لم تكن المحاولة الانقلابية التي تعرضت لها موريتانيا ليلة أمس الأول ولم يتأكد بصورة يقينية نجاحها أو فشلها حتى وقت كتابة هذه التقرير الأولى وربما لن تكون الأخيرة، فمنذ حصول هذا البلد العربي على استقلاله عن الاحتلال الفرنسي في 28 من نوفمبر 1960 بعد 56 عاما والبلاد يحكمها العسكر باستثناء المختار ولد داده أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال (1960-1978). فبعد 18 عاما عاشتها نواكشوط في ظل حكومة مدنية يرأسها الزعيم السياسي المختار ولد داده عانت البلاد خلالها استمرار حرب الصحراء واشتداد ضربات جبهة البوليساريو والشعور الذي ساد داخل أجنحة فاعلة في المؤسسة العسكرية بأن الوقت قد حان لوضع حد لهذه الحرب التي تبدو في الأفق بلا نهاية قرر العقيد المصطفى ولد السالك بلورة هذا الغضب في تحرك عسكري، وكان صباح العاشر من يوليو1978 هو نهاية سنوات حكم المختار ولد داده التي استمرت 18 عاما وبداية حكم العسكر في البلاد التي لا تزال مستمرة حتى الآن. ظن المصطفى ولد السالك أن الكأس التي تذوق من خلالها طعم الحكم لن يتطلع إليه أحد غيره خاصة من زملائه العسكر، ويبدو أن شهوة السلطة كانت عارمة ولا تقاوم ووجدت مثيرا لها في الخلاف الجزائري المغربي حول التعامل مع ملف الصحراء وجبهة البوليساريو. واستطاعت وجهة النظر المغربية التي تولى قيادتها العقيد محمد ولد لولي ورئيس وزرائه القوي أحمد ولد بوسيف أن تتغلب وترجح كفتها هذه المرة فاستطاع ولد لولي القيام بانقلاب أزاح من خلاله ولد السالك عن الحكم عام 1979. لم يهنأ ولد لولي بكرسي الرئاسة لأكثر من عام واحد أيضا، تماما كسلفه ولد السالك، إذ سرعان ما عاد مؤشر الميزان في الصراع السياسي يتأرجح من جديد، وعادت الاستقطابات الخارجية تلعب دورها بين أجنحة المؤسسة العسكرية، وكانت الغلبة في هذه الجولة للرجل القوي العقيد محمد خونه ولد هيداله الذي كانت تربطه بالجزائر علاقات متينة وأصبح الحاكم الفعلي للبلاد من 1980 حتى نهاية 1984. كانت فرنسا تراقب الوضع في مستعمرتها القديمة عن كثب، وتلاحظ بدقة طبيعة الصراعات داخل المؤسسة العسكرية، وتفكر جديا في أن يكون لها دور في ما يحدث، فاختارت أن تتحلى الجولة القادمة من الصراع بنكهة فرنسية، وتحقق لها ذلك في الثاني عشر من ديسمبر 1984 حينما استطاع الرئيس فرانسوا ميتران وبعد إلحاح إقناع محمد خونه ولد هيداله بمغادرة البلاد -التي كان قد قرر سلفا ألا يغادرها شعورا منه بأن وراء الأكمة ما ينذر بسوء- لحضور مؤتمر للقمة يجمع بعض زعماء أفريقيا وفرنسا في بوجمبورا عاصمة بورندي، وما إن خرج ولد هيداله من نواكشوط حتى أظهر غبار القلق ما كان يخفيه وصدقت نبوءة ولد هيداله، فقاد العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع انقلابا عسكريا استولى من خلاله على الحكم في العام 1984. وبعد عقدين كاملين عادت موريتانيا إلى أجواء الانقلابات، ويبدو أن الليل الذي ألهم كبار الشعراء هناك أروع قصائدهم ألهب حماس بعض قادة الجيش فتحركوا للسيطرة على القصر الجمهوري ومبنى الإذاعة والتلفزيون وبعض مقار الحكم الأخرى، لكن ورغم بزوغ الفجر وانجلاء ظلمة الليل لم تتضح حقائق الأشياء في نواكشوط بعد، ولم يعرف حتى الآن ما إذا كان حماس ضباط الجيش قد نجح في إسدال الستار على حكم معاوية ولد طايع أم أن السطر الأخير في قصة حكمه لم يكتب بعد. "الجزيرة نت"