من الوقائع الثابتة تاريخيًا أنّ كسرى في عاصمته الغابرة (المدائن) أراد اختيارَ ملك على الحيرة الواقعة أنقاضُها في جنوبالعراق، من أبناء المنذر بن ماء السماء!. فدعاهم لديوانه وسألهم واحداً واحداً: (هل تكفيني العرب؟) فأجابوه بنعم ولكن لا يقدر بعضُنا على بعض، وقالوا ذلك كي يهاب كسرى العرب ويعلم أنّ لهم منعةً وبأساً، إلّا النعمان بن المنذر أجابه بنعم وإن عَجِزْتُ عن العرب فإنِّي عن غيرهم أعجز، وهكذا لبِسَ النعمانُ تاجَ مُلْك الحيرة!. وما يُستفاد من الواقعة وتُؤخذ منها الدروس، هو أنّها تُجسِّد الاستراتيجية الدائمة للفُرْس تجاه العراق العربي منذ قديم الزمان، أي إيجاد مُوالٍ لهم فيه يكفيهم العرب، باستثناء عصورٍ قليلة لعلّ أبرزها عصر صدّام حسين الذي عكس الاستراتيجية وكفى العربَ الفُرسَ إلى حدٍّ ما!. وترسّخت الاستراتيجية الفارسية، وتتبّجح إيران الآن بأنّ بغداد هي العاصمة الأزلية لامبراطورية فارس، وعزّزت الميليشيات العسكرية الإرهابية التي تُواليها أكثر ممّا تُوالي الحكومية العراقية، والميليشيات تُصرِّح بذلك بلا خجل!. وإكمالاً للواقعة تنعّم النعمان بمُلْكِ الحيرة، وحارب كثيراً من العرب في سبيل كسرى وإرضائه، وكانت أيّامه بؤساً للعرب ونعيماً له ولكسرى، ثمّ دارت الدائرة وأراد كسرى اختبار ولاء النعمان، فأرسل إليه رسولًا متعجرفًا آمرًا إيّاه بِبَعْثِ أجمل نسائه إليه، ممّن يعِشْنَ معه في قصر (الخورنق) الذي بناه المهندس سِنِمّار فجازاه النعمان بقتله، فقيل في الأمثال: (جزاءُ سِنِمّار)!. وعاد الرسول لكسرى بجواب النعمان: (أليس في فارس نساء؟)، أي أنه يرفض بعْث نسائه إليه بما فيه من نخوة وغيْرة عربية، فانقلب كسرى على النعمان ويُقال أنّه حبسه في سجنٍ مع مرضى الطاعون المُحتضِرين، ليموت من الذُلّ والخوف.. والطاعون! ذاك هو كسرى، وتلك هي فارس وهذه هي امتدادها.. إيران، فهل من مُتّعِظ؟.