عاصرت بل اشتركت في مراقبة اللعب السياسي النظيف والعنيف على أرض آسيوية وأخرى إفريقية. ورصدت في أنحاء متفرقة من القارتين كيف انحاز الحكم الذي هو في الأصل قائد للفريق معلناً إنهاء المباراة، واحتساب النتيجة لصالحه 2 - صفر!، ولأنني مجرد واحد من الجمهور، فقد اكتفيت بالثرثرة وأنا أغادر المدرجات!. في الهند كانت المعارك الانتخابية المؤهلة لفوز الحزب، ومن ثم تشكيل الحكومة، والوصول إلى السلطة، والإمساك بمقاليد الحكم، ورغم أنها كلها كانت حامية الوطيس، تستخدم فيها الحملات الضخمة، والدعايات المضادة، بل والإشاعات أحياناً، إلا أنها تنتهي بمجرد إغلاق الصناديق، وإعلان الفائز الذي يسارع الخصم المهزوم بتهنئته، متمنياً له التوفيق في مهمته الكبيرة من أجل الوطن! لقد تأرجح اللعب الديمقراطي في الهند طوال الفترة من 1984 وحتى 1996 قبل أن تستقر الأمور داخل الفرق أو الأحزاب المتنافسة والتي يزيد عددها عن 200 حزب! كنت في دلهي لأول مرة في أواخر الثمانينيات حين كان راجيف غاندي رئيساً للوزراء، وعدت منزعجاً مما يجري أثناء التسخين لانتخابات 1989 إثر اغتيال راجيف، وحين سألت رئيس الحكومة الفائز في بي سينج عما يتهدد الهند، قال: الخروج عن أصول اللعبة الديمقراطية! سألته: كيف: قال من خلال اللعب بموضوع الأقليات وإثارة النعرات الطائفية! والحاصل أن سينج أكمل عاماً واحداً بالكاد، قبل فشل حكومة حزبه «جاناتا دال» في تهدئة أصوات المطالبين بالعيش والحرية، وغيرها من شعارات أو مطالب شعبية. ثم جاء شاندرا شيكر عام 1990 وروى لي كيف تتفكك الأنظمة إن هي جرحت شريحة من شرائح المجتمع، أو عمدت إلى تحقيق مصالح قادتها الشخصية، أو خانت قيم الديمقراطية. شعرت خلال اللقاءين مع سينج وشيكر، بتأففهما من الوضع العام، وأنهما يتعجلان ويهتمان باستقرار العملية الديمقراطية أكثر من اهتمامهما بتحقيق أي مجدٍ آخر! كانت دار في. بي. سينج، بلا أسوار ولا حراسة، وكان شاندرا شيكر، يتلحف بشال هندي قديم، وكنت وأنا أغادر على يقين، بأن الهند تشق طريقها نحو بناء ديمقراطي وسياسي واقتصادي بل واجتماعي سليم.. وقد كان، ولعلكم تلاحظون الآن! على مسافة كيلومترات قليلة كان الوضع مختلفاً في بنجلاديش، حيث سادت الخشونة، رغم أن الطرفين المتنافسين «ناعمان» أو «ناعمتان».. خالدة ضياء تمسك بمقاليد الحكم، فتذهب حسينة تلقائياً الى السجن!، وحسينة تأتي للسلطة، فتذهب خالدة للسجن، ومازال العرض مستمراً! في أفريقيا، كنت شاهداً على اللعب الديمقراطي النظيف، سواء بين الرئيس عبده ضيوف وزعيم المعارضة عبد الله واد، أو بين الرئيس واد، ورئيس وزرائه المقال ماكي سال، وهأنذا أتأهب لرصد الموقف بين الرئيس ماكي سال، والمرشحين الآخرين «كريم واد» ولاعب الكرة العالمي الشهير «حاج ضيوف».. لاحظ هنا أن «كريم» هو بالفعل ابن الرئيس السابق، لكن حاج، ليس ابناً للرئيس الأسبق عبده ضيوف وإنما تشابه أسماء! وعلى بعد كيلومترات قليلة، كان اللعب الخشن، في موريتانيا، الذي ينتهي دائماً بإلغاء المباراة واحتساب النتيجة 2 /صفر لصالح الرئيس الجديد! حدث ذلك مع أو من أول رئيس الى آخر رئيس.. فقد أطيح بالرئيس ولد داداه وجيء بالسالك، وأطيح بالسالك، وجيء بولد لولي، وأطيح بولد لولي، وجيء بولد هيداله، وأطيح بولد هيداله، وجيء بولد الطايع، وأطيح بولد الطايع، وجيء بولد فال، الى أن وصلنا لمحمد عبد العزيز، لعله يمهد الطريق للعب الديمقراطي النظيف، فقد سئم الشعب الانقلابات!