تملكني العجب وأنا أتابع الضجة المثارة حول كتاب الزملاء (أبو جفين) و (فيحان) وغيرهم من مشاهير (الطقطقة) الذين تسلقوا جدران الكتابة (التجارية) وأصبحوا نجوماً لامعين في معارض الكتب وصوالين الثقافة! . وعجبي هنا ليس تحيزاً مع المحتوى (الغث) بالطبع، ولا حتى لكون هذه المعارك الكلامية التي شارك فيها كبار المثقفين قد تفيدهم وتروج لكتبهم السخيفة، بل كان العجب كله لتلك الغضبة المضرية المفاجئة، وكأن احتلال هؤلاء (المطقطقين) لسنام معرض الكتاب قد حدث فجأة، ودون مقدمات ! . . هذا الصعود (للركاكة) الذي أفزعكم يا سادة يا كرام ليس جديداً، بل هو نتيجة طبيعية ومتوقعة جداً لسكوتنا الطويل عن تمدد (ثقافة التسطيح) و(التهريج) و(الطقطقة) التي تساهلنا معها حتى أصبحت هي السائدة بين معظم شرائح المجتمع.. ناهيك أيضاً عن سكوتنا المزمن على الخلل البنيوي الكبير في المؤسستين التعليمية والثقافية؛ اللتين لم تستطيعا (حتى لا أقول لم تحاولا) مواجهة المد الطاغي للتفاهة عبر أدوات التواصل الاجتماعي، وانتزاع ولو حصة بسيطة لها في العقل المجتمعي الشبابي!. .يقول الإعلامي الأمريكي ديك كافيت: «طالما أن الناس يتقبلون الهراء ويطلبونه، فإنه من المربح مادياً أن تبيعه»، وهذا باختصار ما يفعله تجّار الثقافة ومقاولوها، الذين يبحثون عن الربح السريع من خلال بيع الهراء على ألسنة المشاهير (كتب وأفلام وأغنيات).. وهذا بالمناسبة أمر متاح للجميع طالما لم يخالفوا قوانين النشر، فالناشر تاجر، ومن حقه البحث عن المال، خصوصاً في ظل كساد سوق الثقافة العليا، وعجرفة معظم المثقفين وثقالة دمهم، مقابل رواج سوق (المطقطقين)، فشخصيات مثل (أبو جفين) و (فيحان) و (صامولي) لهم جماهير بالملايين لم نعلمهم للأسف كيف يفرقون بين الغث والسمين، لذا يتم (استكرادهم) و (كروتتهم) بكتب وأفلام ومشاهد تزيدهم غرقاً في أوحال الهشاشة والسطحية . . في سبعينيات القرن الماضي كانت المكتبات ودور النشر اللبنانية تستغل الشخصيات العربية الشهيرة (جحا، أبو نواس، عنترة، الزير سالم) وتكتب على ألسنتهم -كذبا طبعاً- المجلدات تلو المجلدات لتجني من ورائهم الأموال الطائلة، وهذا هو ذات ما يحدث اليوم مع اختلاف الشخصيات. المشكلة يا سادة يا كرام ليست في وجود الكتب السخيفة، فهي موجودة في كل زمان ومكان.. المشكلة الأكبر تكمن فينا نحن.. هل استطعنا صناعة قارئ واعٍ، يمتلك ذائقة يستطيع التمييز بها بين الغث والسمين، ويبحث بها عن المعرفة الحقة؟!. .الكتب الجيدة مثل الطعام الجيد، متى ما اعتاد الإنسان عليه فلن يستسيغ ما دونه.. اصنعوا ذائقة أبنائكم بشكل سليم، وحينها لن تحتاجوا للدخول في معارك وشتائم مع أبو جفين وزملائه من شلة الطقطقة.