* تعودت ألّا أكتبَ عن الأحداث العربية الطارئة، إلّا بعد حين؛ فالكتابة المتعجّلة قد توقع صاحبها في حرجٍ لاحق، بعد أن تتكشف حقائق لم تُؤخذ بالاعتبار أثناء الكتابة، التي ربما اعتورتها ردود أفعال عاطفية. * كتابة المقال الصحافي يفترض ألاّ يأخذ الكاتب فيها بالاعتبار حكاية السبق الصحافي، فذاك شأن لا علاقة له بالرأي. ربما افتتاحيات الصحف اليومية خارج معايير أعمدة الرأي، ولها وصفتها الخاصة المتعارف عليها في عالم الصحافة. * رأيت التنويه أعلاه ضروريًّا؛ حتى أتجنّب حرج انطباق مقولة: «ما أن يرحل الزائر حتى يبرد الشاي»! * أقول بكل أسف: تابعنا نحن السعوديين المظاهرات الغوغائيّة التي خرجت في شوارع بعض المدن والمحافظات العربية، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس العربية المحتلّة، ولو اقتصرت الهتافات (الحنجورية) على شتم ترامب وبلاده أمريكا، لقلنا: يحق لتلك الجماهير صب جام غضبها على من تسبب في صب الزيت على نار ترمّدت، أو هي في طور الانطفاء، لكن أن تُحشر بلادنا وقادتها في حكايةٍ لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فهو أمر يستحق الرد والرد الساطع كالغضب الساطع، الذي تغنّت به جارة القمر الأيقونة «فيروز» ذات غضب على تدنيس مدينة السلام القدس: الغضب الساطع آتٍ وأنا كلي إيمان الغضب الساطع آتٍ سأمرُّ على الأحزان من كل طريق آتٍ بجياد الرهبة آتٍ.... إلخ * غضب «أُمّة» فيروز الساطع كان شعبيًّا، وجدانيًّا، حقيقيًّا، لم تُحرّكه «صهاينة» حماس أو طهران وقم، أو المسخ حزب الزمّيرة، ولا نظام هامشيّ هشّ مصاب بجنون العظمة! * الأكثر غرابة في هذه الحكاية أن يستجيب لذلك التزييف، غوغاء «عرب» من بلدانٍ في شمال إفريقيا، ربما لأول مرّة يسمعون بقضيّة القدس، وقد لا يعرفون حتى موقعها على الخريطة، لكن قاتل الله حقن الحقد (عن بُعد) في عقول فارغة. * يطول الحديث حول ذلك الغضب المزيّف، ومن يُرد معرفة صفة غوغاء الشارع العربي؛ فليقرأ كتاب «سيكولوجيّة الجماهير» للفرنسي «غوستاف لوبون». من هُنا رأيت أنه من المناسب في الخاتمة اقتباس بعض من قصيدة الشاعر «أحمد مطر»؛ حيث قال: كلهم يشتمُ أمريكا وأمريكا إذا ما نهضوا للشتم تبقى قاعده فإذا ما قعدوا، تنهض أمريكا لتبني قاعده. انتهى