لن أَمِلّ ولن أَكِلّ من المطالبة بدعم عربي شامل لصومال قوي وموحد.. أقولها ليس من باب الاستعطاف لإنقاذ شعب مسلم ودولة عربية مسلمة؛ وإنما للحفاظ على الأمن القومي العربي.. إن كُنَّا حقيقةً نهتم به. قبل أيام، مضى قطار إثيوبيا الذي يقوده السائق الماهر أبوأحمد صوب مقديشيو بعد محطته الشهيرة في إريتريا ومحطته الأشهر مع القاهرة. في محطة أسمرة، أعلن أبوأحمد أنه موافق على اتفاقية الجزائر التي تعطي إريتريا منطقة طال التنازع عليها.. وفي محطة القاهرة ردَّد الرجل القسم وراء رئيس مصر متعهدًا بعدم المساس بحصتها في النيل. أعلم أن التوقيع على اتفاقية الجزائر مع إريتريا قد لا يعني الكثير للإريتريين، وكذلك القسم على حصة مصر في النيل بالنسبة للمصريين.. فلا التوقيع ولا القسم يُغيِّران من سياسة إثيوبيا أو من خطتها أو من نظرتها للقرن الإقريقي وللجوار العربي شيئًا.. فلكل دولة سياستها التي سيسألها الشعب عنها.. هذا في الدول الماضية بقطارها على سكة الديمقراطية. ومالنا ومال السائق المنطلق.. هو حر في سياسته وفي محطات توقّفه.. المهم ألا نقوم بدور «المحولجي»، الذي يكتفي فقط بتسليم أو إعطاء إشارة المرور للقطار الإثيوبي. لقد مضى القطار من محطة مصر، حيث القسم والتعهدات وتبادل الابتسامات إلى مقديشيو حيث التوقيع على استثمارات مشتركة بين الصومال وإثيوبيا في أربعة موانئ على البحر الأحمر. وتستهدف الخطوة ضمن ما تستهدف جذب الاستثمار الأجنبي والاستفادة القصوى من الموانئ المطلة على واحد من الممرات المائية الإستراتيجية في العالم. كما تعهد أبوأحمد والرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو بالتعاون في كل شيء، بدءًا من تطوير البنية التحتية بما في ذلك الطرق التي تربط بين البلدين، إلى توسيع نطاق خدمات التأشيرات لتعزيز التبادل الثقافي. ورغم إعجابي الشديد بالسائق الإثيوبي الجديد، وحُبِّي الأشد للصومال وشعبه، تتملَّكني الغيرة العربية المشروعة، خاصة في جانبها المصري، مما أراه واستشعره في الصومال أو للصومال. كنت أنهي المقال وأنا أقرأ في نتائج المنتدى الشهري الذي نظَّمته مؤسسة ركائز المعرفة للدراسات والبحوث، بالتعاون مع جمعية رواد الوعي بجامعة إفريقيا العالمية، والذي جاء بعنوان: (الأوضاع السياسية والأمنية في الصومال وانعكاساتها على منطقة القرن الإفريقي والجوار العربي).. والحق أنني توقفتُ أمام ما طرحه الدكتور عبدالفتاح نور أحمد (اشكر) وزير الدولة بالإعلام والثقافة بولاية بونت لاند، من أن العلاقات الثقافية بمفهومها الشامل بين الصومال والدول العربية أمتن كثيرًا من السياسية. وجاء في حديث الوزير الصومالي أن وقوع الصومال في منطقة القرن الإفريقي جعل لديها الكثير من المميزات؛ فضلًا عن أن الصومال تعتبر من أوائل الدول التي وصل إليها الإسلام؛ كما أن موقعها الجيواستراتيجي جعل منها بوابة إفريقيا. أعود فأقول: إن ابتعاد الصومال عن محوره العربي الأصيل أو ابتعاد العرب عن عمقهم الإستراتيحي الإفريقي في الصومال يُجسِّد خطورة كبرى. سمعتها من الرئيس سياد بري في أواخر أيام حكمه، ونقلتها على الملأ. وسمعتها من عمر عرتة وعبدالولي غاس ونقلتها كذلك لمن يهمهم الأمر.. وها أنا أنقلها للمرة الثالثة لوجه الله والأمة العربية: ادعموا صومالًا قويًا وموحدًا، ينفعكم في الدنيا والآخرة! ليس تسولًا للصومال؛ وإنما لأمن مصر والعرب؛ واسألوا أبا أحمد إن مرَّ عليكم قطار إثيوبيا المنطلق بسرعة. سينهض الصومال وسيتعافى، وستتذكَّر أجياله مَن وقف معه ومَن وقف في طريقه، ومن اكتفى بدور «المحولجي» للقطارات المتجهة إليه.