لا أشك أن صبر الزوج على سوء عشرة زوجته، إذا كان له منها أولاد، خير من طلاقها، فالطلاق وإن كان مباحاً فهو أبغض الحلال، والصبر عليها في مصلحة الأبناء، ويثاب عليه الزوج، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)، بل إن صبر الزوج على عوج في المرأة هو قربة وطاعة، فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، ويقول: (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج، وأعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته استمتعت بها على ما فيها من عوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا)، وصبر المرأة على الزوج وإن ساءت عشرته خاصة مع وجود أولاد منه، كذلك هو صبر يثيب الله الزوجة عليه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: زوجها، قلت: فأي الناس أعظم حقاً على الرجل، قال: أمه، فيما روى الترمذي وابن ماجة والحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة، ولو أن كلا من الزوجين وجد لديه الصبر على شريكه لاستطاعا أن يتقاربا في سلوك يجمع بينهما ولا يفرق، فما يحتمله أحدهما من سلوك صاحبه إن رأى فيه اعتسافاً أو انحرافاً قد يوحي لصاحبه بذات الشيء، فيحتمل كل منهما ما يتوقع من ردة الفعل عند صاحبه، ولهذا كان النشوز منهما بحسب لفظه يعني أن يتعالى أحدهما على الآخر، فيتورط في سلوك يجلب القسوة، وما صبرا إلا وتجنبا هذا السلوك، ويظهر حينئذ السلوك الذي أراده الله منهما، والذي صفته الأساسية المودة والرحمة، فإذا وجد الحب والمودة غاب العصيان الذي هو النشوز بتعالي أحدهما على الآخر، فيمنعه حقوقه فتظهر المشكلات في أبشع صورها، ولهذا فإشاعة خلق الصبر على سلوك كل منهما تجاه الآخر مجلبة للمودة والرحمة لاستمرار الحياة الزوجية الأرقى، التي يتوفر فيها الصبر في أرقى صوره الذي يمحو أي سلوك يتجه للفراق، فالخلع كوسيلة للفراق لا تطلبه المرأة لو تولدت لديها فضيلة الصبر، ولما طعنت به رجولة زوجها حتى يقع بينهما الفراق، ولو نحت نحو استبقاء المودة ما استطاعت لاستمرت الحياة ولعاش الأبناء بينهما سعداء، ولعل ما نشر مؤخراً عن امرأة رفعت ضد زوجها قضية خلع، فلما مثلا أمام القاضي وأسرفت الزوجة في الشكاية من الزوج وأحسّ الإهانة، ولعله كان مريضاً داهمته أزمة حادة توفي على إثرها بحضور أبنائهما، مما دعا الزوجة أن تعلن أنها قد سامحته، ولو أنها صبرت لما خسرته وعمره قد انقضى، ولمات دون كل هذا، فالأجل لا يتقدم ولا يتأخر، ولبقيت الذكرى في بيته سالمة. إن الصبر على الخلاف بين الزوجين، محاولة حلّه دون أن تخدش به الحياة الزوجية، قد يؤدي إلى انقضائه دون خسائر ما استمع الزوجان لما ندب إليه الشرع من صبر كل منهما على الآخر، وفي سيرة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أزواجه، وسيرتهن معه آداب لو اقتدى بها الزوجان لما حدث بينهما اختلاف أبداً، ولما وقع بينهما تنافر ولما ظلم أحدهما الآخر، ولو اخترنا من سير الصالحين وزوجاتهم الصالحات ما نربي عليه أولادنا وبناتنا لأنشأنا بيوتاً يرفرف عليها الأمان والإيمان ويبتعد عنها الاختلاف، فانتخبوا يا علماءنا الكرام من فضائل الصالحين والصالحات ما تهدون به أبناءنا وبناتنا لبناء أسر تعيش في ظل الأخلاق الزوجية الرائعة التي امتلأ بها تراثنا الإسلامي، ولعلكم فاعلون، فهو ما نرجو منكم، والله ولي التوفيق.