أيد المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي، في دورته الثانية والعشرين ما قامت به دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من استجابة لطلب الحكومة الشرعية في اليمن, لحفظ أمنه واستقراره, مؤكدًا أن هذا واجب شرعي تدل عليه النصوص الشرعية الموجبة لقتال الباغي إذا لم يستجب لمساعي الصلح. وقال المجمع في بيان أصدره اليوم بشأن الأحداث في اليمن " لقد عقد المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي ، دورته الثانية والعشرين بمكةالمكرمة برئاسة سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ وحضور أعضاء المجمع وذلك خلال الفترة من 21إلى 24 رجب 1436ه الموافق من 10إلى 13 مايو 2015م وصاحب ذلك الأحداث الجسام التي وقعت في اليمن فزعزعت أمنه واستقراره جراء ما قامت به جماعة الحوثي ومن ساندها من الخارجين على الشرعية في تلك البلاد, مما اقتضى من المجمع النظر في هذه الأحداث استجابة لأمر الله الذي أوجب على أهل العلم بيان الحق للناس وعدم كتمانه في قوله تعالى: ?وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ? (آل عمران: 187), وبيان حكم الشرع المطهر في هذا الحدث الجلل, وما نتج عنه من آثار وخيمة, وبيان المخرج من هذه المحنة العظيمة, في ضوء هدي الإسلام وأحكام الشريعة المطهرة. وعد ما قامت به جماعة الحوثي ومن قاتل معهم، وساندهم من أشد أنواع البغي والإفساد في الأرض ذلك أنه زعزع استقرار اليمن، وعبث بأمنه عن طريق قتل الأبرياء ، وسفك الدماء، واحتجاز رئيس الدولة ومحاولة قتله ، وعدم الإذعان لطاعته التي أوجبها الله, قال تعالى ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ? (النساء : 59) وخطف عدد من الشخصيات اليمنية, وتهجير الآمنين من ديارهم ، والاستيلاء على أموالهم, والسطو على المصارف ونهب أموالها, والاستيلاء على الإدارات الحكومية, وتحويل المدارس والمستشفيات إلى ثكنات عسكرية, وإطلاق النار على منازل المواطنين, وقتلهم, وقطع وسائل الإمداد والإغاثة عنهم, وإطلاق النار على المستشفيات بمن فيها من مرضى ومصابين , حتى أصبح الناس في ضنك شديد, وينطبق على من يفعل ذلك قوله تعالى: ?وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)? (البقرة). وأكد البيان أنه انتهاك للضروريات التي دلت نصوص الكتاب والسنة, ومقاصد الشريعة القطعية ومبادؤها الكلية على وجوب الحفاظ عليها والذود عنها, وشرع الجهاد في سبيل الله لحمايتها, ودرء الفساد عنها, قال تعالى: ?وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ?, وقال صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد), وقال تعالى: (من قُتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد). وأيد المجمع ما قامت به دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من استجابة لطلب الحكومة الشرعية في اليمن, لحفظ أمنه واستقراره, مؤكد أن هذا واجب شرعي تدل عليه النصوص الشرعية الموجبة لقتال الباغي إذا لم يستجب لمساعي الصلح. وقال إن من أوجب الواجبات في الشريعة الإسلامية، نصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، والأخذ على يد الظالم، إحقاقاً للحق، وإقامة للعدل، قال صلى الله عليه وسلم: (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوما), ونصرة المظلوم معلومة, ونصرة الظالم ردعه عن ظلمه, كما ورد في الحديث الصحيح , وقال صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى) متفق عليه. ورأى المجمع في بيانه أن الخروج على الحاكم محرم شرعاً، موجب لمقاتلة من قام به ، قال صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا) متفق عليه, وقال صلى الله عليه وسلم: (من خرج من الطاعة, وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية, ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه) رواه مسلم. وناشد المجمع جماعة الحوثيين ومن ساندهم أن يفيؤوا إلى الحق, ويكفوا عن عدوانهم, ويعودوا إلى الرشد, حقنا للدماء, وحفظا لما بقي من مقدرات الدولة اليمنية. وطالب المجمع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعدم التدخل في شؤون الدول الإسلامية, وعدم إذكاء الصراعات بين الشعوب والدول والمنظمات, وعليها أن تسهم فيما من شأنه أن يجمع ولا يفرق, ويصلح ولا يفسد , ويؤدي إلى وحدة الأمة الإسلامية وسلامها, بدلاً من تفرقها وتحاربها. وأيد المجمع موقف الحكومة اليمنية الشرعية والشعب اليمني المتمثل في المقاومة الشعبية وثباته المبدئي لدحر المعتدي، ودعماً لحكومته الشرعية , داعياً جميع اليمنيين إلى مؤازرة إخوانهم في موقفهم المشروع. كما دعا المجمع العالم الإسلامي حكومات وشعوباً إلى تأييد المقاومة المؤازرة للشرعية في اليمن, ودعمها بكل وسائل الدعم المادية والمعنوية والسياسية والاقتصادية ،مهيباً بالإخوة اليمنيين أن يقدروا الدور الرائد الذي تقوم به المملكة العربية السعودية ودول التحالف وجهودهم الإيجابية في إرساء الأمن والاستقرار والوقوف مع شعب اليمن, ودفع المعتدين والخارجين على الشرعية, وكبت أعداء الأمة الإسلامية, الذين يمكرون بالمسلمين ويتربصون بهم الدوائر. وأكد المشاركون في المجمع أن ما آلت إليه الأوضاع في اليمن وفي كثير من الدول الإسلامية وتحولها إلى مسارح للحروب يرجع في أبرز أسبابه إلى نزعة طائفية متحيزة, تسعى إلى تعزيز نفوذها, على حساب غيرها من المكونات الوطنية, مما أدى إلى إشعال الفتن الطائفية وإذكاء العداوة بين المسلمين وإغراقهم في صراعات تدفع الأمة أثمانها باهظة. وناشد المجمع اليمنيين خاصة والحكومات والهيئات الإسلامية وعلماء المسلمين عامة بوجوب محاربة الطائفية, والابتعاد عن التعصب الطائفي البغيض, وبذل الجهود لتحقيق وحدة المسلمين في جميع المجالات , بوصفهم أمة واحدة قال تعالى: ?إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ? (الأنبياء: 92) ، وأكد المجمع وجوب العودة إلى الله تعالى عودة صادقة والاعتصام بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذ هما ركيزتا العمل المخلص والجاد في سبيل إحياء الأخوة الإسلامية, قال تعالى: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ? ( آل عمران: 103). وقوله تعالى: ?وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ? ( الأنفال: 46). كما دعا المجمع قادة المسلمين إلى تحكيم شرع الله , فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ?فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا? (النساء: 65). وذلك في شعب الحياة جميعاً مهما اتسع نطاقها وتنوعت مواقعها. ورأى المجمع جواز الصرف من الزكاة للمقاومة الشعبية في اليمن, وللشعب اليمني التي أثرت هذه الحرب على حياته , داعياً الهيئات الإغاثية العالمية والهلال الأحمر وفي مقدمتها هيئة الإغاثة العالمية الإسلامية التابعة لرابطة العالم الإسلامي, إلى مضاعفة العون للشعب اليمني. وأوصى المجمع رابطة العالم الإسلامي بعقد مؤتمر عالمي عن استغلال الطائفية فيما يفرق المسلمين ، والتحذير من خطرها وآثارها السلبية على الأمة وطرق علاجها . ورفع العلماء المشاركون في المجمع خالص الشكر و التقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية, وملوك وأمراء ورؤوساء دول مجلس التعاون بدول الخليج العربية والدول العربية والإسلامية المشاركة في عاصفة الحزم, على الوقفة الشرعية والنجدة الإسلامية بجانب اليمن في محنته العصيبة, وعودة الأمل, والشكر للدول التي شجبت اعتداء الحوثيين وأعوانهم.