استضاف مجمع «عكاظ» في جدة ندوة ضمت مجموعة من أعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز، ورجال الأعمال، تحت عنوان «تضخم الأسعار.. المسببات والحلول»، وناقش المشاركون ظاهرة التضخم من مختلف جوانبها، وخلصوا إلى أنها ظاهرة عالمية، معتبرين أن المنظومة الاقتصادية للمملكة تفتقد إلى المرونة الكافية لتشجيع القطاع الخاص، لذلك هناك ضرورة لإعادة النظر في عمل هذه المنظومة بهدف تعزيز المنافسة، ورفع كفاءة الإنتاج. ودعوا إلى ضرورة وجود تنسيق مشترك بين الوزارات والمصالح الحكومية ذات العلاقة بهذا الجانب، مشيرين إلى أن بعض القرارات قد تصدر بشكل عشوائي وتتناقض مع قرارات تصدرها جهات حكومية أخرى، معتبرين أن كل هذه العوامل تؤدي في النهاية إلى رفع الأسعار، وبالتالي إلى ظهور التضخم بكل نتائجه وتداعياته السلبية. ثلاثة محاور اعتمدت الندوة على تحليل هذه الظاهرة من خلال ثلاثة محاور: الأول اقتصاد الدولة، والثاني المستهلك، والثالث التاجر، واستهلها عمار شطا الذي بدأ عرضه بتحليل ظاهرة التضخم ودور الدولة في هذا المجال، مشددا على ضرورة وضع تعريف محدد لهذه الظاهرة قبل أي محاولة لتحليلها، معتبرا أن هذا الأمر يسهم في وضع حل قائم على فهم عميق للمشكلة، وإدراك جذري لأبعادها حتى لا تخرج الحلول سطحية ومبتورة. وأوضح أن المملكة تعاني بالفعل من معدلات تضخم حقيقية، مشيرا إلى تقرير لصندوق النقد الدولي أوردها بشكل مفصل، معتبرا أن المملكة هي الضحية الأكبر للتضخم من بين دول الخليج التي تشترك في اقتسام سمة الاقتصاد الريعي، ففي حالة عقد مقارنة benchmarking بين معدلات التضخم ومعدلات ازدياد الدخول في دول الخليج خلال السنوات العشر الماضية، نجد أن المواطن القطري مثلا فقد القيمة الشرائية بنسب تترواح ما بين 50 و55 في المئة، فيما زاد دخله خلال سبعة أعوام ما بين 50 و60 في المئة، وفي المقابل نرى أن المواطن السعودي فقد القيمة الشرائية بنسبة 52 في المئة، بينما لم يزد دخله أكثر من 15 إلى 16 في المئة. وعزا شطا مشكلة التضخم في المملكة إلى القطاع العام ومشكلاته وإلى آلية إدارة الاقتصاد، وهو ما يرتكز على أربع نقاط، أولها: أن اقتصاد الدولة هو اقتصاد ريعي، والاقتصاد الريعي له ثلاث سمات، الأولى أنه يعتمد على مورد أو على دخل لا علاقة له بالإنتاج، كالبترول والغاز مثلا في المملكة، أو كتحويلات العمالة الخارجية في الدول التي تعتمد عليها كمصر أو الفلبين، والثانية أن الدولة هي العنصر الحاكم على هذا الريع وتقوم بتوزيعه على مختلف المجالات والأنشطة الاقتصادية، أما الثالثة فهي تركيز توزيع الريع على المواطنين، كما أن الاقتصاد الريعي هو اقتصاد قليل الكفاءة لا يعطي مضاعف اقتصادي economic multiplier، كما أنه اقتصاد استهلاكي، يفضل فيه المواطنون الاستهلاك والاستيراد على الإنتاج والتصدير، لسهولة توافر الأموال وسعة تداولها. ضخ التضخم وأضاف أن النقطة الثانية هي السياسة النقدية. فالمملكة تربط سياستها النقدية بسياسة الولاياتالمتحدة النقدية، والولاياتالمتحدة دولة صناعية تمر بأزمة رأسمالية خطيرة وهي انتكاسية الاقتصاد أو انحسار قيمة الأصول depression والتي تتبعها دورة اقتصادية قد ينتج عنها انهيار الرهون، وسقوط البنوك والشركات، ولذلك نجدها تضخ التضخم في عروق اقتصادها للحد من هذه الأزمة حتى لا تهبط الأسعار بشكل دراماتيكي، وهذه الأزمة الخاصة باقتصاديات الدول الصناعية الرأسمالية الكبرى لا تنطبق على اقتصاد المملكة بأي صورة من الصور، فقد صرحت اليابان على سبيل المثال منذ عدة أشهر بأنها تستهدف زيادة التضخم بنسبة 2.5 في المئة، وعلى هذا فالتضخم متعمد في هذ الدول، وكنتيجة لذلك فإننا نضخ التضخم أيضا في اقتصادنا بالتبعية، رغم أننا لا نحتاجه لأن اقتصادنا ريعي. وقال «إن النقطة الثالثة هي سياسة الإنفاق في المملكة، وهو ما حذر منه صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير، حيث حذر من زيادة معدلات الإنفاق وارتفاعها بشكل غير مسبوق بالتزامن مع ضعف الإنتاج ورخاوته، وهو ما يصنع تراكما تضخميا متسارعا. بالونة القطاع العام وأضاف، أن النقطة الرابعة هي القطاع العام؛ مشيرا إلى أن اقتصاد أي دولة يشبه البالون، يجب ملء فراغه في القطاعين العام والخاص، وفي حالة تضخم أي منهما يميل النوع الآخر إلى الانكماش بطبيعة الحال. فالولاياتالمتحدة يسيطر عليها القطاع الخاص لذلك نجد القطاع العام لديها محدودا ومنكمشا والقطاع الخاص أشد كفاءة وفعالية. فالقطاع العام إجمالا غير مجد اقتصاديا، لأن جوهر دوره ينحصر في عملية الرقابة والمتابعة والإشراف، وعندما يسيطر القطاع العام على الاقتصاد نجد أن القطاع الخاص بدأ في الانحسار وفقد كفاءته التي يمكنها إدارة الثروات ما يضعف كفاءة الاقتصاد. وعن تصوره لوضع حلول عملية لهذه الأزمة قال شطا: إن هناك عدة نقاط أبرزها تحرير الاقتصاد، والتقليل من تدخل الدولة في التحكم في المجريات الاقتصادية، فمثلا على الدولة تخفيف العقوبات والمخالفات والجزاءات، وعليها إعادة الدور الحكومي الاقتصادي إلى مربع الإشراف والرقابة ودعم بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى، وتقليص أجهزتها الحاكمة، لأنه كلما تقلصت أجهزة الدولة قل ترهلها وضعفت بيروقراطيتها، كما أن تحويل بعض الوزارت إلى هيئات يحسن كفاءتها ويزيد إمكانياتها، معتبرا أنه يجب اعتماد سياسة نقدية مستقلة، وسياسة إنفاقية مهيكلة بعيدة المدى مدعومة بأجهزة رقابية محاسبية وقضائية وتنفيذية تستطيع ترشيد الإنفاق وجدولته على نحو ملائم، وأخيرا السعي الجاد إلى الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الصناعي الإنتاجي الذي لا يعتمد فقط على إنتاج المواد الأولية للموارد المتاحة، بل يتوسع في إنتاج المشتقات الثانوية غير المرتبطة بأسعار الموارد بطرق مباشرة، ما يولد المضاعف الاقتصادي، ويقوي من اقتصاد الدولة بشكل جوهري وحقيقي. تحرير الاقتصاد من جهته، رأى الدكتور زياد القرشي أنه لا يوجد اقتصاد محرر بنسبة 100 في المئة، معتبرا أن تدخل الدولة في الاقتصاد هو أمر حتمي لحماية بعض الفئات التي تحتاج دعمها ومساندتها. وأكد وجود تضخم فعلي في الأسعار يلمسه المواطنون، مشددا على وجود خلل حقيقي اقتصادي أدى إلى وجود مثل هذا التضخم، مشيرا إلى مجموعة عوامل تتسبب في حدوث هذه الظاهرة منها ثقافة القروض أو الديون التي تروج لها البنوك وتغري بها المواطنين للانغماس في المزيد من السلوك الاستهلاكي، وأيضا انعدام التوعية الثقافية التي تسعى إلى ترويج السلوك الإنفاقي الرشيد بين فئات المجتمع، ما يسبب حالة سيولة ضخمة تضخ في أوردة الاقتصاد دون إمكانية استثمارها على النحو الملائم. قرارات عشوائية أما نشوى طاهر فرأت أن هناك عشوائية وارتجالية في القرارات الحكومية، إذ أنها تفتقد إلى التنسيق بين مختلف جهات الدولة، الأمر الذي يؤثر سلبا على التاجر ويكون الضحية المستهلك. واعتبرت أن المملكة تعاني من جمود شديد في عملية تطوير أنظمتها الاقتصادية. وقالت «إن المجتمع السعودي مجتمع استهلاكي بالفعل، ولكن حتى استهلاكه يعد نوعا من الاستهلاك غير الواعي والذي لا يليق بدولة في مكانة المملكة». جمعيات تعاونية من جهته، أكد الدكتور نايف الشريف اتفاقه مع الرأي القائل بعدم وجود تنسيق بين قرارات الجهات الحكومية، وافتقاد هذه الجهات للمتطلبات الضرورية عند اتخاذها قرارات تتعلق بالقطاع الخاص. وقد أبدى استغرابه لعدم ضم ممثلين للقطاع الخاص عند اتخاذ أي إجراء حكومي يخص أنشطة القطاع الخاص كالرسوم التي تفرض على التجار من حين إلى آخر بشكل مفاجئ ويدفع ثمنها المواطن أو المستهلك، إلا أنه أبدى تحفظه على فكرة رفع يد الدولة عن التدخل في الشأن الاقتصادي بشكل كامل، وأكد على ضرورته في بعض الحالات، غير أنه اشترط أن يكون تدخل الدولة مقننا، أي بشراكة مع القطاع الخاص، معتبرا أن إلغاء احتكار البعض لعدد من الأنشطة الاقتصادية يجب أن يتم من خلال وزارة التجارة التي تقوم بتوثيق وتوقيع عقود الوكالات التجارية، بحيث تمنع الاحتكار وتمكن تجارا جددا من دخول السوق، لإتاحة التنافس الذي يعمل على الحد من الاحتكار. عدالة توزيع الموارد وعن ثاني محاور الندوة وهي المستهلك، تحدث الدكتور عبد الله تركستاني الذي رأى أن كلا من المستهلك والتاجر إنسان تحركه أطماعه، مشيرا إلى أن غالبية التوجهات الاقتصادية عالميا لا تعبر بحد ذاتها عن مفهوم الحق أو العدالة. فالقضية مثلا ليست في تحرير الاقتصاد من عدمه، بل في عدالة توزيع الموارد وحسن إدارتها، وتكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع الواحد. ورأى أن المستهلك هو الحلقة الأضعف في سلسلة التضخم، أو زيادة الأسعار بشكل مفرط، فهو الضحية الأولى لغلاء الأسعار، علما أن التجار باستطاعتهم تصدير الغلاء إلى المستهلك الذي ليس له صوت يستطيع من خلاله رد حقوقه باستثناء المنابر الإعلامية إن سلمنا جدلا بإسهامها في توصيل صوت المواطن والتعبير عنه، بعكس التجار الذين يفوضون من ينيب عنهم لدى السلطات المختصة. واتفق مع المشاركين على أن نمط المستهلك غير الرشيد يعد من العوامل المؤثرة في زيادة معدلات التضخم في البلد، وهو ما انعكس على زيادة السلع والمنتجات الكمالية أيضا، مرجعا نمط الاستهلاك غير الصحي في المجتمع السعودي إلى نقص الوعي الاستهلاكي السليم لدى المواطنين والتنشئة الأسرية غير السليمة وغير المبالية بتعليم الأطفال سلوكيات ترشيد الاستهلاك، إضافة إلى سيطرة العادات والتقاليد الداعمة للإنفاق الاستهلاكي على وعي الكثير من فئات المجتمع السعودي بمختلف شرائحه، مشيرا إلى تقصير الجهات الحكومية كالقنوات التعليمية أو المنابر الإعلامية المختلفة في تسويق المفاهيم الاستهلاكية الصحيحة. أكبر صحن كبسة وهنا أجرى عمار شطا مداخلة قال فيها: إن سلوك المستهلك غير المسؤول والباحث عن كل ما هو سهل ومريح، تسرع وتيرة التضخم، فثقافة صنع أضخم طبق كبسة وأكبر صحن حمص وأطول عمارة في العالم هي من تصبغ المجتمع بصبغتها، على حساب ثقافة أذكى طالب وأفضل اختراع وأنجح سيدة، وهو ما يلقي اللوم بالتأكيد على تفضيل النخب الإعلامية الحاكمة في المجتمع للنوع السهل من ثقافة الاستهلاك والتي لا تنتج حتى طبق حمصها الأضخم في العالم، بل تقوم باستيراده. وتطرق إلى أسباب غياب مؤسسات المجتمع المدني المستقلة الداعمة لحقوق المستهلك، وانعدام وجود جمعيات تعاونية تقدم السلع بأسعار رمزية، مشيرا في ذلك إلى البيروقراطية والتشدد في السياسات والإجراءات الممنوحة للقطاع الخاص، وعدم تشجيع نموه بكل الطرق وحرص الدولة على تركيز كل الأنشطة الاقتصادية في يدها، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة العبء على كاهلها وإلى فقر الخدمات، وانعدام الكفاءات في نهاية المطاف. وشدد على أن الإسلام هو أكثر دين حارب الاحتكار وتثبيت الأسعار والبيع والشراء على المكشوف، وأشار إلى ضرورة تطبيق هذه المباديء والعمل بها وإيجاد الآليات الملائمة لإخراجها إلى النور على أرض الواقع، وفي حالة حدوث ذلك فإن التضخم ستقل مشكلاته بلا ريب. كفاءة الدخل وردا على سؤال لنشوى طاهر عن الفرق بين زيادة الرواتب وكفاءة الدخل، وأيهما المطلوب في المملكة لكي لا يكون مواطنوها الأقل دخلا بين بقية مواطني دول الخليج، قال شطا: إن المطلوب بالطبع هو كفاءة الدخل، بمعنى أن يعتمد الدخل على مؤهلات وكفاءات معتمدة ومصدق عليها ومشهود لها، لا أن تتعلق بالأقدمية أو الوساطة وما شابهها، معتبرا أن الاعتساف في تطبيق السعودة يقلل من كفاءة العمل، ولا يفيده بأي صورة. فالعمل يجب أن يعتمد في المقام الأول والأخير على المهارات والكفاءات والإمكانيات الخاصة بالعاملين. وأشار إلى ضرورة اعتماد وزارة التخطيط على إحصائيات علمية ودراسات وأبحاث موثقة لتتمكن من القيام بدروها في التنسيق بين مختلف وزارات الدولة وإنتاج مخرجات إيجابية وقرارات غير متعارضة، واعتماد خطط قصيرة وطويلة المدى، كما أجمع الحاضرون على ضرورة تطبيق قرارات وزارة التخطيط على النحو الملائم لأنه لا خير في علم بلا عمل. عرقلة الكفاءات من جانبه، رأى الدكتور نايف أن مشكلة ارتفاع الأسعار هي مجرد عرض لمرض، وجذورها تكمن في منظومة العمل في حد ذاتها والتي لا تراعي فكرة تدوير قيادة المؤسسات بالقدر الكافي وتعطيها ما تستحقه من أهمية، وهو ما يؤدي إلى عرقلة ظهور كفاءات ودماء شابة جديدة تستطيع تقديم رؤى أفضل وتستطيع تحويل الأفكار والمفاهيم إلى جملة من التطبيقات على أرض الواقع على نحو أكفأ. وأشار إلى أن إشكالية الإسكان في المملكة وكيف يواجهها المواطن العادي بصعوبة بالغة، وارتفاع أسعار الإيجارات تلتهم دخل المواطن، علما أن المستأجرين في المملكة تبلغ نسبتهم قرابة 50 في من المواطنين والإيجار وحده يلتهم 30 في المئة من دخولهم. وقدم طرحا لحل مشكلة غلاء أسعار الأراضي بأن تقوم الدولة بتأميم الأراضي التي عليها شبوك وتقوم ببيعها للمواطنين بأسعار رمزية. وأضاف أن المواطن ينفق الكثير من دخله على الصحة والتعليم ما يؤدي إلى استهلاك كامل دخله، رغم كونها خدمات أساسية ينبغي على الدولة توفيرها للمواطن دون أن ينفق عليها ريالا واحدا. وتعليقا على حديث الدكتور نايف رأى الدكتور زياد أن هناك تناقضات صارخة تميز بعض جوانب الاقتصاد السعودي، لأن المملكة تنفق بسخاء على خدمات الصحة والتعليم ومع ذلك فإن هذين الجانبين يمثلان أيضا جزءا مهما من إنفاق المواطنين. واعتبر أن التضخم مسؤولية مشتركة بين القطاعين العام والخاص. فالقطاع الخاص عليه ملاحظات ويتوجب أن يؤدي التزاماته على أكمل وجه، ويلتزم بالحدود والحقوق؛ وذلك رغم أهميته البالغة في المجتمع لإكمال الدورة الاقتصادية، وتوفير فرص العمل للمواطنين. كما أن القطاع العام يجب أن يولي تدوير المناصب الإدارية قدرا من الاهتمام حتى لا يقوم بتعطيل دوران النخبة، وبالتالي لا يواكب التحديثات التي يتعين عليه احترافها، مؤكدا على ضرورة إعادة النظر في الأنظمة والقوانين لنعطي كل ذي حق حقه، ونقضي بذلك على الخلل المنعكس في ظاهرة تضخم الأسعار. الخروج من الأزمة وكحل للخروج من أزمة التضخم، أكد الدكتور عبد الله تركستاني أن التضخم مشكلة كبيرة ومعقدة ومتشابكة ومزمنة أيضا، ومتجذرة في المجتمع السعودي الذي يعاني منها منذ قرابة العقود الثلاثة، مشيرا إلى أن زيادة الرواتب مهمة للحد من التضخم، معتبرا أن علاجه يحتاج إلى خطط بعيدة المدى وخطط قصيرة المدى، لأن الخلل هيكلي ولا يمكن حله بجملة من القرارات السريعة غير المدروسة، مثله مثل مشكلة البطالة التي تحتاج إلى حلول قصيرة وبعيدة المدى أيضا. وقال: إن الحلول قصيرة الأجل تعتمد على حماية المواطن محدود الدخل الذي يمثل الحلقة الأضعف في معادلة التضخم المعقدة، مشددا على أهمية مفهوم عدالة توزيع الدخل، معتبرا أن دعم المنتجات لا يفيد حيث لا يصل إلى مستحقه الحقيقي، لأن كل طبقات المجتمع وشرائحه تستفيد من الدعم، وهو ما يضعف جداوها ويزيد من مخرجاتها السلبية، داعيا إلى توجيه الاهتمام بالخطط طويلة الأجل التي ترفع من كفاءة كل من القطاعين العام والخاص أيضا. التاجر وارتفاع الأسعار أما المحور الأخير وهو التاجر فاستهلت الحديث فيه نشوى طاهر التي أوضحت أن هناك قدرا كبيرا من المشكلات والعراقيل والمضايقات التي يتعرض لها التاجر وتنعكس تلقائيا على ارتفاع الأسعار ومعاناة المواطن التي لا يهتم بها الكثير من الناس، فعلى سبيل المثال عندما يشتري التاجر في المملكة منتجا ما يتوقف سعره على عدد من العوامل والمتغيرات، منها سعر النفط وسعر الصرف إلخ، أما نقل المنتج فله شأن آخر ومعاناة أشد، وقد لا يلتفت الكثيرون إلى أن أحد عوامل التضخم الأخيرة هو ارتفاع سعر تأمين الشاحنات بسبب الاضطرابات السياسية التي تموج بها المنطقة العربية والتي انعكست على ارتفاع الأسعار. ثم انتقلت إلى عرض مستوى الخدمات المتدني الذي تتعرض له المنتجات عند نقلها، مشيرة إلى العراقيل التي تعترض حاويات المنتجات بمجرد رسوها على الموانيء، حيث رأت أن هناك نقصا كبيرا في خدمات الموانئ وهي تفتقر إلى القدر الأدنى من الدعم اللوجيستي على حد قولها، إذ لا توجد فيها قطارات ولا شاحنات ولا سائقين لنقل البضائع ما يجبر التجار على جلب شاحنات وسائقين ومخلصي جمارك بمعرفتهم، ما يزيد التكلفة عليهم كثيرا. وأضافت أن القرارات الحكومية بفتح الموانئ ساعات محدودة كل يوم ومنع سير الشاحنات نهارا يعرقل من حركة نقل البضائع، كما أن المنتجات تمر بمراحل معقدة من الرقابة الحكومية ممثلة في إشراف كل من: وزارات النقل، والتجارة والصناعة، وضغوط الجمارك، ومسؤولي الموانئ، ومختبرات الجودة النوعية، ومختبرات الجودة الخاصة، وقرارات الغرف التجارية، أما الأمر الأدهى والأمر في موضوع القرارات العشوائية هو إصدار قرارات كثيرة خلال فترة قصيرة تتعارض مع بعضها البعض إلى درجة عدم إلمام الموظفين أنفسهم بها أو حتى فهمها على نحو مقبول. من جانبه، وصف الدكتور تركستاني التاجر بأنه يعد في بعض الأوساط متهما حتى تثبت إدانته، موضحا أن أي اقتصاد سواء كان إسلاميا أو رأسماليا لا يقوم بتحديد الحد الأقصى لربح التجار، لأن من يحدد سقف أرباحه هو أحوال السوق فقط. وأوضح أن الاحتكار ليس مرفوضا بالكامل، فالاحتكار له بعض المميزات، ولولاه لما قامت صناعات بأكملها، مثل شركة Apple أو شركة Fordعلى سبيل المثال. ارتفاع جنوني وتداخلت نشوى طاهر في هذا المحور مشيرة إلى أن أسعار نقل البضائع ارتفعت بصورة جنونية، من 100ريال إلى 2000 أو 2500 ريال، ثم تناولت إيجارات المستودعات والتي شهدت بدورها ارتفاعا جنونيا، حيث ارتفع تأجير المتر الواحد من نصف ريال إلى 150 ريالا، وأشارت إلى معاناة التجار في تغيير الباركود في حال حدوث أي تغيير في سعر المنتج في بلد المنشأ وإلى التكاليف المبالغ فيها التي يضطر التجار لتكبدها لمجرد إيصالهم منتجهم ليوضع في أحد أرفف السوبر ماركت طبقا لعدد منافذه، وهو ما يؤثر بطبيعة الحال في نهاية الأمر على سعر المنتج الذي يصل إلى المستهلك مرتفعا متضخما بتأثر كل هذه العراقيل. وفيما أكدت نشوى طاهر أن هناك تجار يستغلون المواسم وظروف البلاد، رأت أنه لا ينبغي أن نضع اللوم بأكمله على التاجر الذي يعاني هو الآخر من مشاكل خارجية وداخلية لتسويق منتجه وبيعه، ممثلة في انعدام الكفاءة والبيروقراطية. وختم الدكتور نايف الندوة بالتشديد على ضرورة التنسيق بين مختلف الأجهزة التشريعية، وصدور القرارت واللوائح من السلطات أو الجهات التنظيمية وليس من الجهات التنفيذية، حفاظا على تطبيق النظام في مواجهة التعميمات قصيرة الأجل، مع التأكيد على أهمية الاستماع إلى التجار وممثلي القطاع الخاص ودعمهم وتحفيزهم، وإصدار القوانين المطلوبة لتيسير دورهم في تطوير الاقتصاد السعودي كلما لزم الأمر.