طالب الشيخ قيس المبارك عضو هيئة كبار العلماء سابقا بمحاكمة من يتعاطفون مع دول أخرى على حساب المصلحة العليا لوطنهم، إذا ظهر من أعمالهم أي من الأعمال المحرمة الخارجة عن النظام وأخطرها الولاء للأعداء. ودعا إلى التلاحم الوطني، الذي وصفه بعنوان القوة لبنيان التماسك الاجتماعي، وعنوانُ ل»مهابةٍ الدولة»، وبه تُؤصدُ أبواب الفتنة، وأشار إلى أن مجتمعنا بحاجةٍ إلى نسيان حظوظ النفس، وإلى تحكيم صوت الحكمة والعقل. واضاف في حوار ل «المدينة» انه إذا كانت الفتنة خطر على المجتمع فإنها تكون أشدَّ خطرا حين تكون البلاد بحالٍ يَتربَّص بها الأعداء، مشيدا ببسالة رجال الأمن، وقال أن هؤلاء الرجال هم الذين أكرمهم الله بأنْ حفظ بجهودهم أمْنَنا، ولن نُوَفِّيهم مهما فعلنا، فالواحد منا يعيش آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه، فكيف لا يشعر بالمنَّة لهم. وفيما يلي نص الحوار: • كيف تنظرون إلى الأشخاص الذين يتعاطفون مع دول أخرى على حساب المصلحة العليا لوطنهم ؟ - التعاطف القلبي أمرٌ لا يُطَّلَع عليه، لأنه من المعاني النفسانية الخفيَّة، فلا يحاسِبُ عليها إلا الله، لأنه الذي يعرف السرائر أما الذي يُحاسَب عليه المرء في الدنيا فهو ما ظهر من أعماله، فالأمر كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه: (إنما نأخذكم بما ظهر لنا من أعمالكم)، أي الأعمال المحرَّمة الخارجة عن نظام البلد وهو شرع الله، والتي من أخطرها الولاء للأعداء، فإذا فعل أحدٌ فعلا يدلُّ على ولائه للأعداء فقد استَحَقَّ المحاكمة العادلة في الدنيا. • ما هو مفهومكم لحب الوطن، كما جاء في القرآن والسنة النبوية؟ - حب الوطن بمعنى البلد، التي ولد بها الإنسان ونشأ أمرٌ مرتكزٌ في الفطرة، وأظنك لا تسأل عن هذا ولعلك تسأل عن ولاء المرء لمجتمعه المسلم، الذي هو جزءٌ منه. هذا الولاء عقيدةٌ ودينٌ ندين لله به، فالمسلمون يجب أن يكون بينهم تآلفٌ وتآخٍ، فيَحْرُم على أي مسلم أنْ يَشُذَّ ويتآمر عليهم. فقد اقتضت حكمةُ الله تعالى أن يكون المؤمنون إخوةً، فجعل سبحانه الأخوَّة أصلًا من أصول الدين وعِصمةً من عِصم المسلمين، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وإنما أمرهم بذلك لأنه سبحانه يريد منَّا التآلف والتَّآخي، الذي هو عنوانُ قوَّةٍ لبُنيان التماسك الاجتماعي، وعنوانُ مهابةٍ للدولة، وبه تُؤصدُ أبواب الفتنة، ومجتمعنا بحاجةٍ إلى نسيان حظوظ النفس، وإلى تحكيم صوت الحكمة والعقل، فإذا كان درهمٌ مِن مالٍ يحتاج إلى قنطارٍ من العقل، فإن الدِّرهم من العلم يحتاج إلى قنطارَيْ عقل، وشأْنُ الإخوَّة الرحمة، وإنما تُرْجَى الرحمة للمجتمع وتستقيم الأحوال وتصلح، بهذه الإخوَّة . ومما يُضادّ الأُخوَّة التعاملُ مع أعداء البلاد، والتآمر معهم، فهو جريمةٌ كبرى وجناية عظيمة تُخلُّ بالأمن، ولا شك أنها من الإفساد في الأرض، لما يترتب عليها من أضرارٍ ومفاسد، قال الله تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) والفساد معنىً يشمل كلَّ ما فيه خرابٌ للمنافع الدينية أوالدنيوية، فإتلاف النفوس بقتلها أو تخويفها أو إلحاق الضرر بها هدْمٌ لِما أراد اللهُ بناءَه. رجال الأمن البواسل • كيف تنظرون إلى أداء رجال الأمن البواسل الذين يحبطون عمليات استخباراتية يوميًا؟ - هؤلاء الرجال هم الذين أكرمهم الله بأنْ حفظ بجهودهم أمْنَنا، ولن نُوَفِّيهم مهما فعلنا، فالواحد منا يعيش آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه، فكيف لا يشعر بالمنَّة لهم. وقد قدَّم اللهُ تعالى حفظَ الأمن على توفير الرزق، فقال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)، ذلك أن الإنسان لا ينعم بطعام ولا يَهْنأ شراب إلا وهو في حالٍ آمن. حكم من يثير الفتنة • ما حكم من يثير الفتنة داخل المجتمع الآمن؟ - إذا كانت الفتنة خطر على المجتمع فإنها تكون أشدَّ خطرا حين تكون البلاد بحالٍ يَتربَّص بها الأعداء. • هل نحن بحاجة فعليه إلى إعادة المفاهيم الدينية مثل الجهاد والولاء والبراء وغيرها؟ - لاشك في ذلك، فحقائق الإسلام ثابتة، وقد أوجب الله على العلماء بيان حقائق الإسلام، وبيان هَدْيِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام في التعامل مع الناس، قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)، واستنادا إلى هذا فإنَّ أوجب الواجبات علينا نحن المختصُّون في العلوم الشرعية أن نُبصِّر الناسَ بحقائق دين الله، فالجهل يورد المهالك، فقد يتكلم في الإسلام مَن لا يُحسن.