للصحافة دور متفرد تلعبه في أي مجتمع ويتعاظم هذا الدور سلباً وإيجاباً ، فأداؤها الإيجابي يؤهلها لتصبح سلطة رابعة تعزز السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، والسلبي يجلب لها غضب الناس ونقمتهم . فالصحافة تُنبَذُ ويُنفَرُ منها إن لعبت دوراً يعمق السلبيات أو تلاعبت بأوتار حساسة تفرق النسيج المجتمعي وتُمزق وحدة أفراده أو شحنه بالبغضاء والكراهية، من حيث تصنيف الناس على أساس طبقي أو أن هؤلاء أثرياء وأولئك فقراء، فالنقمات حتماً ستطارد كل من يستخدم الكراهية غطاء لتحقيق مآرب وأهداف ضيقة ومنها اصطياد القراء وجلب الإعلان، أو لتنفيس شخصي. يتابع القارئ حملات مسعورة على القطاع الخاص تتعمد تصويره على أنه بعبع يجسد الطمع والشره وتنمط التاجر بأنه يهرول خلف الثراء بأي وسيلة وكل طريقة، وللمفارقة هذه الحملات لا تسأل نفسها عن دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني أو تتغافل الإشاره للرهان عليه في رؤية 2030 لتنويع الإيرادات، والمؤسف أن بعض زملائي الصحافيين يغيّبون حقيقة أن التجار هم جزء أصيل من المجتمع السعودي فهم أعمامنا وأشقاؤنا وجيراننا وأقرباء فهم أبناء الوطن الذين يعملون في التجارة وبعضهم قد يكون صحفياً اشترى أسهما في شركات تعمل في الاقتصاد، فهم منا وفينا وأملاكهم لمواطنين مما يفترض معه أن تلعب الأقلام دورها التوعوي التنويري أو أقلها توضح أن المملكة اليوم تعيش دورة اقتصادية فيها تناقض يعرف ب (Stag- flation) وفيه الأسعار تتقلب وترتفع البطالة في نفس الوقت وهو يعكس خللاً لأن ارتفاع الأسعار يشير لارتفاع في الطلب، ما يعني توفر سيولة في جيوب الناس والعرض غير كاف، ولكن للمفارقة فإن البضائع معروضة في الأسواق والأسعار والبطالة ترتفعان. هذا الخلل حتما ليس من القطاع الخاص الذي ينتج ويعرض ما ينتج. وأما عدم قدرة المستهلك على الشراء إما لأنه في مثل هذه الظروف شديد الحذر في الإنفاق لافتراضه بأن ما معه من (قروش) ستنفد أو لأن (الرويتب) نفسه يتبخر دون نهاية الشهر. للأسف الصحافة تتغافل عن هذه الأبعاد، ولا تتحدث عن الانكماش العام الذي نعيشه أو عن الارتفاع الهائل في تكلفة الإنتاج ،ولا تتناول بالنقد تأشيرات تصدر دون أن تصل مباشرة للقطاع الخاص الذي يحتاج لأيدٍ عاملة ماهرة يعجز عن الحصول عليها. وما يحدث في الاقتصاد الوطني معلوم بالضرورة فهناك سياسات عامة معلنة لتحقيق أهداف كلية كبرى رأتها الدولة أو امتنعت عن اتخاذ أخرى، فالانكماش والتباطؤ في تسارع كتلة ودوران الريال داخل الاقتصاد انعكاس لها مع الارتفاع النسبي في الأسعار ومعدل البطالة في وقت واحد، فالقطاع العام من يقرر حجم المشتروات والمدفوعات الحكومية والإنفاق العام وهو من ربط الريال بالدولار وبأسعار الفائدة المرتبطة به وباستيراد تضخم يؤثر في القطاع الخاص فينكمش وترتفع البطالة ..ولهذا مفهوم القرار السياسي يتسع ليشمل من يدخل أو يخرج أو يمنح تأشيرات، فهو مؤثر في كل مناحي الاقتصاد وبيئة العمل التجاري وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان فضلاً عن أهل الصحافة.