زرت قبل أيام صديقاً لي يرقد في العناية المركزة ووقفت طويلاً بجانب سريره آملا أن يفتح عينيه ويراني ويتحدث معي، لكن حالته الصحية كانت أصعب من أن يتمكن من ذلك. انهمرت دموعي أثناء وقوفي ومر بي شريط طويل من الذكريات التي عشناها معا في صغرنا بمدينة الطائف، وهي ذكريات ليست بالنسبة لي عادية لأنها غيرت كثيراً من جوانب حياتي، وكان لصديقي أحمد شفاه الله الفضل بعد الله تعالى في ذلك التغيير الذي لا زال في كثير من جوانبه ملازماً لي حتى يومي هذا. فقد كان أحمد ليس مجرد صديق بل أخاً أكبر اعتبرته قدوة لي في كل شيء، كان مَخزناً لهمومي وأسراري وناصحاً وموجهاً لي في وقت كنت أحوج ما أكون فيه للنصح والتوجيه. أدين بالفضل لله ثم له بتغييره مجرى حياتي العلمية، فقد كان طالبا نابغاً في المواد العلمية والرياضيات بعكسي تماماً، حيث كنت لا أحب تلك المواد وكنت أنجح فيها بشق الأنفس بعد كثير من الدروس الخصوصية منه. تذكرت ودموعي تنهمر وأنا أقف بجانبه تهنئته لي بعد نجاحي بصعوبة في الصف الأول ثانوي، وسؤاله لي «هل ستلتحق بالصف العلمي أم الأدبي؟»، فقلت له «العلمي»، فقال لي «بل سجل في القسم الأدبي فهو يتناسب أكثر مع ميولك الأدبية». ولم يكتف بذلك بل عاتبني بشدة قائلا «ستدخل أدبي وستكون من العشرة الأوائل على المدرسة وأنت قادر على ذلك». دخلت القسم الأدبي وفوجىء كل من يعرفني بتحقيقي للترتيب الأول على الصف الثاني ثانوي، ثم كنت من العشر الأوائل على منطقة الطائف، والأول بعدها على الدفعة عند تخرجي من الجامعة. تغيير كبير ما كان سيحدث لولا كلمة من ذلك الصديق النصوح شفاه الله وعافاه. كان أحمد قدوة لي بعدم التدخين رغم انتشاره حينها بين أقراننا، وقدوتي بممارسة الرياضة وحبها. لم أدخن في حياتي سيجاره واحدة بسببه، وشجعني حبه للرياضة على ممارستها بشغف حتى اليوم. ورغم كونه عاشقاً لنادي الاتحاد إلا أنه هو من زرع حب الأهلي في نفسي دون أن نختلف يوماً بسبب «الكورة» كما يحدث اليوم بين كثير من الأصدقاء. تعلمت منه - شفاه الله - أن السمعة الطيبة واحترام الناس هو أغلى ما يملكه الإنسان، ولا أنسى كيف كان يحظى باحترام كبار السن في الحارة والذين كان رضاهم على أي مراهق أمراً صعب المنال. أسأل الله عز وجل أن يشفي أخي وصديقي أحمد وأن يعيده سالماً معافىً إلى أهله ومحبيه. يقول الشاعر: سلامُ على الدنيا إذا لم يكن بها .. صديق صدوق صادقُ الوعد منصفا