إذا كان اتفق مع ليلى مراد فلم يغنيا لفريد الأطرش فإنه اتفق معها في شبه الاستقلال في غناء الأفلام حيث لم تغن ليلى مراد في أفلامها سوى مع اسمين محمد عبدالوهاب (تبادلا الغناء في أفلام بعضهما) ومحمد فوزي بينما عبدالحليم حافظ اكتفى بالغناء مرة واحدة مع صباح وثلاث مرات مع شادية. لماذا لم تشاركه الأفلام فائزة أحمد مثلاً، أو نجاة الصغيرة؟ كما يمكن أن نسأل لماذا لم تشارك ليلى مراد المغني والملحن فريد الأطرش، أو حليم الرومي؟. لا ندري. حاول حافظ مراراً وتكراراً أن يضع له عاصي الرحباني عملاً مشابهاً لأغنية "حبيتك بالصيف" ولكن عبدالوهاب حقق الأمنية بطريقة مرضية توفيقية لكنها فاشلة حين لحن لفيروز "اسهر بعد اسهر" لنص من عاصي الرحباني وضعا ضمن التبادل التجاري مع شركة صوت الفن فكتبا لعبدالوهاب نشيد "حي على الفلاح"، وكتبا أغنيتين واحدة لحنها عبدالوهاب لحافظ "ضي القناديل"، والأخرى كتباها ولحناها لنجاة الصغيرة "دوارين في الشوارع". طرد حافظ من القلعة الرحبانية ولكنه لم يخسر شيئاً إلا عندما اقترب منها حين أصر مرة أخرى أن يضعا الأخوين رحباني عملاً مثل "زهرة المدائن" (1967) فعوضاه الأبنودي وحمدي بعمل لا يذكره أحد "المسيح". "يا كلمتي لفي ولفي الدنيا طولها وعرضها / وفتحي عيون البشر للي حصل على أرضها / على أرضها طبع المسيح قدمه / على أرضها نزف المسيح ألمه". تحمس صلاح جاهين وكمال الطويل وعبدالرحمن الأبنودي وبليغ حمدي فوضعا معظم الأغاني الوطنية والسياسية التي وثّقت الأحداث السياسية آنذاك "العهد الجديد" تحية لثورة العسكر 1952، "احنا الشعب" لاختيار شعبي جمال عبدالناصر رئيساً 1956، "حكاية شعب" بمناسبة بناء السد العالي 1960، "عدى النهار، المسيح، "أحلف بسماها" على أعقاب هزيمة 1967، "عاش اللي قال" بمناسبة انتصار 1973، و"المركبة عدت" بمناسبة إعادة فتح قناة السويس 1975. ولا يمكن نسيان الصورة الغنائية البديعة في عمل مثل "عدى النهار": عدى النهار والغربية جاية تتخفى ورا ظهر الشجر / وعشان نتوه في السكة شالت من ليالينا القمر / وبلدنا عالترعة بتغسل شعرها / جا لنا النهار ما قدرش يدفع مهرها / يا هل ترى الليل حزين / أبو النجوم الذبلانين / أبو الغناوي المجروحين / يقدر ينسيها الصباح أبو شمس بترش الحنين".. وإذا كان تنافس كل الملحنين عبدالوهاب والطويل والموجي وحمدي، إضافة إلى رياض السنباطي ومحمود الشريف وحسين جنيد ومنير مراد في وضع ألحان أفلامه الستة عشر بين عامي (1955-1969) متنوعة في سلالمها وإيقاعاتها وألوانها الشاعرية والشعبية والطربية، فإنه سوف يتنافس ثلاثة في وضع ألحانه الطويلة التي غناها على المسرح، ففي حين تخصص حمدي في وضع أغنيات عبارة عن ورش عمل لاختبار موتيفات شعبية ريفية "حاول تفتكرني" وصعيدية "زي الهوا" (1970)، أو منقولة مع تعديل الجملة الصعيدية "أنا كل ما أقول" (1966)، وجمل غنائية موروثة من الموشحات الحلبية "مداح القمر" (1972) في بدلة عصرية زاهية الألوان ومنقطة في أحيان، وهي ألحان لم يقصرها حمدي عليه بل منحها أم كلثوم ووردة ومحرم فؤاد وميادة الحناوي في تفاوت كبير. عمل كل من عبدالوهاب والموجي من ذات الزاوية مع اختلاف في النص. اختار عبدالوهاب المشهدية في نصين لحسين السيد "فاتت جنبنا" (1974) ومحمد حمزة "نبتدي منين الحكاية" (1975) بينما ارتكز الموجي على التراجيديا في نصين لنزار قباني "رسالة من تحت الماء" (1973)، "قارئة الفنجان" (1976). برغم أن أغانيه في بداياته خرجت بقوة الأمل والحماس في محضن فرقة الأنغام الذهبية "هل الربيع، بدلتي الزرقاء" غير أنها وقعت في عبء الحرمان الجنسي الدائم (وهو سليل صاحبي النموذج الأكبر أم كلثوم وفريد الأطرش) في أغنيات الأربعينيات والخمسينيات "نعم يا حبيبي نعم، حبك نار" فإنها من خلال الستينيات والسبعينيات تحول فيها دور الضحية إلى صورة مجازية في نصوص ملتبسة الضمير دائماً "بلاش عتاب، أي دمعة حزن لا". تريد أن تحكي عن حب ممنوع أو مفقود حيث لم تكن المرأة في حياة عبدالحليم حافظ سوى طيف (مصطنع وموهوم) لم يكن يسعى إلى القبض عليه ولا الوصول إليه فالمرأة "ليس لها عنوان". نزف العندليب ليس من المرض بل من مرض عربي لا ينتهي أفقده عناوينه النفسية والاجتماعية والثقافية. عبدالحليم حافظ يأتي في أية لحظة، ويسكن الذاكرة فلا يحتاج إلى عناوين.