بعض البشر يسعون للشهرة والظهور بين الناس، منتهجين فلسفة «خالف تُعرف» ولو على حساب نفسهم ودينهم، مسببين الأذى لذاتهم وأهلهم ومن يتبعهم. عناد واعتراض مستمر، فلا يكاد يجتمع الناس على رأى لا يختلف عليه عاقلان حتى تأتي وتطرح خلاف السائد المعهود بآراء وتصرفات مغايرة، للفت الأنظار وليشار إليهم بالبنان. عقدة النقص وسلوك (خالف تُعرف) الذي نعانى منه في أعمالنا ومجالسنا وبيوتنا، وحتى في ميادين السياسة متجذر في نوعين من شخصيات الناس، فالأول يبحث عن معلومة أو سلوك نادر وغير شائع للآخرين، فيتبنى ويتشبث بآراء علمية أو دينية غير شائعة،؛ حتى يتهمه البعض بأنه يخالف فقط من أجل المخالفة، أما النمط الآخر فيخالف باستمرار السائد في المجتمع، ووسيلته مخالفة أنماط الآخرين في ملبسه ومفرداته وتصرفاته. ونستغرب حقيقة من أولئك الذين يتفوهون بالقول ويخالفون العهد، ومن ثم يأتون بالأعذار بظنهم أنها قد تُخفف حدة ما قالوه؛ لأن الصورة المشوشة تبقى مرسومة أو معلقة في نظر الغير، وأهدافهم التي رسموها من وراء قولهم لم تحقق لهم المبتغى ومن الصعب تغييرها وإن اعتذروا عنها. وعليه فلا يطلب المخالف المغفرة على قوله فهو من جلب لنفسه ذلك، وحماقة قوله يجب أن يتحمل نتاجها وإن كانت أعذاره منصفة، خاصةً إن أساءت تلك المخالفة التي أتى بها ضد الله ورسوله؛ فالمجتمع لن يسمح بأن يفلت الجاني من العقاب؛ لئلا يكون ذلك فرصة لأفراد هدفهم فقط تحقيق مقولة «خالف تُعرف»؛ لأنها أصبحت نبراسًا يقتدي بها البعض (من الجنسين)؛ ليحققوا الشهرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بغض النظر عن أن ما يفعلونه في تلك المقاطع بعيد عن العادات والتقاليد المغروسة في مجتمعهم الذي يعيشون فيه، دون تفكير أو تدبير عن آثارها لدى الناس، فهدفهم من تلك الهاشتاقات أو التغريدات والتي معظمها (تافهة وبعيدة عن الذوق العام)، زيادة شهرتهم بين متابعيهم. إن الكلمة لترفع من شان قائلها إلى مصاف الاحترام والتقدير، وقد تزل به إلى مهاوي الردى، ومن الأجدر بالإنسان أن يزن الأمور في حديثه وما ينطق به، ليس لأنه محاسب على ما يقول ولكن لأن تلك الكلمة مرد نتائجها إليه قبل غيره، ببغض واحتقار الناس له ولما قاله وسخريتهم منه، ففي الحديث (أَلَا أُخْبِرُكَ بِملَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ).