رغم الطفرة الكبرى التي حققها وجود شبكة الإنترنت، والتي تضعه في صدارة أكثر الاختراعات تأثيرا على الحياة، بعد الكهرباء، فإن هذا العنكبوت العملاق لم يخل يوما من سلبيات، تقف على أعتاب الكوارث، ولما لا والشبكة كانت سببا في ظهور العديد من الأنشطة المشبوهة والمجرمة قانونا. وخلال العقود المنصرمة، شهد العالم، انتشارا واسعا لعدد من الجرائم المنظمة، نظرا للتعزيز الذي حصلت عليه العصابات العاملة في هذه المجالات، من تقدم مذهل على صعيد الاتصالات، بفضل الإنترنت. وأدى الانتشار الكبير للآفات الاجتماعية، بسبب تلك الشبكة العنكبوتية العملاقة، إلى ظهور مصطلح جديد لها، هو «الإنترنت المظلم»، إشارة إلى العالم الخفي، الذي أنعشته الشبكة الدولية، من اتجار في البشر، والسلاح، والمخدرات، وكل أنواع الممنوعات، إلى أن وصل الأمر للإرهاب. الوجه الخفي للإنترنت حجم تجارة المخدرات سنويا 1.2 ملياردولار ألف دولار سعر القلب يقول طارق أبو هشيمة، المستشار بدار الإفتاء المصرية، عضو مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابعلدار الإفتاء المصرية، إن خطورة «الانترنت المظلم»، تعود إلى أنه يخفي هوية الشخص، مما يمنحه الفرصة لارتكاب جرائم مروعة بالاتفاق مع آخرين، أيا كان موقعهم في العالم، ودون الحاجة إلى اللقاءات المباشرة. وأوضح ل»المدينة» أنه عُثر على وثيقة لأحد مناصري تنظيم «داعش» بعنوان «بيتكوين وصدقة الجهاد»، حدد فيها الأحكام الشرعية لاستعمال تلك العملة الإلكترونية، عبر الانترنت بأساليب سرية مظلمة تدعم تمويل الأنشطة الجهادية. وأشار إلى أن المعلومات التي تتوافر للمرصد، تؤكد أن الجماعات التكفيرية والمتطرفة، وأهمها داعش تجمع الأموال وتجنيد الأفراد عبر مواقع الإنترنت المظلم. وأوضح أنه في عام 2014، تم العثور على حاسب آلي محمول تابع لأحد أعضاء تنظيم «داعش»، وهو تونسي يدعى أبو محمد، يحتوي على العديد من الخطب والأناشيد الجهادية، وآلاف الوثائق الجهادية التي نشرها صاحبها، ومعظمها على الانترنت المظلم. وأشار إلى أن استخدام «الانترنت المظلم» لدى الجماعات الإرهابية يتمثل في الإعداد للعمليات الإرهابية، وتوفير الموارد المالية اللازمة للتنظيم، والحصول على صفقات السلاح مع الجهات المشبوهة، بالإضافة إلى الوثائق السرية والحكومية، وهي كلها مواد متوافرة بكثرة على مواقع الإنترنت. أبو هشيمة: الإنترنت تحول إلى مرتع لتمويل الإرهابيين قال أبوبكر الديب الخبير الاقتصادي، ل»المدينة» إن الانترنت المظلم هو الوسيلة الأولى حاليا لتنظيم العمل في مجال الجرائم الاقتصادية، وبخاصة غسيل الاموال والتلاعب في أسعار صرف العملات. وأشار إلى أن هناك جرائم عادية لها آثار اقتصادية كالسرقة والاختلاس والتزوير والرشوة والابتزاز والنصب والاحتيال والغش والتدليس والتهرب الضريبي والسطو والمماطلة في سداد الديون وغيرها من صور الجرائم المالية وهناك العديد من انواع الجرائم الاقتصادية التي تختلف من مجتمع لآخر باختلاف نظمه الاقتصادية وتطوره الحضاري كالجرائم الالكترونية التي تتم في الانترنت المظلم. ولفت إلى الجرائم المتعلقة بالحاسوب والتي تتم في عالم الانترنت الخفي ومنها برمجة عمليات وهمية او تزوير معلوماتها، وكذلك الاختراق او التجسس للحصول على معلومات بهدف التخريب او تحقيق ارباح مالية، ومن الجرائم الاقتصادية أيضا غسيل الأموال وتهريب المخدرات واختراق قطاع الأعمال المشروع والإفلاس بالتدليس والغش والفساد ورشوة الموظفين العموميين والاتجار غير المشروع في الأسلحة والنساء والأطفال والأعضاء البشرية وسرقة المقتنيات الفنية والثقافية والغش في التأمين وجرائم غسيل الأموال. كشف تقرير نشرته شركة «ديجيتال شادو»، عن أن سوق «ألفا باي « يعد أكبر سوق لبيع المخدرات والوثائق المزيفة والأسلحة مشيرة إلى أنه يمكن الوصول إلى الموقع فقط على شبكة الإنترنت المظلم، وهي المنطقة المشفرة التي لا يمكن الوصول إليها بواسطة محركات البحث الرئيسية مثل Google أو Bing ، ويحتاج المستخدمون إلى تثبيت برنامج تصفح خاص من أجل تصفحها والتعامل معها. وﺫﻛﺮ التقرير أن 15.4 % ﻣﻦ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍلإنترنت ﺍﻟﻤﻈﻠﻢ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﺨﺪﺭﺍﺕ، كما أن أغلب تجارة المخدرات اليوم تتم عبر الإنترنت المظلم، وأشهر موقع كان يقوم بذلك هو Silk Road الذي قبضت الشرطة الأمريكية على القائمين عليه عام 2013 وقدرت أرباحهم آخر سنتين بمبلغ 1.2 مليار دولار. وقال الخبير الاستراتيجي، سليمان الجوهري، إن العالم الخفي للإنترنت يعد سوقاً مفتوحة لكل مجرمي العالم الذين واكبوا الحداثة والانترنت والتطور التقني، مشيراً إلى وجود قتلة بالأجر يرسل لهم من يرغب في تصفية أحدهم صورته وعنوانه ومقدم العملية وبعد تنفيذ العملية يرسل له القاتل صورة الضحية ومن ثم يتلقي بقية أجره. وأضاف أن الانترنت المظلم أيضاً يعد مجالاً لترويج الأعضاء البشرية فكل من يرغب في شراء عضو بشري ما يدخل عليه ويشتريه بغض النظر عن مصدره وهل تم قتل أحدهم لسرقة عضوه البشري أم لا، وكذلك الحال مع من يرغب في شراء أطفال مخطوفين صغار السن لمن لا يستطيع الانجاب. أما في مجال السرقات فأشار إلى انه حقل واسع وكبير بداية من استئجار الهاكرز لاختراق المواقع الحكومية والشخصية وسرقة المعلومات المخزنة عليها وابتزاز أصحابها أو سرقة الأموال بسرقة معلومات الحسابات البنكية. يرى الخبير في الأمن التقني، محمد مدكور، أن الانترنت المظلم بيئة خصبة لكل من يريد أن يمارس نشاطاً في الخفاء، ليس على مستوى الأعمال الإجرامية فقط، بل العشرات من الأنشطة والمجالات التي يمكن أن تمارس من خلاله بداية من الحكومات والأنظمة المخابراتية والعمليات التجسسية، ثم الحركات الشعبية والمدونين ومناهضي الأنظمة القمعية. ولفت إلى أن ما يراه البسطاء من مستخدمي متصفحات الانترنت العادية لا يزيد عن 15 بالمئة من حجم المحتوى الحقيقي على الإنترنت، موضحاً أن الإنترنت المظلم يعبر عن الشبكات والمواقع السرية غير القابلة للفهرسة على محركات البحث، إذ لا تجدها إن قمت بالبحث على محرك البحث جوجل ولا تستطيع الوصول إليها إلا بطرق خاصة.