يُحكى أنَّ لويس الرابع عشر (1638- 1715م)، قال: «لو لم أكن ملك فرنسا، لوددتُ أنْ أكونَ مُحاميًا». *** لا أعتقدُ أنني أُبالغ إذا قلت: إنَّ مهنة المحاماة، وتخصص القانون عمومًا، بات من أكثر التخصُّصات ذات المستقبل الواعد لممارسيه وطلابه، سواء من الناحية التوظيفيَّة، أو الاجتماعيَّة، أو الماديَّة. ويتأكَّد هذا الاعتقاد بعد اكتمال تنظيم المهنة، ومنع غير المختصِّين بها من مزاحمة المحامين، ومع السماح للمرأة بممارسة المحاماة مؤخَّرًا عام 2013، وأخيرًا مع تأسيس الهيئة السعوديَّة للمحامين بقرار من مجلس الوزراء عام 1436ه. كما انعكست هذه الصحوة القانونيَّة على تنامي الاحتياج للقانونيين في مختلف منشآت القطاع العام والخاص، وبالتالي على تزايد الطلب والمنافسة على مقاعد كليَّات الحقوق بالجامعات الحكوميَّة، حيث النسب المقبولة عالية، وتقارِب نتائج المفاضلة على التخصُّصات العلميَّة والهندسيَّة. *** وقد كتبت هذه الحقائق المبشرة لأتحدَّث عن حلقة ضعف تعكر صفو الإيجابيَّة الموجودة في هذا القطاع. وتتمثَّل في العقبات التي تواجه طلاب القانون بعد تخرُّجهم وانخراطهم في فترة التدريب المطلوبة للحصول على ترخيص ممارسة المحاماة. وأهمُّ هذه العقبات نقطتان رئيستان: * أولاً: الناحية المهنيَّة.. فمن المعلوم أنَّ فرض فترة التدريب كشرط للرخصة هدفه صقل الخبرة العمليَّة لخرِّيج القانون، بينما عديد من مكاتب المحاماة تكلِّف المحامين المتدربين بأعمال لا علاقة لها بذلك، مثل أعمال (التعقيب)، و(السكرتاريَّة)، والأعمال الإداريَّة بدلاً من تدريبهم تدريبًا حقيقيًّا، وصقلهم عمليًّا بالخبرات القانونيَّة المتنوِّعة. * ثانيًا: الناحية الماديَّة.. فالمتدرِّب لا يحصل على راتب، وإن وجدت المكافأة فهي رمزيَّة، تقارب في معظم حالاتها المكافأة الجامعيَّة، رغم أنَّ مدة التدريب طويلة (3 سنوات)، ورغم كون المتدرِّب خريجًا جامعيًّا يستحقُّ راتبًا وظيفيًّا معقولاً على غرار غيره، فكيف يعول نفسه، ومَن يحتاجه طيلة 3 سنوات بعد تخرُّجه؟. وقد تمَّ ذكر هاتين النقطتين وغيرهما في عدد من المقالات والمحافل، منها حلقة النقاش بين المحامين والمتدرِّبين، وطلاب القانون التي أُقيمت العام المنصرم، ونشرت صحيفة مكَّة تقريرًا عنها، في عددها الصادر بتاريخ (8 مارس 2016). *** ومن هنا، أقترحُ على وزارة العدل تقنين فترة التدريب من خلال المتابعة والرقابة، ووضع حد أدنى لراتب أو «مكافأة» المتدرِّبين بالتعاون مع وزارة العمل، وعلاج الأسباب الحالية لقلَّة مخرَّجات التدريب العمليَّة، خصوصًا مع كون مرحلة التدريب طويلة نسبيًّا، وتُعادل عدد سنوات دراسة التخصص، بالإضافة إلى كونها منعطفًا مهنيًّا مهمًّا لأيِّ ناشئ في مجال المحاماة. وهذا العلاج مهمٌّ من أجل مواكبة الازدهار والتطوُّر الذي وصلت إليه مهنة المحاماة في وطننا العزيز.