لا زلنا نستمتع بفصل الربيع الذي يضفي دومًا البهجة والجمال والطرب بأشعاره المغناة، وكلماته التي انحفرت في وجدان الملايين من عشّاق الفن الخالد. ويُعد الموسيقار الراحل فريد الأطرش أفضل من غنّى للربيع، ومن شاهد فيلم «عفريتة هانم» وغناء فريد لأغنيته الشهيرة (الربيع)، يشعر أن هذه الأغنية أيقونة الربيع واحتفالاته. عقود عديدة مضت على رحيل هذا الموسيقار المبدع، إلا أن الفن والطرب الأصيل لا يموت. لا زالت أغانيه مثل: أول همسة، وحكاية غرامي، وهلت ليالي، وحبايبي يا غاليين... وغيرها تعيش على ذكراها أجيال متعاقبة. من ينسى الراحلة سعاد حسني وهي تغني (الدنيا ربيع والجو بديع)، ومن ينسى العندليب الراحل عبدالحليم حافظ في ليلة عيد الربيع (زي الهوا، وموعود، وحاول تفتكرني، ونتبدي منين الحكاية، وقارئة الفنجان)، وأغنيته الشهيرة: (رسالة من تحت الماء)، وكلماتها العذبة لنزار قباني وألحان محمد الموجي؟. قبل وفاته بثلاثة أعوام وعلى مسرح جامعة القاهرة غنَّى ثلاث أغنيات جديدة دفعة واحدة. أما كوكب الشرق أم كلثوم سيدة الغناء العربي فقد كان عامها كله ربيعاً، فهي تغني يوم الخميس من مطلع كل شهر، وتغني أغنية جديدة، وأغانيها الأخرى أو مختارات من الأغاني السابقة مُلبية طلب جمهورها الذي لا يُرَد، ويسهرون جميعاً حتى الفجر من أجل أجمل النغمات التي تجمع بين الأداء الراقي واللحن الجميل والكلمات المتميزة شعراً أو نثراً. في حوار نُشِرَ في مجلة آخر ساعة عام 1967م بين الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل والسيدة أم كلثوم، أكّد الأستاذ هيكل أن أم كلثوم الفنانة، هي شخصية سياسية في المقام الأول، وأن هذه المكانة المتميزة تبوَّأتها أم كلثوم بكل جدارة، فهي تقول: في رأيي أن الفن والسياسة توأمان، وعندما أرسلت مصر آثار توت عنخ آمون إلى باريس، كان ده عمل سياسي وعمل فني أيضاً، بمعنى أن الفرنسيين رأوا حضارتنا، وتبادلنا معهم الثقافة في نفس الوقت.. وهذه هي السياسة، والأستاذ هيكل أورد إجابة أم كلثوم وهي تقول: (ليس لي دور سياسي، لكن يمكن دور مواطنة مصرية بتحب بلدها وبتعبّر من خلال فنها عن وطنها). وللقراء الكرام.. أحسب أننا استوعبنا رسالة الفن والدور الذي يلعبه للتقارب بين الشعوب بمختلف الديانات، وللرياضة دور لا يختلف كثيراً عن الفنون والثقافة.