رحل الزميل الذي يحلو لي أن أناديه بالصديق، إلى عالم الآخرة، بعد أن ودعنا قبل عدة أيام حاملا في جعبته الكثير من الآمال والطموح. رحل تاركا خلفه بصمة جميلة لا تنسى لحياة مليئة بالحب والتقدير والاحترام والشهامة. لقد كان نعم الأخ والزميل والصديق، حيث كنا مبتعثَين من قبل وزارة المعارف آنذاك إلى بريطانيا، وحاز خلال الدراسة على احترام وإعجاب الإنجليز، الذين لم يكن يعجبهم شيء! لقد كانوا يتركون الأوقات العصيبة التي تحدث بين الطلاب عادة كما هو الحال في المدارس والجامعات، ليواجهها بنفسه فيستنيرون برأيه ويحترمون كلمته. شاركني عدة مرات في نقل صورة مشرقة عن المملكة العربية السعودية لطلاب وطالبات الجامعة، الذين كانوا يعتقدون أنها صحراء قاحلة بخيمة بدوي وبعير وصنبور يتدفق منه البترول، فكانت المفاجأة لهم أنها أرض مزدهرة بالتطور والعمران والأمن والأمان. مهما كتبت عن الزميل الصديق ذياب سعدي الغامدي (رحمه الله)، والذي أحب أن أناديه ب(أبو أميرة) ابنته البكر التي رزقه الله وزوجته السيدة المحترمة بها بعد فترة من الزمن، فلن أوفيه حقه. لقد كان أبو أميرة عملة نادرة ورجلا شهما خلوقا. لا أنسى موقفه في حفل التخرج عندما أراد الخريجون أن يرفضوا حضور الحفل لأسباب ليس المجال مناسب لذكرها، فما كان منهم إلا أن ينتدباني أنا وأبا أميرة لنقوم بمهمة تبليغ الجامعة عدم رغبتنا بالحضور، لمعرفتهم باحترام الجامعة لكلينا، فما كان من إحدى أساتذة الجامعة التي قابلناها عند دخولنا مقر الجامعة آنذاك إلا أن تقول لنا بعد أن وجهت لنا سؤالا مفاجئا!!! نحن نحترم رأييكما ونقدركما كثيرا، ولكن أبلغا زملائكما بأننا لن نقيم الحفل، وسنقوم بإرسال الشهادات بالبريد العادي إليكم في المملكة بعد ثلاثة أشهر! عندها رضخ الجميع إلى الأمر الواقع، فكان هو من اختارني مع مشرف البعثة «بريطاني الجنسية» لإلقاء كلمة الخريجين. رحمك الله أبا أميرة رحمة الأبرار، وأسكنك فسيح الديار، وألهم أهلك وذويك الصبر والسلوان، وبارك الله في أبنائك وبناتك ووالدتهن، وجبر الله قلوب أحبابك على فراقك.