سأستخدمُ في مقالتي هذه، بعض الأوصاف التي قد تبدو سلبيَّة وقاسية، لكن ستكون إيجابيَّةً ورحيمةً إذا أردنا أن نجد عذرًا، أو مخرجًا لمن برر الكيد في صراعاته الإداريَّة، متقمص الصالح العام، بينما تلبسته أهدافه ونواياه العدوانيَّة. ويعرف الكيد بالمَكْرُ والخُبْث، وهو إضمار الشَّر للغير، مع إظهار الخير له، واستعمال الغِيلة والمكر والخديعة في المعاملات. وهو مقترن بالوسواس الشيطاني، مع أنَّه ضعيف إلى ما يريد الله تعالى إمضاءه وتنفيذه (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ). ويكبر الخبث الإداري، ويكبر معه شيطانه كلَّما صعد الفرد في سلالم الوظائف الإداريَّة، أو الأكاديميَّة، وخاصَّة ممَّن تقلَّد وظيفة قياديَّة، وتمكَّن من زمام الأمور واتِّخاذ القرار. ويتناسب حجم شيطانه الإداري مع منسوب الخبث في نفسه، وتتنوَّع أساليب الخبث في صراعاته الإداريَّة بين الحفر والدفن، لتسلُّق أو إزاحة «عقبة» بشريَّة عن سلم الصعود، ولا يمكن القول إنَّ هذا الأسلوب أخبث من الآخر؛ لأنَّه أمرٌ مرهونٌ بنتائج الدهاء. إنَّ الموظف «الشيطان» والداهية في الخبث الإداري لا يعلم أنَّ الحقوق الوظيفيَّة التي كفلتها النظم واللوائح الإداريَّة، هي الحقوق التي تستند على مبادئ الإنصاف والعدالة بين كافة الموظفين، وليست المستندة على الشخصنة والصحوبية والمصالح الأخرى. والموظف «المؤدَّب» أو «الساذج في نظر البعض» هو من يمتلك حقوقًا أدبيَّة أو أخلاقيَّة مستندة في الغالب على الاعتقادات الدينيَّة، ويعي بالنوايا العدوانيَّة الشيطانيَّة المسمومة والمفضوحة. وتقمّصه ثوب المثاليَّة في وقت يتعرَّض فيه لأشد المؤامرات خبثًا أمر لا مكان للسذاجة فيه (لست بالخب ولا الخب يخدعني)، فالساذج وحده من يحسن الظن بنوايا «العفريت»، إذا تعرَّت وباتت تنضح بما يختلجها من كراهية واستهداف على المكشوف، وإذا انكشف أمره لا يصدق ولو صدق. والعلاقة المهنيَّة إذا تجانست وأصبحت في وئام مع العلاقة الشخصيَّة أصبح فيها الخير الكثير من أجل تحسين الأداء في المؤسسة التي يعمل بها المنتسبون إليها، فطوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمت علانّيته، وعزل عن الناس شره.