فرق كبير بين بدايات القصة ونهاياتها، بين الأمل الذي أشرق في عيون هذه الفتاة الصابرة والشمعة التي انطفأت فجأة ولم يعد لها وميض أو شعاع، فبدايات زهراء البركاتي طالبة السنة التحضيرية بجامعة الملك عبدالعزيز كانت ورديّة تقاسمتها أحلام الحصول على شهادة جامعية والوقوف بجوار الأم التي أعياها المرض والحصول على أموال كي تشتري لها الدواء بينما الخواتيم كانت بحق مأساوية لا يحكيها فقط طول رحلة المعاناة ومشقة الركض من المستشفى للجامعة ومن بعد إلى المصنع وإنما يعلن عنها بوضوح «الذراع المقطوعة» ومع فصول القصة الدراماتيكية الحزينة التي تقارب شبها أفلام هوليود المبكية إلا أن زهراء قدمت للحياة حكاية خاصة من حكايات البطولة الأنثوية لم نعد نسمع ونقرأ عنها كثيرًا. فتاة قسّمت ساعات يومها بين ركض وراء العلم وهرولة وراء الريال وسباق مع الزمن من أجل جرعة دواء. فتعالوا نقرأ قصة زهراء البركاتي ذات الستة مشاهد ونقف على المسافات الفاصلة بين ورود الحلم ودماء الذراع المتساقطة. المشهد الأول بدأت مشاهد القصة التي عاشتها زهراء البركاتي - حسبما روت ل»المدينة» - بأمنية فقيرة حيث فكرت في الانتساب لجامعة الملك عبدالعزيز على أمل أن تحصل على شهادة جامعية وخلال توهج الحلم الجميل مرضت والدتها مرضًا شديدًا وباتت الحاجة ماسة لأموال تكفي لشراء الدواء، لحظتها صنعت لذاتها حُلما آخر بل شمسًا مختلفة ونجحت في الحصول على عمل بأحد المصانع المتخصصة في المحاليل الطبية بالمدينة الصناعية بجدة بمسمى «عاملة خط إنتاج» وكم كانت سعادتها وهي تقسّم راتبها بين مصاريف الدراسة وعلاج أمها. مشاهد على مدى شهور عاشتها زهراء البركاتي عنوانها السعادة وهي تحقق حلمين لا حلمًا واحدًا. ومع الفرحة الكبيرة كانت فصول «الصدمة الأكبر» التي بدأت خلال موعد الاستراحة الرسمي وقبيل مغادرة المصنع بدقائق معدودة حيث تفاجأت زهراء أن مشرفتها في العمل تطالبها وتأمرها بمسح السير الكهربائي. لحظتها أجابتها أن هذه مهمة رجالية ولم تتدرب عليها كما أنها تحمل قدرًا عاليًا من الخطورة هذا بخلاف كونها بعيدة عن مهام عملها كمراقبة إنتاج موكولة بفرز المحاليل ومراقبة خطوط الإنتاج واستبعاد التالف وغير المستوفي للشروط ولكن المشرفة أصرت بل وهددت زهراء بحرمانها من الاستراحة إذا لم تستجب لطلبها. المشهد الثاني اضطرت زهراء للاستجابة لطلب المشرفة وتعاطت مع أوامرها بصبر وهي غير مدركة عواقب العمل الذي ستقوم به وبدأت في مسح السير الكهربائي. ولكن السير «الأخرس» لم يحترم حلمًا ولا أمنية ولم يكن يدري أن وراء اليد التي تمتد لتمسح ماعلق به من تراب حلمًا جامعيًا وأما مكلومة وريالًا بعيدًا. قطع السير ذراع زهراء من مفصل الكتف وبدأت صرخاتها تعلو وعبارات استنجادها تزيد كما علت أيضا صرخات زميلاتها العاملات كي يهرول العمال الرجال لإنقاذها حتى جاء عامل فلبيني وقام بفصل التيار الكهربائي وحمل الذراع الغريب أن الدماء ظلت تنزف لفترة طويلة والفتيات يركضن يمينا ويسارا بحثا عن وسيلة إنقاذ. فالمصنع يفتقر- حسب رواية البركاتي - لمخارج الطوارئ وأي من وسائل السلامة وبعد مشاهد القلق والخوف تم رفعي على رافعة البضائع - ناقلة الكراتين - إلى خارج المصنع ثم طلب مني أحد العمال ان أترجل على قدمي لدخول السيارة ليتم نقلي لمستشفى الملك عبدالعزيز برفقة ذراعي المبتورة. المشهد الثالث كان موقف المشرفة - حسبما أفادت زهراء ل»المدينة» غريبًا ومدهشًا وغير متواكب مع الحادثة التي ترتجف لها القلوب والصرخات العالية والدماء المنسابة إذ قالت: إنها كانت واضعة سماعات الجوال في أذنها تتابع الموقف من بعيد ببرود ثلجي حتى خطف السير كامل ذراعها من الكتف وسقطت أرضًا. وأمام هذا المشهد المفجّر للبكاء تركت المشرفة المكان لاعتقادها أن الموت عجّل بي من جراء ما حدث بينما ظل النزيف يزداد وأنا أرتجف من مشهد الدماء لا أدري حيّة انا أعاين ماجرى لي بعين الحقيقة أم ميّتة في عالم آخر لا أدريه؟ المشهد الرابع المقعد الأمامي في السيارة التي نقلت زهراء للمستشفى امتلأ بالدماء ومع صرخاتها وبكاء رفيقاتها كانت «الصدمة الثالثة» حيث رفضت طوارئ المستشفى الحكومي الواقع جنوبجدة استقبال حالتها بحجة أنها على وشك الموت من شدة النزيف كما رفضت إدارة المستشفى أيضا تحمل مسؤوليتها واكتفوا بلف الذراع ببلاستيك شفاف الى أن يتم نقلها لمستشفى آخر وبعد 4 ساعات من النزيف المتواصل الذي كاد أن يوقف قلب الفتاة وصلت زهراء برفقة ذراعها إلى المستشفى الجديد وتم تقديم الاسعافات الاولية لها وعمل العلاجات - على حساب التأمين الطبي للمصنع - ومن بعد إجراء جراحة عاجلة في محاولة لإعادة الذراع المبتورة من الكتف ولكن «الذراع» للأسف لم تستجب حيث تلفت بفعل التلوث والإهمال ولم تعد صالحة كي تعود - مجددًا - لجسد زهراء مما دعا المستشفى إلى إصدار تصريح بالدفن للذراع المبتورة في مقبرة الأعضاء بجدة. المشهد الخامس حالة من التجاهل المتعمد - كما روت زهراء - استمرت 10 أيام أو ما يزيد من مسؤولي المصنع حيث لم يطرق باب غرفتها في المستشفى مسؤول واحد ولم يفكر أحد في السؤال عنها «حيّة هي أم فارقت الحياة» بينما اكتفى المصنع بإنزال راتبها في موعده قربانًا هادئًا من قرابين السكوت والصمت حتى لا تطالب بأي حقوق قانونية ليس هذا فقط بل بث لها رسالة عن طريق إحدى العاملات مفادها اعتزام المصنع مكافأتها ب 3200 ريال في محاولة لإرضائها. كل هذا يضاف لتهديدها عن طريق وسطاء بأنها لو شكت المشرفة وذكرت ما حدث سيتم حرمانها حتى من إمكانية علاجها في الخارج والتي كانت مجرد وعود لتسكين القضية. المشهد السادس غادرت زهراء المستشفى وقد تحولت لفتاة عاجزة لا تستطيع علاج أمها ولا حتى مساعدتها بتقديم كوب ماء كما تركت الجامعة لأن يدها كانت تعينها على الكتابة. لم تترك مكانا الا وطرقته - رغم العجز بحثا عن القصاص لذراعها - ولسان حالها أن الله فوق الجميع متساءلة بينها وبين نفسها أي جرم استحق عليه كل هذا الجحود والنكران من مصنع عملت فيه بإخلاص؟ ولماذا ماتت الرحمة ولم يتحرك احد لعلاجي بالخارج بزراعة طرف أو حتى لحصولي على تعويض؟ وماهو مصير فتاة مثلي تعرضت للقهر..هل تموت بالقهر أم ستصادف من يتعاطف معها؟. تمتمة حزينة تقول زهراء البركاتي: أنا فتاة أعيش ظروفًا صعبة مع أمي وأختي. عملت في مصنع وأنا في العشرينات من عمري وكنت مثالًا للموظفة المتفانية في العمل. كما أكملت تعليمي لأحصل على شهادة توهلني للعمل في وظيفة براتب جيد أساعد به أمي في رحلة العلاج. ولكن شاءت الظروف أن أصبح عاجزة انتظر بخجل نعم بخجل أن تعينني أمي لارتداء ملابسي أو تمشيط شعري. محام: حقوق مالية وعلاج للفتاة لشمولها تحت مظلة التأمينات من جانبه قال المحامي خالد عبدالجبار في تعليقه على القضية: إن الإجراء القانوني في مثل هذه الحالات يتمثل في التوجه الى التأمينات الاجتماعية لمراجعة الحقوق المالية والتكفل الكامل بعلاج العاملة التي أصيبت بما يتناسب مع حالتها خاصة وأنها كانت تحت مظلة التأمينات الاجتماعية أثناء عملها. العمل:تحويل القضية للتأمينات الاجتماعية لاختصاصها بطلب التعويض «المدينة» تواصلت مع حنان سليم مسؤولة بمكتب العمل بمحافظة جدة لتسأل عن القضية وموقف «العمل» منها: قالت: إن القضية تمت إحالتها إلى التأمينات الاجتماعية لأنها الجهة المخولة بطلب التعويض عن إصابة العمل - بموجب التقارير الصادرة من المستشفى بعد الحادث.