في داخل كل منّا أمانٍ وأحلام تستهلك العمر -ركضاً- من أجل تحقيقها، ومع السعي والركض والفشل والنجاح يظل جميعنا ينتظر ليلة القدر «الليلة الموعودة» ويتمنى لو يصادف ساعاتها، لا فرق في الانتظارِ بين غنيّ ينام على فراش الرفاهية أو غيره ممن اتخّذ من الرصيف الخشن وسادة، «المدينة» تفتش عن الأمنية وتسأل عن الحلم الحبيس الذي يصحو في رمضان ويستيقظ في أواخر أيامه الحلم الذي ينتقل من القلب للسماء ويحلم صاحبه لو يصادف لحظة الإجابة. اليأس والعجز والإحباط والخوف رباعية قرأناها في ملامح العم حمد بن أحمد عقيلي -66 عامًا- على أحد أرصفة جدة، اقتربنا منه لنسأله عن أمنيته فى ليلة القدر فما كان منه إلا أن انفجر باكيًا وكأننا لامسنا بسؤالنا موضع السرّ الدفين الذي لم يبح به من قبل، لم يعرف عقيلي من أين يبدأ.. هل يبدأ بالعجز وحُكم السنين أم بالفقر الذى جعله نزيلاً دائماً لرصيف العراء أم بقلة الحيلة التى جعلته يطرق بوابة الأحوال المدنية لسبعة أشهر -وفقاً لحديثه- بغية استخراج بطاقة أحوال بدل فاقد، لكنها لم تصدر حتى اليوم لضياع رقم المعاملة، أم بالمرض الذى نقله لمرتبة الضيف الدائم بالمستشفيات ليعالج من السكري تارة والقلب تارة والأكزيما المزمنة باليدين التي حرمته من السبابة وحالت بينه وبين «بصمة اليد». ومع الأمانى المعطلة فى حياة عقيلي فوجئنا بإعلانه عن أغلى أمانيه والتي تتمثل فى هديّة «لابنته رزان» التي هاتفته تبشره بتخرجها في «المتوسطة» بتفوق وتطلب منه هدية تشجيعًا لها. هدية رزان ابتلعت الأماني السابقات بل سبقت -بلا مبالغة- حُلم العافية.. هذه هي مشاعر الأب البعيد الذي يتمنى لو يحمل الدنيا على راحتيه لحبيبته الصغيرة وفلذة كبده، بكا عقيلي من أجل هديّة ليس لأنه عاجز عن الحركة بل لأنه عاجز عن توفير الهدية لها. كلمات العم عقيلي هزّت مشاعرنا والأمنيات التى سجّلناها على لسانه كانت من الكثرة بمكان ولكنه «الأمل» الذي لا يموت جعله يحلم لو يصادف دعاؤه ليلة القدر، يتمنى لو يحقق الله أمنيته وأن يقيّض له الأسباب التي تعينه على تحقيق الأمنيات الثلاث.. سكن بديلا من الرصيف ودواء ينهى عذابات الليل وهديّة لرزان التي تحلم بوقفة أب لا يستطيع لعجزه الوقوف.