تحدث فيها عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان حول قضايا يكثر الحديث عنها في اللحظة الراهنة، ويثار حولها الكثير من الجدل؛ فقد تحدث الفوزان عن معاني المواطنة والوطنية، وفصل في قضايا الإرهاب والخروج على ولي الأمر، مرورًا بمعاهدة الدبلوماسيين وكيفية التعامل معهم إلى عوامل إعمار الوطن وفساده، وغيرها من القضايا الحساسة التي ناقشها عضو هيئة كبار العلماء من زاوية شرعية وتأصيلية، جاء ذلك في محاضرة له بعنوان: (تأصيل الانتماء والمواطنة الشرعية) تنشرها «الرسالة» كما هي: بداية قال فضيلة الشيخ صالح الفوزان إن الانتماء هو الانتساب إلى دين أو بلد أو قبيلة أو أسرة وهذا كما جاء في قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)؛ فالمسلم ينتسب إلى الإسلام، ويصرح بذلك إنني من المسلمين، والله أمر رسوله أن يقول (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [سورة الأنعام]، فهذا هو رأس الانتساب وأفضله، وأما الانتساب إلى البلد أو القبيلة أو الأسرة، إذا لم يكن على وجه الافتخار فلا باس به، وأما معنى المواطنة فهي حسن التعامل مع من يشاركهم السكنى في البلد. وأضاف فضيلته: الناس في الحقيقة لا بد لهم من الاجتماع ضرورة إنسانية الاجتماع ضرورة لبني البشر، فلا يمكن للفرد أن يعيش وحده، لا بد أن يعيش مع بني جنسه، للأنس فيما بينهم وللتعاون على مصالحهم الدينية والدنيوية، فيحتاج إلى أن يحسن التعامل مع مواطنيه، من أجل الألفة والتعاون والتعارف والتآلف، ولهذا قالوا الإنسان مدني بالطبع، لا يمكن أن يعيش وحده، والاجتماع فيه خير، لاسيما إذا كان هذا الاجتماع على حق وعلى الإسلام والملة، فهذا أمر الله جل وعلا به في محكم كتابه قال: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). حب الوطن وأوضح أن الاجتماع رحمة، والفرقة عذاب، وأما حب الوطن فهو قضية طبيعية، الإنسان يحب وطنه حبا طبيعيا، وطنه الذي نشأ فيه ودرج على أرضه يحبه ويحن إليه حتى ولو بعد عنه، ولهذا يقول الشاعر: وكم من منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل فهو لا يلام على هذا إلا إذا قدم حب وطنه على طاعة الله عز وجل، فإن الله جل وعلا قال (قُلْ أن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا)، فإذا اقتضى منه دينه أن يترك وطنه فرارا بدينه ولأجل الجهاد في سبيل الله فهذا أمر مطلوب منه، ويقدم ما يحبه الله على ما تحبه نفسه، ومن ذلك وطنه فإنه يتركه، لله عز وجل أو يترك وطنه ويغادره طلبا للرزق، فليس في ذلك ملامة عليه؛ فالإنسان لا يفارق وطنه إلا إذا أخرج منه ظلمًا، أو خرج منه اختيارًا لطلب الرزق، ولهذا الله جل وعلا أثنى على الذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم ووعدهم بالنصر، قال تعالى: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ أن اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ أن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، والله وعد المهاجرين الذين تركوا أوطانهم لله عز وجل وعدهم بالأجر العظيم والثواب الجزيل وجعل لهم مزية على غيرهم، ولهذا قدم الله المهاجرين في الذكر والثناء على الأنصار رضي الله عن الجميع، لأن المهاجرين تركوا أوطانهم وديارهم فرارًا بدينهم وطاعة لله ولرسوله وجهادًا في سبيله، وفي القران الكريم آيات كثيرة في شأن الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق بل لأجل دينهم. وأكد الفوزان أن محبة الوطن محبة طبيعية، وقد تكون محبة دينية، إذا كان الوطن الحرمين الشريفين مكةوالمدينة، ولهذا لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وهاجر إلى المدينة وقف والتفت إلى مكة، عليه الصلاة والسلام وقال: «والله إنك لأحب البلاد إلي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت»، فمحبة مكةوالمدينة هذه محبة دينية فوق المحبة الطبيعية، أما بقية الأوطان فمحبتها محبة طبيعية لا يلام عليها الإنسان إلا إذا قدم محبتها على ما يحبه الله ورسوله، وللوطن بلد الإسلام لها حق على المواطن، والساكن فيها، من ذلك أن الله أوجب عليه أن يدافع عنها من أرادها بسوء، فإذا حوصرت البلد حاصرها العدو حصر البلد والوطن من العدو، وجب على كل من يستطيع الجهاد والدفاع أن يجاهد دفاعا عن وطنه وعن محارمه وعن حرمات المسلمين وممتلكات المسلمين، فرض عين على كل مسلم يستطيع الدفاع عن بلده إذا حوصرت وهو يستطيع الدفاع عنها ولا يستسلم وهو يقدر على المدافعة بأقصى ما يمكن. الحفاظ على المرافق كما أشار فضيلته إلى أنه يجب على كل مسلم أن يحافظ على مرافق بلده ولا يعتدي عليها، المرافق العامة التي هي من مصالح البلد وأهله، فيحترمها ولا يعتدي عليها ولا يؤذي المسلمين فيها، فيدافع عن مرافق البلد العامة كالمراعي ومحل الاحتطاب وغير ذلك مما يحتاجه البلد أن يعتدي عليه أحد لأن البلد بحاجة إلى ذلك، وكذلك جاء النهي من الرسول صلى الله عليه وسلم للذين يدنسون مرافق البلد أو يضايقون المسلمين فيها فقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا اللاعنين» قالوا وما اللاعنان يا رسول الله قال: «الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم»، فشوارع البلد وطرقات البلد يجب أن تصان، والا يجعل فيها العراقيل التي تؤذي المارة (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)، وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الملاعنة الثلاث البراز في الموارد قارعة الطريق والظل» والموارد المراد بها موارد المياه، لا توضع فيها العراقيل أو الأنجاس أو القاذورات، تعطل الناس من ورود الماء، وورود البهائم، كالأنهار والسواقي والآبار والجدران وغير ذلك، فالماء الذي يرده الناس يجب أن يصان أن تصان جوانبه، من أن يوضع فيها ما يمنع الناس أو يؤذيهم أو يعرقلهم أو يقذر ذلك عليهم، فإن من فعل ذلك فهو ملعون، اتقوا الملاعن أي التي توجب اللعنة على من اعتدى عليها ولأن الناس يلعنونه، إذا آذاهم فيها، الموارد قارعة الطريق وهي الجادة المسلوكة التي يتطرقها الناس لا يجوز لأحد أن يضع فيها ما يعرقل السير ويؤذي المارة. وأوضح الفوزان أن الشرع جعل تنقيتها من شعب الإيمان قال صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» والذي ينحي الأذى عن الطريق عن طريق المسلمين له اجر عظيم وثواب جزيل، ولو الشجرة أو شيء يعرقل السير لا يجوز للإنسان أن يضعه، وإذا وضعه غيره فانه ينبغي له أن يزيله، يحصل على الأجر العظيم في إزالة الأذى عن المسلمين في طرقاتهم والظل الذي يستظل به الناس من الشجر والحدائق والمرافق التي يتنفس فيها أهل البلد ويستريحون فيها ويستظلون بأشجارها هذا لا يجوز لأحد أن يقذره عليهم أو أن يوسخه عليهم أن يغيره لأنه من صالح المسلمين. التدمير بحجة الجهاد وذكر فضيلته أن الذي يتعرض للظل النافع، هذا متعرض للعنة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عده من الملاعن التي يلعن من غيرها أو أحدث فيها ما يعطلها أو ينقص الانتفاع بها، في حين أنه كثيرًا من الناس هداهم الله إذا جاؤوا إلى ظل وسخوه وخلفوا فيه المخلفات من المآكل وغير ذلك ويوسخونه أيضا بالنجاسات، بحيث إذا رحل من المكان إذا هو قد تركه لا يصلح لمن يأتي بعده، وليس هذا من خصال المسلمين، المفروض أنه إذا انتفع بالظل وارتفق به أن يذكر إخوانه الذين يحتاجون إلى هذا الظل، فلا يترك فيه وسخا ولا يترك فيه مخلفات ولا يترك فيه ما يعطله أو ينقص الانتفاع به على الآخرين، فهذا واجب على المسلمين أن يحترموا مرافق البلد ويحافظوا عليها وينموها. فكيف بالذين يدمرون مرافق البلد تدميرًا ويهدونها هدًا بالمتفجرات وغير ذلك، حتى المساجد لم تسلم منهم يفجرونها ويلقون فيها القنابل ويقتلون الناس في مساجدهم ويدمروا مبانيها ومرافقها، ويدعون أن هذا من الجهاد في سبيل الله وأنهم مجاهدون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فيجب التنبه لهذا والتنبيه من يجهل هذا الحكم ويغرر به ويلقى في باله أن هذا من الجهاد وأن فيه فضيلة، في حين أنه من التدمير والله لا يحب المفسدين، هذا من الإفساد في الأرض والله لا يحب المفسدين، فضلا عما يحصل من قتل الأبرياء قتل النفوس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فهم يرتكبون جرائم بل قد يقتلون أنفسهم يفجرون أنفسهم ويقولون هذه شهادة، كيف يكون قاتل نفسه شهيدا، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن قاتل نفسه في النار، والله جل وعلا قال: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أن اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)، وفي الحديث الصحيح «أن من قتل نفسه في سم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم قتل نفسه بحديده حديدته في يده يجأ بها نفسه في نار جهنم ومن تردى من جبل فقتل نفسه تردى في جهنم»، والعياذ بالله، فقاتل نفسه مرتكب لكبيرة، كيف يقال أنه شهيد، مستوجب للنار، كيف يقال أنه في الجنة، والرسول صلى الله عليه وسلم اخبر أنه في النار، والله إنما جعل الشهادة للقتل في سبيله يُقتل قُتلوا (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء)، الذي يقتل في الجهاد تحت راية المسلمين هذا هو الشهيد، الذي يقتله غيره بيد الأعداء، أما الذي يقتل نفسه متعمدا فهذا مرتكب لكبيرة ومتوعد بالنار ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل كذا وكذا أي ذلك في سبيل الله قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»، فالمرجع في هذا إلى قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم لا إلى قول المخربين والظالمين والمخرفين، الذين يغسلون أدمغة الناس ويعطونهم هذه الأفكار الخبيثة، فتدميرهم لمصالح البلد ولمرافق البلد حتى المساجد لم تسلم منهم، أين هم والجهاد في سبيل الله، إذا كان من بال في الطرق أو تحت شجرة يستظل بها الناس، قد استوجب اللعنة، فكيف بالذي يدمر المرافق تدميرًا على من فيها، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ودعا الفوزان هؤلاء إلى أن يتوبوا إلى الله عز وجل، ويعرفوا من هو صديقهم من عدوهم، ويتعلموا العلم النافع الذي يهديهم به الله إلى صراط مستقيم، ولا يتلقوا معلوماتهم عن أناس مضلين، وكذلك حسن المواطنة يكون بكف الأذى عن جيرانك وعن مواطنيك وبذل الندى والمساعدة والإعانة لهم على مصالحهم وحسن التعامل معهم في البيع والشراء والمعاملات وحسن المعاشرة والصداقة معهم إذا كانوا من المسلمين، لأنهم إخوانك، وحتى إذا كان المواطن من الكفار ودخل في بلاد المسلمين بموافقة من ولي الأمر أو حتى من بعض أفراد المسلمين لمصلحة وليس فيها مضرة على أحد فإن هذا يحسن إليه ما دام في بلاد المسلمين، حتى يخرج منها، لأن دين الإسلام دين الوفاء قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ). هؤلاء في ذمة المسلمين وأكد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان أن المعاهد وكذلك الدبلوماسيون الذين يأتون برسائل ومهمات وكذلك التاجر الذي يأتي لبيع تجارته أو تسويق أمواله، بإذن من ولي الأمر فهذا أيضا لا يمس بسوء، حتى يخرج لأنه في كفالة المسلمين، وفي ذمة المسلمين، فلا يجوز لأحد أن يعتدي عليه، وقد قال سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ)، فجعل الجوار له حق من الحقوق العشرة المذكورة في هذه الآية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الجيران ثلاثة جار له ثلاثة حقوق وهو الجار القريب المسلم له حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام وجار له حقان وهو الجار المسلم غير القريب له حق الإسلام وحق الجوار وجار له حق واحد وجار له حق واحد وهو الجار غير المسلم له حق الجوار»، فهذا دليل على أن الكافر إذا كان جارًا لك فإنك تحسن إليه له حق الجوار ولا تؤذه، هذا من المواطنة الشرعية التي أمر الله جل وعلا بها. كما أكد فضيلته أنه لا يجوز الاعتداء على من دخل في كفالة ولي الأمر أو أحد من المسلمين فإنه يجب أن يحترم دمه وماله وحرمته، حتى يخرج من بلد المسلمين، الله جل وعلا قال: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ)، والنفس التي حرم الله، هي نفس المسلم ونفس المعاهد والمستأمن، فهي نفس حرم الله قتلها بدليل أن الله أوجب في قتل المعاهد الكافر خطأ ما أوجبه في قتل المسلم (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إِلاَّ أن يَصَّدَّقُواْ فإن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)، فأوجب في قتل الكافر المعاهد خطًا ما أوجبه في قتل المسلم من الدية والكفارة، أما من قتل المعاهد متعمدًا، فهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين سنة» أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فالذي دخل بلاد المسلمين بإذن من ولي الأمر أو من خول له الإذن فإنه يكتسب حرمة النفس وحرمة المال ولا يؤذى حتى يخرج من بلد المسلمين، فهذا من المواطنة الشرعية حتى ولو كان المواطن كافرًا له حق الإقامة في بلد المسلمين مادام مقيما فيها فله حق المواطنة الشرعية، فهذه أمور يجب على المسلمين أن يعرفوها، يجب أيضًا تعمير البلاد، المشاركة في تعمير البلاد وإصلاح مرفقاتها وهذا من الإحسان إلى المسلمين، وألا يكتفى بما تبذله الدولة، خصوصًا إذا كانت الدولة قليلة ذات اليد فإن المسلمين يشاركون في تعمير مرافق البلاد في مساجدها في مدارسها يشاركون في هذا، فهذا من المواطنة الصالحة والتعاون على البر والتقوى وفيه أجر عظيم. الظلم يدمر البلاد ومن زاوية ثانية أشار فضيلة الشيخ الفوزان إلى أن مما يعمر البلاد ويصونها، طاعة الله ورسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن هذا مما يعمر البلاد ويصونها، قال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ أن اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ أن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، فهذا مما يعمر البلاد، الطاعة والعبادة إحسان فيما بين العباد وبين الله، وإحسان فيما بين العباد بعضهم مع بعض، هذا مما تعمر به أوطان المسلمين، ومما يدمر البلاد والعياذ بالله الظلم، فإن الظلم يدمر البلاد العامرة بأنواع الظلم، قال تعالى (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ)، قال تعالى (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ. أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أو آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)، قال تعالى (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا)، قال تعالى (فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) فالبلاد تدمرها المعاصي والذنوب، يدمرها الكفر والشرك بالله عز وجل، كما دمر الأمم السابقة التي خوت وبليت وبقيت آثار ديارها شاهدة عليها، قال تعالى (فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)، فيجب علينا أن نعمر بلادنا بطاعة الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنع الظلم فهذا مما يعمر البلاد، وهو إصلاح للبلاد، قال تعالى (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا). «الولاء والبراء» والوطنية وحول الجمع بين الولاء والبراء والمواطنة بالمنظور الغربي في ظل التحديات القائمة ضد الأمة الإسلامية قال الشيخ الفوزان: هناك فرق بين الولاء والبراء وبين المواطنة، فالمواطنة نوع من التعامل الدنيوي، وأما الولاء والبراء فالمراد بها المحبة لأولياء الله والبغض والكراهة لأعداء الله؛ فأنت تواطنهم مواطنة دنيوية لكن لا تحبهم في قلبك بل تبغضهم، ولا يمنع هذا أن تعاملهم بالإحسان كما قال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى). وسئل الشيخ الفوزان فضيلة الشيخ عن تأخير صلاة الفجر حتى قبيل طلوع الشمس بربع ساعة، وكذلك تأخير صلاة العصر فقال الفوزان: توقيت الصلوات مضبوط بالحساب الذي يوزع على المساجد، ويكون بواسطة شؤون المساجد كما هو معلوم، فيتمشى على موجبه ولا يتأخر المسجد عن المساجد الأخرى، بل يصلي المسلمون جميعا ولا يتأخر منهم أحد؛ فيحصل الاختلاف بين المسلمين، هذا أمر لا يجوز الاختلاف (فيه)؛ فإذا سمعت المساجد الأخرى قد أقيمت فيها الصلاة تقيم الصلاة؛ الظهر والعصر والفجر وكل أوقات الصلاة، ولا يجوز الشذوذ والمخالفة والاختلاف لاسيما في أمر العبادات فإن هذا مدعاة لاختلاف القلوب، ومدعاة للتفرق، وهذا ما يريده أعداؤنا. وحول تأخر بعض الخطباء والدعاة عن محاربة «الإرهاب»، وترك الأمر لمن لا علم له ولا دليل شرعي عنده قال الفوزان: هذا خلل، والناس بحاجة اليوم ماسة إلى بيان هذا الفكر وتعريته وبيان خطره على المسلمين، فعلى الخطباء والمدرسين وعلى طلبة العلم وكل من عنده استطاعة أن يبين لئلا يتغلغل هذا الفكر في أبناء المسلمين ونترك المجال للمخربين يغسلون أدمغة شبابنا وأولادنا ونحن مكتوفي الأيدي فيجب التنبه لهذا في المساجد وفي غيرها. وعن عدم نصح «المحدثين» وإقرارهم أو السكوت عنهم يستحق اللعنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من آوى محدثا» ذكر الشيخ: نعم من آواه يعني منع الوصول إليه، من منع من وجب عليه حد شرعي كحد القصاص أو حد السرقة أو حد القتل، والذي يؤويه ويمنع من إقامة العدل فيه هذا ملعون «لعن الله من آوى محدثا»؛ فيجب التعاون على تنفيذ أحكام الله عز وجل وتنفيذ حدوده لأنها رحمة للمسلمين، وتطهير للمجتمع وعمارة للأرض كما في الحديث «لحد يقام في الأرض خير لها من أن تمطر أربعين صباحا»؛ فالحدود من رحمة الله بالمسلمين، ولا يجوز لأحد أن يعترضها، ولا أن يشفع فيها إذا بلغت الحدود السلطان، فلعن الله الشافع والمشفع، ولما أراد أسامة بن زيد حب الرسول صلى الله عليه وسلم وابن حبه أراد أن يشفع لامرأة وجب عليها حد السرقة وقطع يدها، وجاء أهلها إلى أسامة يطلبون منه الشفاعة عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما كلم الرسول في ذلك غضب عليه وقال: «أتشفع في حد من حدود الله وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، لا يجوز إيواء المحدث ولا الشفاعة فيه ولا التستر عليه، الذي يضر بنفسه أولا ويضر بالمسلمين. مفهوم البيعة والجماعة وأوضح فضيلة الشيخ الفوزان مفهوم مدلول البيعة والجماعة في الإسلام وعلاقتها بمصطلح المواطنة فقال: المواطنة والوطن لا يقوم ولا يتكون إلا بولي أمر؛ لأنه لا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة؛ فهذا شيء ضروري، ما يكفي أن المسلمين يجتمعون بدون قيادة مسلمة توجههم وترشدهم، ولذلك مبايعة ولي الأمر أمر ضروري، والصحابة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشتغلوا في تجهيزه وتجهيز جنازته حتى بايعوا الخليفة، بايعوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فلما بايعوه اتجهوا إلى تجهيز الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه ودفنه. ووجه فضيلته الشباب وحذرهم من شبهة الشهوات وأثرها وخطرها عليهم فقال: ما في شك أن الشبهات خطيرة جدًا، أعظمها والعياذ بالله فتنة الشبهات في العقيدة؛ هذه أخطر، ثم فتنة الشهوات من المحرمات ومن المسكرات والأطعمة وغير ذلك والأقوال والأفعال المحرمة كل هذا من أعظم الخطر على المسلمين، والشباب وبخاصة يجب أن يؤخذ بأيديهم وأن يربوا على الخير وعلى الإسلام وعلى الطاعة، وعلى البعد عن الشهوات المحرمة، يربوا في البيوت على أيدي الوالدين، يربوا في المدارس على أيدي المدرسين، يربوا قبل المدارس في المساجد على أيدي الأئمة والخطباء، يربوا على يدي المجتمع ككل، يجب العناية بشباب المسلمين، وألا يتركوا لمروجي التخريب ومروجي الشهوات والشبهات. وقال الشيخ الفوزان: إن الغلو ليس رحمة إنما هو عذاب وشقاء على (أهله) أنفسهم، وعلى المسلمين. مذهب الخوارج وحول مذهب الخوارج وزعيم هذا المذهب ووقت انتشاره، وما إذا قاومه أحد من الخلفاء قال الفوزان: الخوارج هم الذين يخرجون عن طاعة ولي أمر المسلمين، ويشقون عصا الطاعة ويقاتلون المسلمين، ويكفرون المسلم بالمعصية التي دون الشرك، (أي) الكبيرة التي دون الشرك، يكفرونه بها، فهم يجمعون بين جريمتين جريمة التكفير بالكبائر التي دون الشرك، وجريمة شق عصا الطاعة وتفريق الجماعة، وجريمة ثالثة وهي قتل المسلمين، أخبر صلى الله عليه وسلم «أن الخوارج يقاتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان»، وهذا دأبهم في كل زمان، تجد تسلطهم على المسلمين وعلى مجتمعات المسلمين، وأول من قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم توالى من بعده الخلفاء وولاة الأمور في قتالهم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم عنهم: «كلما ظهر منهم قرن قطع»، والحمد لله يسر الله لهم من يخمد فتنتهم. وسئل الشيخ الفوزان عن التعاطف مع الخوارج بحجة وجود مخالفات من بعض المسؤولين رغم خطورة ما يقوم به أصحاب الفكر الضال أوضح فضيلته: أن مخالفات بعض المسؤولين لا تبيح أن نخرج عليهم وأن ننفض اليد من طاعتهم ما أقاموا الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر ما يكون من الولاة من مخالفات قالوا يا رسول الله أفلا ننابذهم قال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة»، فلا يجوز الخروج عليهم وشق عصا الطاعة بسبب ما يحصل منهم من القصور والتقصير ما لم يخرجوا عن الإسلام؛ لأن في البقاء على طاعتهم وجمع الكلمة مصالح، وفي الخروج عليهم مفاسد أكبر من الصبر عليهم، ولا شك أن درء أعلى المفسدتين بارتكاب أدناهما، هذه قاعدة شرعية (ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاها)، ومعاصيهم ضررها على أنفسهم وأما الاجتماع عليهم فهذا من صالح المسلمين.