في ظل زيادة النتاج الروائي والطفرة المتزايدة على مستوى النتاجات الأدبية الحديثة في كل عام يصبح للرواية وهجها ورواجها ويصبح السرد صاحب الحضور الأقوى فهل يكون هذا الحضور على حساب الشعر كفن أصيل له خطابه المؤثر في الثقافة العربية .. هل أصبحت مقولة (الرواية ديوان العرب الجديد) مقولة حقيقية تنسجم مع واقع الحال في المشهد الثقافي والأدبي ..هل تراجع خطاب الشعر عن ذي قبل؟ أم أن لكل منهما حضوره الخاص؟؟ «عكاظ» طرحت تلك الأسئلة على عدد من الشعراء وكتاب القصة والرواية فكانت الحصيلة التالية: بداية قال الناقد والشاعر الدكتور يوسف العارف: هذا السؤال يوجه للراصد البيبلوجرافي الأديب والقاص خالد اليوسف، الذي أثبت حالة الشعر الراهنة وتناميه على مستوى النشر والطبع . فعلى المستوى المحلي صدر من الدواوين الشعرية في العام 2011م ما يربو على 80 ديوانا. سطوة الشعر وأضاف «هذا دليل واقعي على أن الشعر لا يزال ديوان العرب في بلادنا السعودية ، ناهيك عن البلاد العربية المجاورة والبعيدة». وحيث أكد خالد اليوسف: أن الشعر في تصاعد مستمر وهو رقم يتناسب مع كيان الشعر ومملكته حيث يدل على واقع جميل وأن الشعر لا يزال له وهجه وحياته وأن الشعر على اختلاف أوديته له حضور رائع وأنه ديوان العرب الأصيل. حضور لافت ويستطرد: «صحيح أن الرواية السعودية ، والعربية سجلت حضورها اللافت على المستوى العربي والمحلي ، وصحيح أن قراءها في تزايد مستمر وذلك لطبيعة الرواية وجنسها السردي، المجتمعي، الخيالي أو الفانتازي مع ما دخل عليها من تمرد وتجاوز للتابوه الثلاثي، وهذا جعل منها مادة مطلوبة مقروءة». أضف إلى ذلك أن الرواية العربية قد أقيمت لها الجوائز التشجيعية العالمية (البوكر مثلاَ) وهذا جعل الكثير ممن أوتي مقاليد السرد والكلمة المجنحة والخيال الخصب من الجنسين يتعاطون هذا الفن بأكثرية حتى قلنا بالطفرة الروائية وأنها «ديوان العرب المعاصر». معارضة ويتابع: أنا كشاعر وناقد، وقارئ للرواية والسرد عموماَ – ضد هذه المقولة ، ولازلت أعلن أن الشعر هو الديوان العربي قديما ومعاصرا ومستقبلاَ ذلك أنه يحمل الهوية ، ويعمق الوعي ، ويعقلن الخيال، ويرسم الأحلام ، ويصنع الذهنية ، ويفضي إلى التواصل الإنساني .. دولة الشعر ويمضي العارف: «الشعر دولة قائمة لم تزل ترسي أركانها على يد الشعراء المبدعين ومدوناتهم الشعرية ، ولا زال الفضاء الثقافي يشهد الإبداعات المتتالية في كل المدارس والاتجاهات الشعرية!! لقد قلت ذات مثاقفة لو صنع للشعر والشعراء من الجوائز والمحافل التي صنعت للرواية الفضائحية المتماسة مع التابوهات المجتمعية والدينية وسواها لكان للشعر سوقه مثل الرواية هذه الأيام». سمو الشعر كما يؤكد أن الشعر أسمى وأعمق مما تشكل في المدرسة السردية «على حد تعبيره» بل يذهب إلى أبعد من ذلك حين يقول: «الشاعر أرقى من أن يتعاطى هذا الأسلوب الكاشف الشعر والشاعر يرتقيان بالذوق ، ويمجدان الأدب ، ويخلقان الطبع الأصيل والسليم، ولو قل القراء واستبدلوه بالرواية قراءة وكتابة». غياب الدعم واستطرد قائلا : إن حضور الشعر في هذا الزمن السردي حضور لافت وممتع ويحتاج إلى التشجيع والجوائز والجمعيات والأندية الشعرية وبيوت الشعر وتبني الدولة ووزارات الثقافة لمبدأ تفريغ الشاعر حتى تعود دولة الشعر والشعراء ونستمع للعمالقة أمثال محمد حسن عواد ومحمد علي السنوسي ومحمد الثبيتي وحسن القرشي، وغيرهم من المحمدين والعبادلة!! موسيقى الروح من جهته، يقول الشاعر عبدالرحمن الحربي المسؤول الاداري بنادي تبوك الأدبي: الشعر موسيقا الروح لا يمكن لأي فن قديم أو حديث أن يزاحمه على مائدة الأدب الأزلية وسيبقى ديوان الأرواح ما بقيت تبوح له بغيبياتها وضلالاتها وحقائقها وأوهامها، وأما ما قيل عنه إنه ديوان العرب فليس إلا مديح استجداء للعطية، أو يجعل من القبيلة خلقا من نور يصنعون من المعجزات مجدا لا يبلغ كنهه كل من نزع الله منه شرف الانتماء إليهم؛ فلم يكن الشعر على مر التاريخ مدونا إلا لشجاعة وكرم ومجد وصيت ومكارم أخلاق صقل الشعر زيفها بخيال واسع تموسقت بها أرواح العرب الذين كانوا ديوانا للشعر ولم يكن الشعر في يومٍ ديوانا لهم! مجرد سيرة أما عن الرواية فيقول الحربي: «إن كانت ديوان العصر فلا تعدو أن تكون سيرة ذاتية لفرد أو مجتمع أو زمان أو مكان ؛ إذ أن مفردة الديوان ترتبط في إيحائها بمفهومين : قديم وهو سياسي أمني ارتبط بالشرطة وتدوين الأحداث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحديث وهو المكان الذي تسرد فيه الأحداث دون ارتكاز على أسس روائية فنية . وأما ما شاع عن تسمية الديوان الشعري بديوان فهي مفردة لا تتجاوز جمع القصائد في دلالة ذهنية لا أصل لها إلا التدوين بمفهومه الكتابي. وترى القاصة شيمة الشمري ان لكل فن أدبي مكانته في نفس متذوقيه ومتابعيه، والشعر له كتابه ومبدعوه كما له وهجه وجمهوره وأنا منهم .. لا ننكر أنه قد تمر فترة خمول وضعف في المستوى الأدبي، لكن هذا لا يعني تلافي الجمال من طياته وأفول نجمه، هو موجود يمارس غوايته كما كان وأكثر وما يمر به من مزاحمة منبرية ومشهدية طبيعي نظرا لكونه فناً فريدا والآن هو يستمتع بصحبة القصة والرواية ولكل متذوقوه ومحبوه، وبروز الرواية بهذا الشكل الوافر لا يعني جودتها وكثرة متابعيها وطغيانها على الذوق العام، هناك من يشتري الكتب ليزين أرفف مكتبته فقط ؛ لا لشغف القراءة! ونحن قد نقرأ عشر روايات لا نجد المتعة والمستوى الفني اللائق إلا في واحدة مثلا .. واقع مشوه وتضيف شيمه بقولها: أما عن المحتوى الروائي وكونها ديوان العرب الجديد فأقول: لم يعد للعرب محتوى جدير بأن تحفظه الدواوين! وكل ما نراه في أغلب الروايات واقع مشوه وكلام مكرر وتجارب شخصية وخواطر مبعثرة، مع العلم أن هناك قليلا من الروايات كتبت بحرفية وفنية عالية المستوى تجبرك على اللحاق بكل أحداثها وإتمام صفحاتها .. يبقى لكل فن محبوه والاختلاف في مجال الإبداع. صدى الرواية وفي ذات السياق، يرى الشاعر زاهر البارقي أن الرواية في عصرنا الحالي قد شغلت حيزا كبيرا من الأدب كما ملكت وقت العديد من الأدباء والقراء ومن بينهم الشعراء، ويضيف قائلا : «أنا عن نفسي قد اتجهت الى قراءة الرواية واستمتعت بعدد من الروايات المحلية والعربية والعالمية فنجد ان الرواية العربية بدأت تعالج القضايا الاجتماعية والسياسية أكثر من الشعر وكذلك أصبحت ذات صدى واسع أكثر من الشعر فروايات: شرق المتوسط، ومجموعة مدن الملح لعبدالرحمن منيف التي أثرت فيّ شخصيا كشاعر وأصبحت اهتم بالرواية والقصة أكثر من اهتمامي بالشعر». وقع اجتماعي ويضيف البارقي: «مجموعة الصبي الاعرج لتوفيق يوسف عواد كان لها وقع اجتماعي كبير وتأثير عظيم في الواقع الاجتماعي فالقصة او الرواية هي (مرآه الحياة لكل ما في الحياة) كذلك نجد محليا رواية الجنية التي كتبها الدكتور غازي القصيبي رحمه الله وهو شاعر فحل فمن هنا تشرق الفكره فشاعر كبير كالدكتور غازي كتب الرواية واهتم بها دليل كبير في ريادة الرواية وغلبتها على الشعر في عصرنا الحاضر وكذلك شقة الحرية والعديد من الروايات الاخرى له رحمه الله وأنا شخصيا قرأت (الجنيه) اكثر من عشر مرات وفي كل مرة اجد ومضة فنية لم اكتشفها من قبل وعلى الصعيد المحلي ايضا نجد عبده خال يطرح بين أيدينا «مدن تأكل العشب» ونعود للصعيد العربي فنرى الطيب الصالح يصور حياة الشعب السوداني اجمل تصوير في موسم الهجرة الى الشمال هذا ما دار في ذهني الساعة وهناك العديد والعديد من الروايات التي لها صدى واسع وتأثير ايجابي في وطننا العربي. أعود وأقول ان الرواية قد احتلت منزلة أعظم من منزلة الشعر صحيح ان الشعر ديوان العرب ولكن الآن أرى أن الرواية هي تاريخ العرب الحديث. تفوق السرد أما الكاتبة والروائية بدرية البليطيح فلها رأي آخر إذ تقول: «السرد في المملكة خلال الآونة الأخيرة يعيش مرحلة انتقالية وازدهارا واضحاً وحضورا لافتا، فبدا جليا للكثير وبلا عناء أثناء متابعة سريعة للمشهد الثقافي أن ما يعيشه زمن السرد هو عصره الذهبي وقد تفوق من خلاله على الشعر حتى رأى فيه من رأى بأنه ديوان العرب في ظل التفوق الواضح على الشعر وبقية الفنون الإبداعية الأخرى وفي ظل اندفاع الجيل الشبابي للأدب المترجم مؤخرا وتأثر الأدباء أنفسهم بالبيئة الغربية وهي البيئة الجاذبة للشباب حيث تساهم بنقلهم لبيئة مغايرة عن بيئتهم أوسع وأرحب تالية ومكملة لما يشاهدونه من أفلام أجنبية .. جناية المتسللين وتضيف البليطيح من الملاحظ أن الشعر تراجع قليلا ليسمح لقوافل النثر بالعبور اضطرارا لا اختيارا مع بقاء أهميته ومكانته وأصالته التي صنعها الكبار أمثال المتنبي والبحتري وأبي تمام والنابغة وغيرهم كثير حيث يعتبر على مدى قرون ابن العرب البكر المدلل وسفيرها المعتمد إلى أن تسلل إليه المداحون والرداحون والمتكسبون وسماسرة الشعر دون تعميم فما زالت الساحة الشعرية تعج بشعراء كبار لهم مكانتهم ولا يستهان بهم لا يعكر صفو قرائحهم من أقحم نفسه بالشعر بمجرد نظم بيتين أو قصيدة مختلة الوزن مشتتة المعنى تعاني من تراص كلمات عشوائية لا تحمل مدلولا تهتز له المشاعر أو تتعطر به الأنفاس أو تطرب به النفوس وما أكثر هؤلاء المتسللين بلا هوية طلبا للشهرة والبروز . تبادل أدوار وتضيف: «يخطئ كثيرون عندما يخلطون بلا قصد بين أهمية فن أو جنس أدبي وآخر ويرجحون ذلك على سواه بمجرد سطوع نجمه لفترة وأفول غيره لذا سرعان ما يتوارى ويحل محله آخر بالتناوب وبلا شك أن لكل جنس أدبي مذاقه الخاص ومتذوقيه ومن يعشق تذوق الشعر وليد اللحظة والتجربة والكثافة اللفظية والمعنوية لا يجد المتعة ذاتها بين دفتي رواية طويلة تحتاج لطول نفس وتأن قبل الوصول للخاتمة ولو شاعت وانتشرت كما هو الحال مع عاشق الفن الروائي يبحث عن مطلبه ولو خارج البلاد وشق الأنفس . وربما يوجد من يجمع بينهما ويحرص على تذوقهما معا وهم كثرة . سهولة التناول وما حدث بالآونة الأخيرة من إقبال على الفن الروائي فهو متوقع ومنتظر لأن تناوله متاح بسهولة لعامة الناس بمستويات ثقافية وعمرية مختلفة بشكل سلس مسل لا يحتاج لقواميس اللغة أو خبرة باللهجات وقد أعجبني قول لأحدهم. وتؤكد الكاتبة البليطح أن الشعر، لكونه ديوان العرب حقيقة، فإن الرواية، توضيحاً، هي «ديوان العرب» مجازاً، وهذا المجاز اقتضاه التشبيه، بسبب سعة الانتشار، لا أكثر ولا أقل. بروز الرواية ومن أسباب الاقبال على الفن الروائي قدرة الرواية على تناول الموضوعات بتفصيل أكثر، و لا يقل الشعر عنها في هذا الجانب،بدليل أن الشعر على المستوى الجماهيري لازال في الصدارة، وبرنامجا «أمير الشعراء» و«شاعر المليون» أثبتا جماهيرية الشعر وشدة تعلق الناس به. وبالنهاية لا يعتبر انتشار الرواية دلالة على الجودة فالطلب عليها بحثاً عن اسم أنثوي أو ملامسة للتابو المحرم من جهة والتسويق والدعاية والإعلان من جهة أخرى يعتبر من أسباب الانتشار .