أنت الذي أبصرتك من أعماق الظلام في بطن أمي وفيه رأيت نور بيتيك وضياء الأقصى يا وطني ولم أر فيه الدجى حتى بعد مولدي. لو شغلت بالخلد عنك نازعتني إليك في الخلد نفسي، كلما بعدت عنك عدت إليك مكبرا في اليوم خمسا والخلائق صوب مكة قبلوا وكبروا ولوحوا عليك سلام الله يا وطني جفت عليك دموع العين والأشواق مولعة في الغدو والآصال، سقتني سماؤك وأنبتت مهدي أراضيك وداعبت ملابسي وشعري رياحك والنسيم وأنستني نارك بالدفء ياوطني الحميم غرست أناملي في طين أرضك وبنيت ذاك القصر العظيم ورواه شاطيك بين المد والجزر الرقيق ونقشت بها ساعدي ومسحت بها وجنتي ورأسي يملؤه ماء وطين وغاصت أقدامي في وحلك كالعجين وتربصت في كل سيل أتى من كل فج عميق وارتشفت من عروق الأرض السلسبيل وتبسمت في وجهك كما طفل رضيع وطرت فيك كما طير صغير ولاحت لي أشجارك ورق علي جريد النخيل وطلع فجرك مثل طلع النخيل فاحمر ثم اصفر وكان اليوم كالعيد السعيد. غريب عنك وحر فيك يا وطني فكل الديار دونك سراب وكل ضياء دونك ظلام فما أنت إلا بضعة مني وما أنا إلا بضعة منك فأرحل لتبقى وتبقى لنبقى وأنت لنا كالجسد العظيم إن اشتكى له الجنوب تداعت له كل الحدود بالسهر على الثغور وإن قرعت طبول الحرب نجد لبى لها كل حر غيور كما في رعد الشمال وعاصفة الجنوب فنم بين كفي وساعدي وارتقي أكتاف نجمي والسيوف. أولا زلت تسألني من أنت يا وطني؟ دعني إذًا أسر لك القول من بين السماء والنجوم: أنت أرض الله وأنت بيت الله وأنت مهبط رسالة الله وأنت قبلة بيت الله وأنت بيت نبي الله وأنت في حمى الله.