عشنا الأسبوع الفارط حالة يمكن أن أسمِّيها «عرسًا أدبيًّا»؛ بحصول الشاعر السعوديِّ إياد الحكمي على لقب «أمير الشعراء»، في المسابقة التي درجت على تنظيمها دائرة الثقافة في دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة الشقيقة، وحلول زميله الشاعر السعودي طارق الصميلي وصيفًا له في المنافسة نفسها، وفي ذات حقل الشعر جاء فوز الشاعر السعودي عبدالله العنزي بجائزة شاعر الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلم، عن فئة الشعر الفصيح، التي أقيمت في الحي الثقافي في قطر «كتارا»، كما حقق الشاعر السعودي فايز الثبيتي المركز الأول في الجائزة نفسها في فئة الشعر النبطي، ولم يقف النجاح عند حقل الشعر؛ فقد امتدَّ إلى الرواية أيضًا بحصول الروائي السعودي محمّد حسن علوان على جائزة البوكر العربيَّة 2017، عن روايته «موت صغير»، ومن المؤكَّد أنَّ هذا النَّجاح الأدبي الكبير، والتميُّز الإبداعي الواضح الذي حققه أبناء هذا الوطن المعطاء، ليس «بيضة ديك» أو «رمية من غير رامٍ»، فهم محصلة لإبداع متَّصل، وعطاء تميَّزت به الجزيرة العربيَّة قديمًا، بوصفها مهد الحضارات، ومرتكز الإبداع، ومصدر الإشعاع الأدبي منذ آماد بعيدة، وهو ذات الدور الذي يمتد في العصر الحديث، وهذه التفاتة ضروريَّة نشير إليها لمحًا لندير رؤوس بعض المشككين الذين «يغمزون» من طرف خفي، كلَّما حقَّق أبناء المملكة العربيَّة السعوديَّة نجاحًا في محفل من المحافل العربيَّة والإقليميَّة والعالميَّة، حيث تسرع خواطرهم إلى استدعاء ظنون المحاباة والمجاملة بزعمهم، وكأنَّ هذه الأرض لا تعرف إبداعًا، ولا تحتضن مواهب.. فما أبأس الخواطر، وما أضيق آفاقهم! وبعيدًا عن كل تلك الأصوات النشاز، فالواقع أن حصول المبدعين السعوديين على مثل هذه الجوائز الرفيعة أمر يتَّسق تمام الاتِّساق مع وتيرة التطوُّر المستمر الذي تشهده مفاصل الفعل الثقافي والأدبي في ربوع بلادنا، على اختلاف نظرتنا إليه من حيث الجودة، فمهما كانت درجة هذا الاختلاف والآراء المتباينة، فالراجح أن الجميع متَّفقون على أن هناك فعلاً ماثلاً، يسعى الجميع إلى الوصول به إلى أقصى احتمالات الإشراق، وهنا يكمن جوهر التميُّز السعودي، الذي لا يرضى ب»العادي»، ولا يركن للتنميط الآسن؛ وإنَّما هناك دومًا توق لتفجير الطاقات، وتفعيل لكل تروس الإبداع أينما كانت، وعند من وجدت، ولهذا يكثر انتقاد المنتقدين، ويعلو صوت المقترحين، وتشتد عزائم الساعين نحو تحقيق الأهداف الكبرى المرجوة، وليس أدلَّ على ذلك من رؤية المملكة 2030، التي أولت الفعل الثقافي والإبداعي مساحة مقدرة، ورسمت له أفقًا يحلِّق به في ذرى المجد السامق، ولهذا فما ننفك نسأل عقب كل نجاح يكلل هامة المملكة، ويرصِّع جبينها الوضاء: ثم ماذا بعد ذلك؟ مستذكرين أن بلوغ القمَّة أمر شاق لا محالة، لكنَّ الأشقَّ منه أن يحافظ صاحبها على ذلك، فهنا مناط العمل المطلوب، وضرورة قراءة أسباب النجاح التي أوصلتنا إلى هذه القمم، وكيفيَّة المحافظة عليها أولاً، ثم تطويرها ثانيًا، ليظل اسم المملكة العربيَّة السعوديَّة محفورًا في ذاكرة الإبداع قديمًا وحديثًا، ويظل حضورها في المحافل العربيَّة والإقليميَّة والعالميَّة صنوًا لمكانتها المرموقة التي تبوَّأتها على اختلاف الحقب التاريخيَّة المجيدة والزاهرة التي مرَّت بها، وعلى هذا فإنِّي أجد من اللازم والضروري أن تجد المواهب الشبابيَّة لدينا، في المجالات الثقافيَّة والعلميَّة والاجتماعيَّة، العناية الفائقة، والفرصة الضروريَّة لتحقيق طموحاتها، وإنجاز تطلُّعاتها، ولكن يكون ذلك ممكنًا ما لم تكن هناك مؤسَّسات واعية بدورها، لا تحكمها البيروقراطيَّة، ولا تسير دولاب عملها تروس العمل الروتيني الخالي من دسم الإبداع والابتكار، فإنَّ مؤسَّسات بهذه المواصفات حريٌّ بها أن تقتل الإبداع، لا أن تحييه، ولا يعول عليها في إحداث أي تغيير إيجابي من أي نوع، فالحاجة ماسَّة إذًا إلى مؤسَّسات «رشيقة» الخطوات، تصعد بهؤلاء المبدعين إلى ذروة المجد على سُلَّم العطاء بخطوات الثقة المدعومة بالموهبة الحقيقيَّة، والقدرة البصيرة الواعيَّة.. أبارك لكلِّ الذين رفعوا اسم المملكة عاليًا في كل المحافل، وأرجو أن يكون ذلك محفِّزًا لبقية المبدعين من الشعراء والروائيين والتشكيليين والفنانين، وغيرهم، في أن يحذوا حذوهم، وليدركوا جيدًا أن ذلك في الإمكان طالما أنَّه «إذا تعلَّق قلب امرئ بالثريا لنالها».