية العمل التي أتحملها إذا ما أُضيفت إليها التزاماتي البرامجية في الإذاعة والتلفزيون فإن اأمر يصبح شاقًا، ويكون الإنجاز لجهة على حساب الأخرى، إﻻ إني أقف حائرًا أمام إصرار كبار المسؤولين وهم يحملوني كريم ثقتهم، فأضاعف الجهد لأضمن النجاح، الجيد في الأمر أن التكليف يكون لبضعة شهور وينتهي في وقت محدد، كبير المذيعين هي الوظيفة التي مارستها حتى نهاية عملي في وزارة الإعلام فهي مرتبطة بعملي مباشرة ومع الزملاء في أعمالهم وتوزيع التزاماتهم، وهي وظيفة إدارية وإعلامية في وقت واحد، في نظري إنها من أهم الوظائف الإعلامية وﻻ بد لمن يتوﻻها أن يكون قادرًا على القيام بواجباتها على أفضل وجه، ويعطى كامل الصلاحيات إن كان يستحقها. استشفاء * كلمة تطمئن بها جمهورك ومحبيك عن حالتك الصحية؟ رحلة علاج طويلة بدأت في الرياض وتفاقمت بسبب أحوال الطقس فيها من جفاف وغبار، فالإصابة في الرئتين والقصبة الهوائية وما يتبع ذلك من حساسية مزعجة، جاء رأي الأطباء بالانتقال إلى مدينة أخرى، وسعدت أن تكون طيبة الطيبة، والتي هي من أحب وأعز المدن لي ولكل مسلم، هي المقترحة، ونقلت إليها، ومكثت فيها عامًا كاملاً، عدت إلى الرياض فتكرر التعب والألم، فقال اﻻستشاري اختر بلدًا من بلدان الشام، الأردنسوريالبنانفلسطين فمناخها معتدل ويتناسب تقريبًا مع وضعك الصحي، وهكذا كان؛ حضرت إلى الأردن وحالتي مستقرة، ولله الحمد والشكر على فضله ونعمائه، بعض المعاناة بين الحين والآخر، أسأل الله أن يشملني، وكل مريض محتاج، بعفوه ولطفه، ويرفع عنا البأس والشدة، إنه سميع مجيب. عناية * ما الذي يقوله غالب كامل لجمهوره في المملكة؟ إني أعتز وأفخر بصدق مشاعرهم وكريم وفائهم، لقد غمروني بفيض محبتهم، وحظيت باهتمامهم وسؤالهم باستمرار عن صحتي ودعائهم لي دائمًا بالشفاء جزاهم الله خيرًا، أما هنا في عمان فإني أجد العناية والرعاية من الإخوة الأعزاء في سفارتنا، وعلى رأسهم صاحب السمو الأمير خالد بن فيصل بن تركي، سفير المملكة لدى الأردن الشقيق، أسال المولى القدير أن يديم على بلادنا الغالية نعمة الأمن والأمان، وأن يوفق قيادتنا الواعية للعمل بكل ما فيه إعلاء لكلمة الله ورفعة الوطن وخير الأمة، وأن يلهمنا جميعًا للعمل بما يحبه ويرضاه، تبارك وجل في علاه.