في زمن الماديات ووسائل التواصل الاجتماعي التي سرقتنا من أحبابنا، وحتى من أنفسنا يبقى هناك بشر يقال عنهم أنهم من زمن الطيبين! بشر يوزنون بأغلى من الذهب لجمال روحهم، وتواضعهم، وتواصلهم مع الصغير قبل الكبير، لدرجة أننا نتمنى ألا نفارقهم الدهر كله. ما أقسى الموت هادم اللذات، كم يفجعنا برحيل أمثال هؤلاء الطيبين، ففي يوم الأحد السادس من جمادى الآخرة لهذا العام اختطفت أيدي المنون الحاج صاحب القلب الكبير حسين محمد أحمد البراهيم عن عمر يناهز الخامسة والسبعين تقريبًا. عرفت أبا محمد منذ طفولتي رجلًا بمعنى الكلمة - ولا أزكيه على الله - رجلًا بسيطًا، متواضعًا متواصلًا مع جميع الناس حتى في أشد ظروفه الصحية ألمًا. عرفته محبًا للجميع، محبًا للخير، يتمتع بصفات وأخلاق رائعة أبرزها روح الدعابة وممازحته للآخرين دون استنقاصهم، عرفته إنسانًا تقيًا نقيًا حريصًا على المحافظة على صلاة الجماعة وحريصًا على حضور المحاضرات الإسلامية.. كان جامعًا لأهله وأقربائه في منزله في أي وقت، حيث كان بمثابة عميد لهم. كان مكافحًا صبورًا جلدًا منذ نعومة أظفاره في مهنته التي ورثها عن آبائه وأجداده، متعففًا عما في أيدي الناس، لم تغره الدنيا بزخرفها وغرورها.. كان - طيب الله ثراه - يأسرك بحديثه عن حكايات الزمن الأول وصعوبات الحياة قبل طفرة النفط، وعن تضحيات آبائنا وأجدادنا الذين حفروا الصخر، وجابوا البلاد بحثًا عن لقمة العيش حتى اضطر بعضهم الهجرة إلى العراق وبلاد الشام وغيرها. لقد فقدنا أبا محمد أبًا، وأخًا، وصديقا للجميع. إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقه لمحزونون. في فاجعتنا الأليمة بفقده أعزي رفيق عمره وصديقه أخاه أبا إبراهيم، وأبناءه الكرام البررة به، وأهله، وأقاربه، ومحبيه.