ذكرت سابقاً، موقفاً بسيطاً حصل لي، عندما كنت أبحث عن كتاب عنوانه «اخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة»، فبعد أن أرشدني موظف المكتبة إلى مكانه، تطفّل عليَّ بنصيحة ساخرة، يحذرني فيها من الارتباط بأي فتاة مثقفة «تحب الكتابة»، وبرَّر ذلك بأنها: «ستكون ذكية، وستتعبك، وتكدّر عيشتك»! وتساءلت بعدها لماذا لا يفضّل الرجال المرأة الذكية، المثقفة، الطموحة؟. إن ذكاء المرأة وثقافتها يصنعان جاذبيةً لا تنضب بنضوب الجمال. ولا يجعلانها مُتعبة (ونِكدِية) كما يعتقد البعض، كما أن وعيها العالي لا يجعلها شخصاً مثالياً غير متقبِّلٍ لأخطاء الشريك الآخر. بل على العكس! وقد أحسن في الرد على ذلك مقال المجهول الذي ترجمه محمد الضبع وضمّنه في كتابه آنف الذكر، عن الفتاة المثقفة الكاتبة القارئة: «هي واقعية. وليست عجولة أبدًا، ستتفهم بأن لديك أخطاء. ستقدّس أخطاءك، لأن الفتاة التي تكتب تفهم معنى الحبكة» وهي أيضاً «لا تتوقع منك الكمال، لأنها تفهم أن الكتاب الجيد لا يجب أن يكون مليئاً بالشخصيات المثالية». والذي ينظر للتجارب ويستشهد من عصارة الشعراء والفلاسفة، يجد في تفضيلهم للمرأة الذكية المثقفة، شيئاً كثيراً. فها هو نزار قباني يتحدث عن المكياج الذي يحبه فيقول: «مكياج المرأة يجب أن يكون مكياجاً ثقافياً لأحبها، أنا لا أستطيع أن أحتمل امرأة جميلة وغبية!». وأما عن الجمال، في عين حكماء الرجال، فهو لا يغني عن الذكاء، كما قال غازي القصيبي رحمه الله: «جمال المرأة يغطي كل عيوبها إلا الغباء». ولا يضير الرجل أبداً، عند ارتباطه بالمرأة، أن تكون أعلى منه تعليماً أو ثقافةً، فمن أجمل ما يُروى من فضائل المرأة المثقفة، هو الموقف الذي دار بين بنت التابعي الجليل سعيد بن المسيّب، وزوجها عبدالله بن وداعة، يقول الأخير: «أردت أن أذهب إلى درس أبيها، فسألتني: إلى أين أنت ذاهب؟ قلتُ: إلى درس أبيكِ، قالت: اجلس هنا أعلمك علم سعيد»...! وعند تعداد مزايا المرأة المثقفة أو الذكية؛ لن يقف الأمر عند الاستشهاد الأدبي، بل حتى الأبحاث الطبية تحثّنا على هذا الاختيار، حيث كشفت دراسة حديثة أشرف عليها البروفيسور (لورانس وايلى)، أستاذ الصحة العقلية بجامعة (أبردين) الاسكتلندية، أن الزواج من امرأة ذكية وسريعة البديهة، يساعد فى الوقاية من خطر الإصابة بالخرف ومرض الزهايمر، حيث إن تحفيز القدرات الذهنية لديه القدرة على حماية الرجل من الأمراض العقلية المستقبلية. فطوبى لمن أكرمه الله بمثقفةٍ ذكية، تحسن التصرف والتدبير، يشاركها قراراته، ويناقشها أفكاره، وتدعم أحلامه وتطلعاته. وهنيئاً لهذه المرأة التي تصنع حظها ولا تنتظره. فإن كان الحظ لا يطرق أبواب الجميلات كما يقال؛ فإنه يعانق دهاء الذكيات.