كلما خنقني موقف أو أتعبني حال هربت إلى الزمن الجميل، فهناك الذكريات والحكايات والأشياء الجميلة، وهناك وجوه وقلوب وأرواح تشع بياضًا وتقطر نبلاً وإنسانية.. (1) .. في أفياء الزمن الجميل تسكن نفسي وأغسل تعب هذا الواقع المرير الذي نتعارك فيه مع إنسانياتنا وقيمنا..!! (2) .. ذاكرتي المثقوبة لازالت تحتفظ من ذلك الزمن بأسماء وأماكن عزيزة وغالية ولا يمكن أن تغادرها بسهولة.. (3) .. من أغلى الأسماء التي سكنت ذاكرتي العم حامد آل عيدان يرحمه الله.. (4) .. العم حامد وجه اجتماعي خلّاق تراه فتألفه، وتألفه فلا تود أن تفارقه، قدم من زمن البساطة، وعاش حياة البساطة، ومات موتة البسطاء.. (5) .. رجل متسامح إلى درجة مذهلة حتى مع أقرب المقربين له لا ينازعهم ولا يطالبهم وحتى عندما حضرته الوفاة أوصى بديونه وأوصى بأن لا يضروا مدينًا أو يضيقوا عليه.. الله ما أروع روحك ياعم حامد.. (6) .. رجل كريم وكرمه عجيب غريب، ما في يده ليس له، فرغم أنه رجل يعمل في مهن بسيطة ويتكسب رزقه بعرق جبينه ويعول أسرة كبيرة لكنه لم يبخل ولم يتأفف من ضيف طرق بابه بل وحتى في زمن الشح كان يفرح بضيفه، ولا يستبقي شيئًا لحياته وأولاده دون كرمه..!! (7) .. رجل يعشق الحق، يقول (لا) للخطأ بصوت مسموع ولا يهمه من أمامه، وفي كثير من المواقف التي حضرتها معه كان لا يجامل أو يهادن في كلمة الحق، وحتى عندما كنت أختلف معه كان يذكِّرني بالأمانة.. (8) .. رجل اجتماعي من طراز نادر دائمًا يسأل ويتصل ويجمع الناس من حوله وفي بيته ويتقاسم معهم اللقمة والضحكة والهم.. (9) .. وهو رجل نخوة وشهامة أينما تُرِدْه تلقَه... (10) .. هاجر من قريته مبكرًا، جاء إلى مكة، ورغم ضنك الحياة إلا أن العم حامد كان ملتقى لكل أهل ديرته يضّيفهم ويساعدهم.. كان بيته أشبه بفندق يوم أن كانت الأبواب مغلقة بسبب ضيق ذات اليد.. (11) .. علاقتي بالعم حامد علاقة مختلفة.. علاقة روح، كان الأب والعم والأخ الكبير والصديق الوفي، كنت أراه الظلال التي أهرب إليها، وأتفيأها من الهجير، وكان يراني ابنه الذي يحبه ويوجهه ويفتقده إذا ما زاره..!! (12) .. في مرض موته كان يرفض المستشفى يريد أن يموت على فراشه، حملناه على الأيدي دون رغبته، كان ينزف دمًا، ناظرني مرة واثنتين وثلاثاً، وقال معاتبًا: «فين تغدون بي ياعلي»..؟ لم أستطع أن أحبس دمعتي، انكفيت فوقه أقبله، وكانت هي وداعه الأخير.. رحمك الله ياعم حامد.