هنا في إذاعة جدة.. أطلقت المذيعة لولوة العبدالله، صوتها جسر مودة بينها وبين المستمعين، وقد حرمت نعمة البصر، فانطفأ ضوء عينيها، لكنها في مقابل ذلك أوقدت سراج بصيرتها، واقتحمت مجال الإعلام من نافذة إذاعة جدة.. بخطوات بدت مترددة في بادئ الأمر، لكنها أضحت واثقة في خاتمته.. تجربة روتها لولوة ل»الأربعاء»، فقالت، وهي تزيح المايكرفون عنها قليلاً: «لم أكن أعلم بأنني سأكون في يوم من الأيام خلف المايك الإذاعي، أتحدث بلغة الواثق والمدركة بأهمية الرسالة التي أحملها للمجتمع، ونموذجًا للفتاة السعودية المتألقة والتي لم تمنعها ظروفها بأن تكون مطلب المستمعين».. ما بعد الحلم حلم «لولوة» تحوّل -من بعد- إلى مسؤولية تجاه رفقائها من ذوي الإعاقة بصورها المختلفة، حيث مضت تقول: «حينما تحقق حلمي، وفتحت لي إذاعة جدة أبوابها بأن أكون أول مذيعة كفيفة في المملكة العربية السعودية، وأكون واحدة من طاقم عملها، فكرت كثيرًا بأن أكون صوتًا لذوي الإعاقة الذي يغرّد عبر ميكرفون إذاعة جدة، فقمت بتقديم فكرة البرنامج لإدارة الإذاعة، فرحَّبت كثيرًا بأن تكون هناك مساحة يتم فيها عرض كل ما يخص هذه الفئة، وفكرت كيف يمكن أن يكون البرنامج مختلفًا عن غيره من البرامج التي تتناول موضوع ذوي الإعاقة، فوجدت أن أكثر شيء تحتاجه هذه الفئة هو توعية المجتمع بقدراتهم وإمكانياتهم وتمكينهم بالمجتمع، وبما أن الإعلام يعد مرآة للمجتمع ويساهم في تكوين اتجاهاته وتكوين الصورة الذهنية عن كل شرائح المجتمع بمن فيهم شريحة الأشخاص ذوي الإعاقة.. فقررت أن أقوم بطرح الموضوعات والقضايا بشكل مختلف، بحيث يتم عرض المشكلة ومحاولة إيجاد الحلول كي نسير في خط متوازٍ بين المشكلة وكيفية وآليات تعديلها، فنحن لا نضع أصابع الاتهام على أي جهة أو مؤسسة لمجرد العرض، وإنما نتكاتف مع تلك الجهات للوصول إلى الحل، ومن منطلق رؤية المملكة 2030 والتي تنص على تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في عدة مجالات، فكان لابد من العمل تماشيًا مع الرؤية، فمن خلال البرنامج نقوم بعرض إنجازات وإمكانيات هذه الفئة بهدف الوصول إلى تحسين الصورة الذهنية المغلوطة عنهم وتمكينهم مجتمعيًا، وقد جاءت تسمية البرنامج من قبل مدير عام إذاعة جدة الأستاذ سمير حبيب بخش، فمنذ دخولي للإذاعة قال إنه سوف يكون هناك برنامج يحمل اسم «مع لولوة»، وعندما قدمت الفكرة ووضعت هذا الاسم بأن يكون للبرنامج رحبت الإدارة كثيرًا كوني إحدى هذه الفئة. قضايا ومشكلات هكذا وضعت «لولوة» مسارًا لصوتها عبر أثير إذاعة جدة، أن يكون نصيرًا لذوي الإعاقة، عبر هذا البرنامج، الذي يستمر على الهواء مباشرة لساعة كاملة، من إعدادها وتقديمها، وإخراج سلطان الروقي، فاتحة نوافذ التواصل مع المستمعين عبر الهاتف، وجميع وسائل التواصل الاجتماعي، متنقلة في برنامجها بين ثلاث فقرات: 1- في الأولى تقدم آخر الأخبار وأبرز الفعاليات والمؤتمرات وكل ما هو جديد عن ذوي الإعاقة. 2- وفي الثانية تجري حوارًا مع نخبة من المسؤولين والأساتذة من الوطن العربي حول إحدى المشكلات أو القضايا أو الموضوعات التربوية والتوعوية. 3- أما الثالثة فخصصتها لقصص نجاح يتم فيها عرض قصة من قصص المبدعين من ذوي الإعاقة. ذكاء البدايات بهذه المحددات، انطلقت «لولوة» في برنامجها، مستهلة أول حلقة بطرح موضوع «الإعاقة مفهوم ومعنى»، حلقة ظلت عالقة في خاطرة «لولوة»، كونها ترى أن كثيرًا من الناس يعتقدون أن الإعاقة هو أن يكون الشخص جالسًا على كرسي متحرك، بينما الإعاقة تحمل في طياتها الكثير من المعاني والأنواع والأسباب، فليس بالأمر السهل طرح قضاياهم كون أن بعض المسؤولين يتحسّس أو لا يتجاوب مع الموضوعات التي تطرح.. هذه المفاهيم أسهم البرنامج في حلقاته المتتاليات في تصحيحها وتوعية المجتمع، وهو ما أكدته «لولوة» بقولها: «بعون من الله وتكاتف جهود فريق العمل استطعنا أن نستمر ونسير في الطريق الصحيح، ونحقق الهدف من البرنامج وهو توعية المجتمع بذوي الإعاقة ودمجهم وشملهم وتمكينهم بالمجتمع. وبالفعل أصبحت إذاعة جدة تنقل كل ما هو جديد عن ذوي الإعاقة من مبتكرات ومؤلفات وملتقيات علمية تساهم في إحداث التغيير الإيجابي، وكذلك استضافة الأساتذة والأخصائيين في هذا المجال من مختلف دول الوطن العربي لتبادل الخبرات والتجارب ليستفيد منه ذوو الإعاقة». تاج من فضة لم يكن لمثل هذه التجربة الفريدة أن تغفل عنها منصات التكريم، فقد وجد برنامج «مع لولوة» ما يستحقه من حفاوة في مهرجان الإذاعة والتلفزيون الخليجي عام 2016م، حيث توج بالجائزة الفضية.. أنتم سندي بقيت الإشارة إلى إن اهتمام المذيعة لولوة بهذ الشريحة الغالية، دفعها أيضًا إلى إعداد برنامج «أنتم سندي»، من تقديم ثروة عطار، وإخراج سلطان الروقي وبندر عسيري، وكان يسلط الضوء على شخصيتين من ذوي الإعاقة، هما الدكتورة وحي لقمان، والمخترع السعودي مهند أبو دية وكيف كان للأسرة دور في تحقيق إنجازاتهما.