لم تقف قصص السجناء عند الإغواءات التي قدمها رفقاء السوء، أو أنفاس الحشيش التي أذهبت العقل وجرّت صاحبها -حبيسًا- خلف بوابة موصدة، بل تبقى خلف كل زنزانة قصة مغايرة عن سابقتها، وحكاية تنقل سامعها لسقف الدهشة والحزن وربما النفور. ومع ما نشرته «المدينة» في أولى الحلقات تستكمل اليوم الحكايات، وتسأل الاجتماعيين عن أسبابها وملامح الطريق الموصل إلى هذه البوابة المعتمة في ليلها ونهارها. برامج ثقافية وتدشين صالة متعددة الأنشطة للنزلاء النقيب محمد آل سلطان مدير شعبة التوجيه الفكري والدعم المعنوي بإصلاحية جدة، قال: إن البرامج الثقافية تهدف إلى توجيه النزلاء لإحداث الأثر الإيجابي والفاعل على سلوكهم وتصرفاتهم داخل الإصلاحية، فمن وسائل الثقافة العامة، التي توفر لجميع النزلاء بصورة شبه دائمة ووسائل الإعلام المسموعة والمشاهدة والمقروءة، وكذلك البرامج الهادفة، سواء عن طريق المحاضرات أو الندوات أو عن طريق الوعظ والإرشاد المباشر وعبر الإذاعة الداخلية وشبكة التلفزيون الداخلية، والاطلاع على الكتب داخل المكتبة العامة. وأشار النقيب آل سلطان إلى أن إدارة الإصلاحية قامت أخيرًا بتدشين صالة متعددة الأنشطة للنزلاء، يتم فيها استعراض النقاشات والحوارات الثقافية، إضافة إلى وجود مكتبة مصغرة تحتوي على كتب متنوعة؛ وذلك بغرض إعادة النزيل إلى المسار الصحيح بما يتوافق مع خطط وبرامج تأهيل وتدريب وإصلاح النزيل، خلال فترة قضاء محكوميته، مشيرًا إلى أن المكتبة قد جُهِّزَت بأكثر من (12) ألف كتاب، يتم عبرها شغل أوقات فراغ النزلاء بما يعود عليهم بالنفع والفائدة. محمد اليامي فني التغذية بإصلاحية جدة قال: إنه يتم صرف أكثر من (13) ألف وجبة للنزلاء يوميًّا ما بين الإفطار والغداء والعشاء؛ حيث يتم بدء العمل من قبل اللجنة المشرفة على إعداد الوجبات المكونة من اختصاصيين للتغذية تابعين لإدارة الإصلاحية، وفق معايير واشتراطات صحية نموذجية؛ حيث تشتمل الوجبات على برنامج غذائي متنوع، يتضمن جميع أنواع الأغذية، مشيرًا إلى أن النزلاء ذوي الأمراض المزمنة والحجر الصحي، يتم إعداد وجباتهم على حدة من قبل مشرفي وفنيي التغذية، ويتم تقديمها لهم وفق البرنامج المُعد مسبقًا من قبل الطبيب المختص. السلمي: 16 وحدة فندقية بتجهيزات حديثة من أجهزة إلكترونية من جانبها أوضحت عواطف السلمي، الباحثة الاجتماعية ومديرة برنامج اليوم العائلي بإصلاحية جدة أن مبنى الزيارة العائلية تتم إدارته بكوادر نسائية كاملة مدربة ومؤهلة، وهو يختص باستقبال عائلات النزلاء، وتسهيل زياراتهم لذويهم، ويتضمن المبنى (16) وحدة فندقية تحتوي على تجهيزات حديثة من أجهزة إلكترونية، وأثاث ومطبخ، مشيرة إلى أنه يتم تقديم وجبة الإفطار لعائلات النزلاء، ويمكن للنزيل رؤية عائلته كل (15) يومًا مرة واحدة، باستثناء من لديه أكثر من زوجة واحدة.. وأشارت السلمي إلى أن جميع طلبات الزيارة العائلية تخضع لتدقيق الوثائق الثبوتية والهويات، ويتم استقبال عائلات النزلاء ابتداءً من يوم الأحد حتى الأربعاء، ولمدة (4) أيام في الأسبوع، مبينةً أن النزلاء وعائلاتهم يحظون بكل الاهتمام والرعاية من قبل العاملات في برنامج اليوم العائلي، بدعم وإشراف ومتابعة مستمرة من قبل مدير السجون بمنطقة مكةالمكرمة اللواء سلطان بن فهاد العتيبي، ومدير إصلاحية جدة المقدم فايز الأحمري. النزيل (ج.ت) 47 سنة متزوج وأب لأربعة أولاد، والقضية التي تسببت في زجه في السجن سذاجته وعدم مبالاته؛ حيث إن أحد الأشخاص قام بإيهامه أنه تاجر من إحدى الدول الآسيوية، ويعمل في تجارة الجلود وصناعة الأحذية، وقام بفتح سجل تجاري باسمه بناء على طلبه لعمل شركة استيراد وتصدير، وهذا ما تم بالفعل؛ حيث استدرجه عبر إبرام صفقات صحيحة في بادئ الأمر، ومن ثم بدأ في تنفيذ خطته عبر استلام مبالغ مالية، والطلب مني بتحويلها إلى حسابات خارجية؛ بحجة أنها دفعات للتجار من أجل تجهيز وإرسال شحنة البضائع، وبحسن نية كان يقوم بتحويل المبالغ، ولم يدر إلى خلده أن تلك حسابات تابعة لشركات وأشخاص مشبوهة، بعضها متهمة في قضايا غسيل أموال خارجية؛ حيث تمت متابعة حركة الحساب البنكي، وجرى استدعاؤه لمعرفة مصادر تلك الأموال، وأصحاب من يتم التحويل لهم، إلا أنه عجز في إثبات مصادرها؛ كونه كان يتسلمها من الوافد الذي أغراه بإنشاء الشركة، وبعد البحث والتحري فوجئ بمغادرته المملكة؛ حيث إنه لم يكن على كفالته، وجرى تحويله إلى النيابة العامة، ومن ثم إلى المحكمة التي حكمت بدورها عليه بالسجن مدة خمس سنوات؛ نتيجة ثبوت تحويله مبالغ مالية إلى جهات مشبوهة، ومخالفته الأنظمة والتعليمات. غسيل أموال يقول: النزيل (م،غ) شاب يبلغ من العمر 26 سنة، وتعرف على مجموعة شباب مواطنين ومقيمين في حدود عمره عن طريق أحد الأصدقاء، وبدأ بالمداومة على استراحتهم، التي قاموا باستئجارها لتصريف المسروقات؛ حيث لم يكن يعلم في بداية الأمر، وتم إغراؤه بالمال، خاصة أنه عاطل لم يجد وظيفة على حد وصفه، وانضم إلى شبكتهم المتخصصة في سرقات المحلات والمعارض التجارية، مشيرًا إلى أنه من حسن حظه أنه لم يشارك معهم إلا في سرقتين، بعدها تم القبض على المجموعة؛ حيث تبين بعد التحقيقات أنهم قاموا بعشرات عمليات السرقة، ولم تثبت عليه سوى سرقتين؛ كونه عضوًا جديدًا معهم في المجموعة، وقاموا بالاعتراف أمام القاضي بهذا الأمر؛ ما أسهم في تخفيف العقوبة؛ حيث حكم عليه القاضي بمدد تبدأ من خمس سنوات فأعلى، وحكم عليَّ مدة ثلاث سنوات كأقل المجموعة، ونظرًا لخلو سجلي من أي قضايا أو سوابق. وأضاف أنه شعر بالندم منذ أول يوم يقضيه داخل توقيف مركز الشرطة، لكن ذلك لم يحدث إلا متأخرًا بعد أن تلطخت يده بجرائم السرقة، وكانت السبب في زجه خلف القضبان الحديدية، مشيرًا إلى أنه يعمل على تهيئة نفسه من خلال مشاركته في البرامج التأهيلية والإصلاحية داخل السجن. الطرب والأنس النزيل (ف.ج) 37 سنة ضحية رفقاء السوء، الذين تعرف عليهم عن طريق المصادفة بإحدى الجلسات الشبابية، وقام بمصاحبتهم وملازمتهم في جلسات الطرب والأنس، وخطت قدماه خلف تعاطي المخدرات مثل الحشيش والكبتاجون والانفتامين في بداية الأمر، ومن ثم تطور الموضوع إلى تعاطي المسكرات؛ ما أهله ليكون ألعوبة في أيديهم، وقاموا بمساومته من أجل تمويله والبيع لصالحهم؛ إذ لم يتدارك خطورة الأمر، وقام بمسايرتهم والقبول بعرضهم، وبدأ في استهداف الشباب القريبين منه، وتطور الموضوع وتوسع حتى وصل إلى طلاب مرحلتي المتوسطة والثانوية، وبعد الطلبة الجامعيين، وتوسعة شبكة التابعين له في الأحياء. مروجون ومتعاطون وأشار بعد مرور سنتين أو أكثر بقليل إلى أنه بدأ صيته يذاع بين المروجين والمتعاطين؛ ما اضطره إلى تغيير اسمه النشاطي كل فترة للتمويه على رجال مكافحة المخدرات والمخبرين، مشيرًا إلى أنه بالرغم من كل الإجراءات والاحترازات التي قام بها لكن يقظة رجال مكافحة المخدرات حاضرة، ولم يكن يعرف أنه مراقب، حتى وقع في أحد الكمائن التي رصدت له من الجهات الأمنية، وقُبض عليه متلبسًا بجرمه أثناء تسليمه المخدرات واستلامه المبالغ، واتضح له بعدها أن من تواصل معه كان مخبرًا، والمبالغ التي تسلمها جرى ترقيمها سلفًا من قِبل المباحث ومكافحة المخدرات؛ إذ أمضى الآن في الإصلاحية ما يقارب العام ونصف العام من المدة المحكوم بها من قبل القاضي بالمحكمة الجزئية بجدة، البالغة 6 سنوات، محذرًا في الوقت نفسه الشباب الانجرار وراء رفقاء السوء؛ حتى لا يكون مصيره السجن.