يرى البعض أن القيادة مسؤولية يجب ألا تتاح سوى لذوي الخبرات والمهارات الخاصة، بينما يرى آخرون أن مواقع القيادة إذا حجبت عن الشباب لقلة خبرتهم فمن أين سيأتون بتلك الخبرات، مطالبين بتعليم الشباب عن طريق التجربة والخطأ، فيما يرفض غيرهم تلك النظرية، معللين ذلك بأن مجالات العمل المهمة لا تسمح بوجود أخطاء، وأن أصحاب العمل أو المستفيدين لا يحتملون ذلك. تباينت الآراء إذن حول إسناد الوظائف القيادية في القطاعات الخدمية التي تقدم خدماتها للمواطنين دون الحصول على تلك الخبرات اللازمة، التي تمكنهم من أداء أدوارهم بالشكل المطلوب لخدمة المواطنين، وسط مقاربات في الآراء تطالب بإتاحة مبدأ التدرج في تمكين الشباب من المناصب القيادية والإدارية وبالذات في القطاعات الخدمية المختلفة، باعتبار أن الخبرات أمر مهم في الارتقاء بالأداء دون تعريض مصالح الآخرين للخطأ، وبالتالي تقديم أفضل الخدمات عبر القطاعات المختلفة. «المدينة» ناقشت القضية مع عدة أطراف ومتخصصين، فأبدوا آراءهم عبر هذا الموضوع.. القيادة مسؤولية وليست رفاهية يقول الدكتور محمد بن احمد المقصودي أستاذ القانون بمعهد الإدارة العامة بالرياض: إن تولي مهام القيادة مسؤولية وليست رفاهية، فالزمن قد تغير كليا عن السابق، ففي الماضي كان البعض يبحث عن وظيفة المدير من أجل الراحة، ولتخفيف أعباء العمل لكن الوضع الآن مختلف كليا حيث يمثل إسناد مهام قيادية وسطى أو عليا لشخص ما عبئا كبيرا ومسؤولية ثقيلة، ولابد أن يعي الشخص ذلك جيدا، مع التركيز على القاعدة الإدارية التي تنص على ضرورة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب لتحقيق رؤية الوطن بأمانة وإخلاص. ويعد التدرج في العمل الوظيفي والبداية من أول السلم الوظيفي باب الاتجاه الصحيح في المهام القيادية، ففشل الكثير من المديرين سببه أنهم تولوا مناصبهم من دون سابق خبرة متدرجة وبتوصيات القرابة والنسب والمصالح، بينما النجاح حتما هو لمن دخل معترك العمل الوظيفي من أول الباب وليس من الشباك. ويعد انخراط الشباب المواطن في العمل والوظيفة بمستوياتها المختلفة ما يسهم في اكتساب الخبرات والمهارات والتفاعل مع متطلبات العمل ليصبح الشخص مؤهلاً للقيادة، يشار هنا إلى أهمية التدريب المستمر، وإيجاد الفرص الكفيلة للاحتكاك بتجارب الآخرين لاكتساب المهارات منهم، ويعد تشجيع الشباب من أهم الحوافز التي سوف تدفع بجيل جديد من القيادات الشابة في مناصب القيادة الوسطى والعليا، وإننا حاليا بحاجة لمبادرات للأخذ بيد جيل متحمس ويمتلك إمكانات وقدرات هائلة، فالمبادرات التشجيعية أحد أهم العوامل التي تستكشف الأجيال الجديدة لكن هذا يحتاج أيضا إلى متابعة هذه الأجيال للارتقاء بها بشكل دائم مع التركيز من قبل ولي الأمر وفقه الله على من يتم ترشيحهم ومدى مصداقية وأمانة من رشحهم وأن تراعي مكامن الفساد الإداري الذي يعد أشد خطرا من الفساد المالي من حيث صعوبة الكشف عنه ومن صورة ترشيح الشخص غير المناسب للمكان المناسب، وهنا تكمن الخطورة على مقدرات الوطن التي يحرص الجميع عليها في وطننا الكبير. الإدارة فن وثقافة وممارسة يرى الإعلامي صالح بن مطر الغامدي، أن القيادة فن وثقافة وممارسة، ومن يفقد إحدى هذه الصفات فإنه لا يمتلك مقومات القائد وكثير من القيادات تسنمت إدارات لا تستحق قيادتها، لأن هناك الأجدر والأفضل بين العاملين فيها، بل إن بعض من القياديين لن يستطيع القيام بعمله دون طلب المساعدة من الغير وقد يتخذ قرارات عكسية تؤثر على سير العمل، ويعمد إلى إعداد تشكيل جديد في إدارته دون معرفته بقدرة العاملين على القيام بأعمالهم من واقع الخبرة والممارسة، وقد ينطبق ذلك على إدارات المدارس التعليمية فقد يكون قائد المدرسة شخص تنقصه الخبرة وممن لم ينضج في العمل وإنما زُج به في القيادة بواسطة أو بضغوط خارجية مع أن هناك من هو أجدر منه من حيث خبرة العمل وسياسة التعامل مع كل الشرائح من معلمين وطلاب وغيرهم، وهناك كثير من المشاكل تقع في المدارس بسبب ضعف القيادة التي لا تحسن التعامل معها، بل إنها قد تتخذ قرارات لا تصب في صالح العمل بل إنها تزيد من توتير العلاقة بين العاملين، ومن ثم يصبح ذلك مؤثرا على سير العملية التعليمية، ومن هنا فإن اكتساب الخبرة شيء أساسي قبل إناطة العمل بأي قيادي، فلابد أن يتلقى الدورات المختلفة ويتم بعد ذلك تقييم الموظف بعد إخضاعه لاختبارات ولقاءات شخصية وميدانية فكثير من المتميزين يفشل عند مزاولة العمل ميدانيا وليس كل متفوق في تعليمه يكون ناجحا في عمله والعكس كذلك. وفي رأيي أن تطبيق التكليف لمدة عام فكرته صائبة إذا تم متابعة عمل القائد فإن كان جديراً بما أوكل إليه يتم تمديد تكليفه أو تثبيته عليه، أما إذا ثبت عدم كفاءته فإنه يتم إلغاء التكليف والبحث عن البديل، وأخيراً فإن أي قيادة هي أمانة في عنق من يعمل بها ولابد أن يسأله الله عنها. التكليف 4 سنوات هو الأنسب لأداء أفضل عضو مجلس منطقة الباحة سابقا علي بن صالح سعور قال إن الخبرة الجديدة لأي من كان هي أفضل للوصول إلى الغاية المنشودة لأي عمل من الأعمال، ومن خلال التجربة، أرى أن أربع سنوات أفضل لتطوير الذات والموظف الذي مارس عمله لابد أنه اكتسب ما يؤهله لفهم وتطوير العمل المسند إليه، لأنه مارس العمل في مدة كافيه، وكفيلة للوصول به إلى الأعلى من خلال الاطلاع على سير العمل وفهم أدق تفاصيله. ولابد أن يوظف الشاب أو الشابة من غير أولى الخبرات حتى يتسنى لهم الحصول على الخبرة من خلال الممارسة، فأصحاب الخبرات قد وصلوا إلى أعمال ومناصب لأنهم امتلكوا الخبرة والتجربة في العمل الذي أسند إليهم، ولابد من إتاحة الفرص لمن هو دونهم ليحصل على ما حصلوا عليه من خبرة، فبدون العمل لن تحصل الخبرة للخريجين الجدد من شبابنا وشاباتنا الذين يرغبون في خدمة وطنهم وكسب قوتهم وتطوير أنفسهم وذاتهم وأهم من ذلك أن يكون الفرد مخلصا في عمله وذا أخلاق عالية قادرة على مواجهة الصعاب والتغلب عليها. مزايا إدارة المسار الوظيفي ومن مزايا إدارة المسار الوظيفي: ادماج الموظفين في رسم مساراتهم الوظيفية الخاصة، وتوضيح مدى التقدم الذي يحرزه الموظف ومدى تماشي مساره الوظيفي مع تطلعاته على المدى الطويل، وتركيز إجراءات التطوير على أدوار وظيفية مستقبلية محددة وفقا للمسارات الوظيفية المحددة للموظف، وتعزيز حسن الالتزام والانتماء تجاه المؤسسة الحكومية وزيادة معدلات الاستبقاء، ووضع معايير واضحة لتقييم الموظفين وترقيتهم لشغل أدوارهم المستقبلية. ويتضمن المشروع مشروعا لتطوير القيادات لتسريع وتيرة العمل، والذي تهدف إلى تحقيق التطوير الأمثل للكوادر القيادية في المؤسسة الحكومية، حيث تلعب هذه الوظيفة دورًا مهمًا في تحسين أداء كل الموظفين المضطلعين بأدوار قيادية، وتسريع وتيرة عمل التطوير المهني لقادة المستقبل. ويتكون الإطار من 4 عناصر هي: تحديد فئة القادة - تحليل وتحديد الاحتياجات الفردية لتطوير القيادات - وضع خطط التطوير الفردية - وتقديم خطط التطوير الفردية ومتابعتها. وتم تحديد مزايا تطوير القيادات التي تشمل المساعدة في رفع مستوى الأداء العام للمؤسسة الحكومية، وتحسين مستوى الارتباط المهني للموظف والتزامه وانتاجيته، وتغيير ثقافة المؤسسة الحكومية من خلال تبني القيادة كمحور جديد للاهتمام، ورفع قدرة المؤسسة الحكومية وقابليتها للتكييف مع التغيير، مما يؤدي إلى تحسن الأداء، والمساعدة في إنجاح العمل المؤسسي وإحداث التغيرات المطلوبة التي تتسق مع نتائجها الإستراتيجية والإنمائية. الخدمة المدنية: تخطيط شامل للتعاقب الوظيفي في مختلف المهن وخاصة الحرجة وزارة الخدمة المدنية أكدت أن هناك عدة مشروعات تطويرية ضمن برنامج «الملك سلمان» لتطوير الموارد البشرية، بهدف الارتقاء بأداء موظفي القطاعات الحكومية في مختلف الجهات، ومنها إطار الجدارة الذي يشمل الجدارات الفردية المطلوب توافرها في الأفراد العاملين في الخدمة المدنية لضمان نجاح الجهة. وينقسم الإطار إلى 4 أمور هي: الكفاءات الأساسية، الكفاءات الفنية، الكفاءات المشتركة، والكفاءات القيادية. ويمكن لكل جهة حكومية التمييز بين الكفاءات بشكل إضافي وفقا لاحتياجاتها، ويسهم إطار الجدارة في توظيف الأفراد المناسبين من خلال عملية مفتوحة واقتصادية ومتناسقة وعادلة. كما يهدف لرفع مستوى الموظفين في الجهة الحكومية من خلال تقييم أداء الموظف وربط الخطة الإستراتيجية للجهة بالأهداف الفردية للموظف، مع ضمان أن يكون للموظفين فهم واضح للأداء المتوقع منهم في وظائفهم، وتوفير منهجية عملية للحوار الشفاف بين القيادة العليا والموظفين بالاستناد إلى الأهداف المشتركة، وزيادة فاعلية برامج التدريب المختلفة. وأضافت وزارة الخدمة المدنية أن مشروع الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية يتضمن مشروع إدارة المواهب والذي يهدف المشروع إلى إدارة الموظفين ذوي الإمكانيات العالية ضمن الجهة الحكومية، كون الإمكانيات العالية تعني أن الموظف أثبت قدرته على تولي دور أعلى من وظيفته الراهنة. ويتألف من التخطيط والتحديد، ويوضح هذا العنصر المناصب الأهم بالنسبة إلى الجهة الحكومية، بالإضافة إلى الجدارات المطلوبة لشغل المناصب المختلفة، والتحديد والتقييم ويقوم على تحديد وتقييم الموظفين المرشحين كإمكانيات عالية في الجهة الحكومية - التطوير والترقية، بحيث يتم تحديد خطط التطوير الفردي لكل موظف من ذوي الإمكانيات العالية مع مراعاة مراقبة تنفيذ كل خطة في مجموعة خطط التطوير الفردي، وإدماج الموظفين والاحتفاظ بهم وبحيث يشمل هذا العنصر الانشطة المتعلقة بإدماج الموظفين ذوي الإمكانيات العالية الذين يتم تحديدهم في الجهة الحكومية، ودعم استراتيجية موجهة وملائمة للمواهب، وخلق شفافيه فيما يتعلق بالمواهب داخل الجهة الحكومية، والتركيز على التطوير الشخصي والمسار المهني للموظفين ذوي الإمكانيات العالية، والتركيز على أدوار القيادة والأدوار الفنية على السواء، كما أن هناك مشروع إدارة المسار الوظيفي لتحقيق التطلعات والذي يتضمن عملية تصف تسلسل المناصب الوظيفية والخطوات المهنية التي يجب أن يسلكها الموظف في المؤسسة الحكومية بما يتماشى مع التقدم الذي يحرزه في وظيفته من خلال المسار الوظيفي العادي، المسار الوظيفي الإداري، والمسار الوظيفي التخصصي. التدرج الوظيفي الاتجاه الصحيح نحو القيادة يرى الخبير المعروف اللواء طلال ملائكة أن التعاقب الوظيفي في المناصب القيادية أمر مهم، ولذلك لابد أن يقوم الوزراء ورؤساء المصالح الحكومية بحث مديري الفروع بالتركيزعلى الشباب الذين من الممكن أن يسهموا في تولي القيادة باعتبار أن القيادة تحتاج إلى صفات ومهارات مختلفة قد لا تتوفر لدى الكل، ولذلك لابد أن يقوم المسؤول في المنطقة بالكشف عن المواهب التي من الممكن أن تتولى مناصب إدارية مع أهمية التدرج في توليتهم المناصب، وأرى أن يكون التكليف للمنصب الإداري لمدة أربع سنوات من أجل إعطاء الفرصة للقيادي بالعمل بالشكل المطلوب، وأن يكون هناك متابعة للأداء طيلة الفترة وبالإمكان استبعاده من منصبة في حالة إخلاله بالعمل والمهام المناطة به. العمل والتدريب المتواصل يحققان الخبرة يقول رشيد بن مساعد المالكي: إنه يجب أن يتوفر في القائد الخبرة الكافية من سنوات العمل وقد مارس أكثر المهام في مجال إدارته الفنيه والإدارية والخبرة أهم من الشهادة العلمية وإذا اجتمعت فخير وبركة.. وأرى دمج روح الشباب مع المؤهل والخبرات اللازمة، كما يجب صقل الشباب بالدورات القيادية للاستفادة منهم مستقبلا وزرع الثقة فيهم بجميع الوسائل التعليمية وحب المنشأة التي يعمل بها لكي يبدع وينجز، والعمل على تمكين الشباب بعد تدرجهم واكتسابهم الخبرات اللازمة والمرور بالمناصب الصغيرة مرورا إلى الكبيرة. ويرى عبدالله الزهراني أن يتم التركيز على مخرجات الجامعات من خلال إيجاد ضوابط مشددة تسهم في تخريج كوادر على مستوى عالي من المهنية في المجال القيادي..البرامج الإدارية الحالية قد لا تساعد في الارتقاء بالاداء وبالتالي فإن تدني مستويات بعض البرامج الجامعية من شأنه أن يؤدي إلى التأثير على الإدارات الخدمية في حالة اسنادها إلى اصحاب هذه المؤهلات.. لافتا أن التدرج في المناصب الإدارية مهم جدا مثل رئيس قسم صغير، ثم قسم كبير، ثم إدارة صغيرة.. وهكذا على أن يكون لكل تسلسل من هذا التدرج سنوات خبرة مطلوبة، كما أرى أن يكون تكليف مدير أي إدارة بعد اكتساب الخبرات اللازمة ألا تقل عن 4 سنوات مثل الوزراء من أجل إعطائهم الفرصة للعمل والتطوير والتخطيط، وفي حالة الإخفاق قبل تلك الفترة يتم الإعفاء من المنصب. مشروع تخطيط التعاقب الوظيفي * تنفيذ الخطط اللازمة لتلبية الاحتياجات المستمرة للقادة والمتخصصين في جميع انحاء المؤسسة الحكومة. * هذا الإجراء يضمن استمرار العمل دون تعطل إذا أصبحت الوظائف الحرجة شاغرة. * يحمي المشروع الجهة الحكومية من أي تقصير يحدث عندما تصبح أي وظيفة أساسية شاغرة فجأة، وذلك من خلال توفير عدد كافٍ من المرشحين الداخليين او الخارجيين المؤهلين بصورة مستمرة. * يرشح القادة قائمة من المرشحين المؤهلين للتعاقب الوظيفي لكل وظيفة حرجة. مزايا التعاقب الوظيفي * استبقاء المواهب الواعدة وضمان تنميتها والحفاظ عليها لشغل المناصب المهمة التي تناسبها في المستقبل. * الحفاظ على رأس المال الفكري والمعرفي الخاص بالجهة وتنميته. * تحديد الوظائف الحرجة في الجهة الحكومية والاستثمار فيها. * تحديد متطلبات التعاقب الوظيفي من خلال المهارات المطلوبة لشغل المناصب القيادية. * حماية الجهة من القصور في الأداء عندما يترك أحد القادة الذين يشغلون وظائف حرجة منصبة فجأة.