من بداية الألفية الثالثة والعالم العربي يمر بأزمات متلاحقة سبقها غزو الكويت وتحريرها والانقضاض على العراق وتدميرها وتسليمها إيران.موجة ما سمي بالربيع العربي أحدثت زلزالاً كبيراً في المنطقة. في البداية استبشر الكثيرون بمرحلة جديدة تؤدي للتخلص من أنظمة فاسدة لم تقدم شيئاً لمجتمعاتها وحانت ساعة الصفر للتغيير المنتظر ولكن جميع المتحمسين أغفلوا دور الدولة العميقة في كل بلد وكيف يمكن أن تحبط أي عمل أتى للتخلص منها. والواقع إن التحركات الشعبية التي حصلت بداية بتونس ومصر وليبيا ومن بعد في اليمن وسوريا أسقطت الرموز ولم تسقط الأنظمة الخفية وتعطلت الحياة العامة .. ولم تأتِ بالبديل .. وسقطت الأرواح البريئة ولم يحاسَب المجرمون .. ونال الدمار المنشآت ومصادر الدخل وتغوَّل الخوف وضاع الأمان واستُنزِفت الطاقات وفُرِّغت الخزائن والأعداء الحقيقيون أفلتوا من العقاب ، وأصبحت دول المنطقة فريسة سهلة للمتربصين(إيران وإسرائيل من جهة وأطماع الرأسمالية الغربية من جهة أخرى) . كل هذا حصل ولم يستطع أحد أن يغير الموقف ويصحح المسار لأن الأنظمة كانت هشة والمجتمعات كانت مغيبة وعندما أتت ساعة الصفر لم تكن لديها الحصانات التي تحميها من الانهيارات التي يقف خلفها مجتمع مدني يرفض أن يفرط في كل المنجزات ولا يسمح للفوضى والعبث بالأمن والاستقرار وينظم حواراً عقلانياً يضع الأمور في نصابها وينقذ المجتمعات المنكوبة من جحيم الهاوية. موجة الإرهاب صعَّدت الضغط على شعوب المنطقة وأصبح التوجس ديدن ما تبقى من الأنظمة الرسمية التي تبحث عن مخرج من تهمة الإرهاب لكي تنقذ كياناتها من اللحاق بمن طالهم الخراب تحت ذريعة التغيير المنخلية الزائفة. ضياع البوصلة السياسية المصحوب بانعدام الحنكة الدبلوماسية عادة يقود للتخبط في صناعة القرار وفقدان البصيرة وهذا ما مرت وتمر به المنطقة العربية من بداية الألفية الثالثة. وعندما تشل حركة بغداد عاصمة العباسيين ودمشق عاصمة الأمويين بكل ما لهما من وزن في نسيج الأمة العربية وتاريخها الإسلامي المجيد فإن ذلك الفقد لاشك يحدث خللاً في توازن الأمة ويجعلها فريسة سهلة لأطماع الطامعين. والملاحظ أن المغرب العربي ينأى بنفسه عن الولوج في أي جهد سياسي ودبلوماسي يساعد على إنقاذ النظام العربي الغريق وعمقه التاريخي الجريح. ويبقى في الساحة مصر والمملكة العربية السعودية وأشقاؤها في دول مجلس التعاون مع بعض الاستثناءات التي تختار التغريد خارج السرب بدون جدوى منطقية سوى سراب التيه إلى المجهول. ان ملحمة التاريخ التي تدور رحاها على أرض التاريخ العريقة في المنطقة تحتاج إلى حملة إنقاذ دبلوماسية حكيمة بداية بالابتعاد عن شعللة الخلافات من قبل المغرضين في شبكات التواصل الاجتماعي الذين يبحثون عن الشهرة والمجد في صحراء العرب الافتراضية! .. اهتمام أمريكا بما حصل بين قطر وجيرانها وزيارات المسؤولين الأمريكان المكوكية لدول المنطقة تدفع بها حماية لمصالحها العميقة في المنطقة ولكن المناورات السياسية تطغى على ضرورة إيجاد حل سريع للأزمة وأصبح من الواضح أن الدبلوماسية العربية تعاني من العجزعلى كل الجبهات الداخلية والخارجية ،وموقف الحليف الأمريكي متأرجح بين موقف قطر المتمرد وموقف الدول الأربع التي قاطعت قطر التي لم تقدر الوساطة الكويتية وارتمت في أحضان إيران وتركيا.وفشل الدبلوماسية العربية يعبر عن انكشاف إستراتيجي يحبط كل أمل في حل دبلوماسي ينزع الفتيل من الأزمات المتلاحقة على أمن واستقرار المنطقة ..ويبقى تلاحم الوحدة الوطنية صمام الأمان الوحيد أمام شعوب دول المنطقة.